الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الاقتصادية الروسية ضد الكتلة الغربية

جورج حداد

2014 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


بعد ايام من اعلان الولايات الممتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي وعدد من الدول الغربية الاخرى الموالية لاميركا، عن الدفعة الجديدة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، بسبب موقفها الداعم لجماهير الشعب الاوكراني، وبعد اكثر من شهرين على اطلاق الدفعة الاولى من تلك العقوبات؛ ـ بعد هذه المدة، شرعت موسكو في الاعلان عن عقوباتها الاقتصادية الخاصة ضد الكتلة الغربية بمجملها.
وكان الرئيس الاميركي اوباما، لدى اعلانه شخصيا عن العقوبات الاقتصادية الاخيرة ضد روسيا، قد قال ان هذه العقوبات لا تعني "حربا باردة" جديدة، بل هي وسيلة ضغط تتعلق بظروف معينة في ازمة معينة. ودعا روسيا الى التعاون مع الكتلة الغربية (او ما يسمى باللغة الدبلوماسية: المجتمع الدولي) في حل الازمة الاوكرانية كما تريد الكتلة الغربية.
وقد فسر بعض المراقبين تأخر روسيا في الرد على اعلان العقوبات الاقتصادية ضدها على انه يشي بالخوف من تبعات تلك العقوبات على الاقتصاد الروسي المتعافي، والذي صمد بجدارة بوجه الازمة المالية والاقتصادية العالمية التي انفجرت في الولايات المتحدة الاميركية سنة 2008، في حين لا تزال اثارها السلبية تنعكس بشدة على الاقتصاد الاوروبي حتى اليوم.
ولكن مراقبين آخرين رأوا ان هذا التمهل الروسي قد دل على الامور المهمة التالية:
الاول ـ ان العقوبات الاقتصادية الغربية لن يكون لها اي تأثير ملحوظ في الاقتصاد الروسي، ولا في القرارات الستراتيجية للقيادة الروسية لا سياسيا ولا عسكريا. وان هذه العقوبات لن تكون اكثر من وخزة دبوس في قدم الدب الروسي، توقظه ولا تؤذيه.
الثاني ـ ان روسيا لا تريد توسيع نطاق المواجهة مع الكتلة الغربية، فيما يخص الازمة الاوكرانية. وانها تعطي الكتلة الغربية فرصة لمراجعة هذه العقوبات والتراجع عنها. وقد صبت الدبلوماسية الروسية كل جهودها في المرحلة الاخيرة في هذا الاتجاه.
الثالث ـ ارادت القيادة الروسية ان تعطي الوقت الكافي للكتلة الغربية ان تفهم ان اللعب بالنار وسياسة الكيل بمكيالين ليس في صالح اوروبا خاصة والكتلة الغربية عامة. وانه اذا كان دعم "التكفيريين" في الشرق الاوسط تحترق به بلدان الشرق الاوسط فقط، وهو "بعيد" عن اوروبا واميركا، فإن دعم الفاشست القدماء ـ الجدد في اوكرانيا هو ليس كذلك، لان اوكرانيا هي في اوروبا، واشعال النار فيها يهدد باندلاع الحريق في اوروبا كلها.
الرابع والاهم ـ ان القيادة الروسية كانت تعطي نفسها الوقت الكافي للتأكد من النوايا العدوانية غير القابلة للتراجع من قبل الكتلة الغربية، قبل اتخاذ قراراها الخاص. وقد تأكدت القيادة الروسية من هذه النوايا العدوانية "غير القابلة للشفاء" للكتلة الغربية، في موقف هذه الكتلة من جريمة قيام حلفاء اميركا الاوكرانيين، وفي وضح النهار، باسقاط الطائرة الماليزية المنكوبة في 17 تموز الماضي. اذ ان الكتلة الغربية، ومعها حليفتها السلطة الفاشستية في كييف، تعرقل حتى الان اجراء تحقيق دولي مستقل في الجريمة. وعوضا عن ذلك يجري اتهام الثوار الاوكرانيين المعادين للفاشستية، بالاضافة الى اتهام روسيا ذاتها باسقاط الطائرة، بدون ان يستند هذا الاتهام الى اي تحقيق. وذلك تماما على طريقة قيام هتلر بإحراق الرايخستاغ الالماني سنة 1933، ثم اتهامه للشيوعيين بارتكاب الجريمة. وهو "السيناريو" ذاته الذي "تكرر" في جريمة اغتيال الرئيس الاسبق جون كندي في 1963، ومحاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في 1981، واحداث 11 ايلول 2001 في اميركا، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري.
واخيرا اتخذت القيادة الروسية قرارها الستراتيجي الخاص الذي لا تراجع عنه ايضا، وهو قرار: شن الحرب الاقتصادية العالمية الشاملة ضد الكتلة الغربية.
ويمكننا القول، بدون اي مبالغة، ان العالم بعد هذا القرار سيكون غيره العالم قبل هذا القرار.
وقد تبدى هذا القرار حتى الان فيما يلي:
1 ـ اصدر الرئيس فلاديمير بوتين "مرسوما لاجل تطبيق اجراءات اقتصادية خاصة منفصلة من اجل ضمان امن الفيديرالية الروسية".
ويمنع بموجب هذا المرسوم استيراد المنتوجات والخامات الزراعية والمواد الغذائية (باستثناء المأكولات الخاصة بالاطفال) من الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي وعدد من الدول التي ايدت العقوبات ضد روسيا، ومنها كندا، اوستراليا، النرويج، سويسرا واليابان.
وكلف المرسوم الحكومة الروسية بوضع لوائح تفصيلية بالاصناف المحظورة والاطراف المعنية. وعلى الفور اجتمعت الحكومة الروسية برئاسة دميتريي ميدفيدييف واعلنت حظرا تاما لمدة سنة على استيراد الفواكه، الخضار، اللحوم، السمك، الحليب ومشتقاته، من اميركا، الاتحاد الاوروبي، اوستراليا، كندا والنروج.
ودعا المرسوم الحكومة والمنتجين الروس والشبكات التجارية الروسية الى اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على مصالح المستهلكين وخصوصا عدم رفع الاسعار، وزيادة الانتاج الروسي وزيادة عرض المنتوجات الروسية في الاسواق، وايجاد مصادر استيراد بديلة لمصادر الكتلة الغربية، وفي هذا السياق ذكرت الانباء الصحفية الجمهورية المصرية والمملكة المغربية.
وحسبما جاء في تحليلات للجريدة الالكترونية الروسية "روسييسكايا غازيتا" وغيرها، فإن اوروبا ستتكبد خسائر بعشرات مليارات اليورو، لان 30% من انتاج الفواكه و20% من انتاج الخضار في الاتحاد الاوروبي تذهب الى روسيا، ناهيك عن المواد الغذائية الاخرى. وستضطر الدول الاوروبية، بما فيها التي لا تزال تعاني من الركود والازمات المالية الشديدة، الى تحميل ميزانياتها، المرهقة اصلا، بأعباء جديدة لدعم المنتجين الزراعيين حتى لا تخرج مظاهراتهم الى الطرقات، ولكنها في اضطرارها الى زيادة الضرائب وتخفيض الخدمات العامة، من اجل دعم المزارعين، ستغامر بمواجهة معارضة النقابات العمالية والهيئات المدنية.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية ان اللجنة الاوروبية اعلنت ان الاتحاد الاوروبي سيعقد مؤتمرا على المستوى اللازم، لبحث الاجراءات الروسية، وان بروكسل تحتفظ بحقها في الطلب الى منظمة التجارة الدولية للتدخل من اجل وقف الاجراءات الروسية.
هذا واعلن رئيس الوزراء الروسي ان روسيا ستمنع استخدام الاجواء الروسية للطيران الاوكراني، وان مجلس الوزراء سيبحث في اقرب وقت مسألة منع الطيران الاميركي والاوروبي من استخدام الممرات الجوية السيبيرية للعبور من اوروبا الى اسيا والمحيط الهادي، وبالعكس. وتقول الصحافة الروسية، نقلا عن خبراء وكالة الطيران الروسية، ان الممرات الجوية السيبيرية تختصر مسافة 4000 كلم من مسافة خط الالتفاف حول روسيا، كما كان الامر سائدا حتى سنة 1970، وهو ما يوفر ما لا يقل عن 30000 دولار لكل رحلة طيران، والمستفيد الاكبر من استخدام الممرات الجوية السيبيرية هي شركات "لوفتهانزا"، "الخطوط الجوية البريطانية" و"اير فرانس". وتحصل شركة الطيران الروسية "ايرفلوت" على رسوم مرور من الشركات الغربية لا تقل عن 300 مليون دولار سنويا تستخدم في تطوير الطيران الروسي. وستخسر "ايروفلوت" هذه الرسوم، ولكنها ستستعيدها من الرسوم التي ستدفعها شركات الطيران الاسيوية التي ستكون هي المستفيد الاكبر من استخدام الممرات الجوية السيبيرية بعد منع شركات الطيران الغربية من استخدامها.
وافادت وكالة انترفاكس، استنادا الى مصادر حكومية روسية لم تفصح عن هويتها، ان الحكومة الروسية ستتخذ في وقت قريب قرارات تتعلق ايضا بمنع استيراد المنتوجات الصناعية من الكتلة الغربية. ومن المحتمل ان تمنع روسيا استيراد السيارات، والادوية التي لها مثيل روسي. كما انه سيجري فرض رسوم على الرحلات السياحية الى بلدان الكتلة الغربية. وقام بعرض هذه الافكار، كما نقلت وكالة ايتار ـ تاس، نائب رئيس لجنة الميزانية والاسواق المالية في البرلمان الروسي نيقولاي جورافليوف الذي قال "ان بلادنا لم تستنفد الاجراءات الجوابية التي ستنعكس ايجابيا على الاقتصاد الوطني". وحسب رأي جورافليوف فإن وقف الاستيراد لن يؤدي الى نقص في السلع الضرورية ولا الى دفع التجار والمستهلكين للجوء الى الاستيراد غير الشرعي.
وفي الوقت نفسه قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، برفقة السياسي البارز نائب رئيس الوزراء دميتريي روغوزين وعدد آخر من المسؤولين، بزيارة مصنع "سيفماش" الذي يتم فيه الان صنع 3 غواصات حربية حديثة، مرة واحدة. وفي اللقاء العام مع المدراء والفنيين والعاملين في المصنع القى الرئيس بوتين كلمة أكد فيها "انه، في برنامج تسلح الدولة، ينبغي علينا الاستغناء تماما عن استيراد بعض الاسلحة ومكونات التكنولوجيا العسكرية من الخارج. ان روسيا قادرة على صناعة كل شيء، حرفيا كل شيء، مع المحافظة التامة على مستوى الاسعار، والنوعية، ومواقيت التسليم".
ويقول بعض الخبراء ان روسيا قد بدأت الحرب الاقتصادية العالمية مع الكتلة الغربية، وهي ستذهب بها الى النهاية، وانها تنطلق في هذه الحرب من المقومات والاهداف الرئيسية التالية:
1 ـ ان الكتلة الغربية تحتاج الى روسيا اقتصاديا بشكل مصيري، كما احتاجت اليها عسكريا بشكل مصيري خلال الحرب العالمية الثانية. ولكن روسيا، شبه القارة ذات الثروات الطبيعية الهائلة والقدرات العلمية، والتصنيعية والعسكرية، الكثيفة ورفيعة المستوى، يمكنها ان تستغني بشكل كلي وشامل عن الكتلة الغربية، وان تواجهها وتنتصر عليها في اي منافسة كانت.
2 ـ ان اوروبا الغربية يمكنها ان تستمر وان تتطور كدول وكمجتمعات، بالتعاون مع روسيا. ولكنها ستنهار كفقاعة صابون بدون روسيا. وكما انقذت روسيا اوروبا من الفاشستية الالمانية في الحرب العالمية الثانية، فهي تستخدم الان سياسة "الجزرة والعصا" مع اوروبا، فتمد لها يد التعاون لاجل تحريرها من الهيمنة الفاشستية الجديدة لاميركا، ولكنها لن تسمح ابدا بعضّ اليد الكريمة التي تمدها الى اوروبا.
3 ـ ستعمل روسيا في السنوات القادمة لشق السوق العالمية الى سوقين: سوق الكتلة الغربية، وسوق عالمية حرة لجميع بلدان العالم، يكون محورها الدول المنتجة للطاقة، ومنظمة دول البريكس، والقلب النابض لهذه السوق: روسيا.
4 ـ ستعمل روسيا بالتدريج على استبعاد الدولار، واعتماد العملات الوطنية في التبادل التجاري بين مختلف الدول، وخاصة الدول المنتجة للطاقة، والاسواق الوطنية الكبرى كالصين والهند وباكستان والبرازيل.
5 ـ ستعمل روسيا على خلق الظروف الاقتصادية والتجارية والمالية، الكفيلة "باقناع" الصين بسحب توظيفاتها من الاسواق المالية الاميركية، وبالمحاصرة والطرد الاقتصادي للتوظيفات المالية والتجارية والصناعية الاميركية في الصين. وبذلك ستكون الضربة القاضية للدولار خاصة وللاقتصاد الاميركي عامة، وتعود اميركا 150 سنة الى الوراء (الى عهد الحرب الاهلية)، فيما العالم كله يتقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة


.. وفاة المستشارة الخاصة بالرئاسة السورية لونا الشبل تثير جدلا




.. وزير الخارجية المصري: يجب العمل على الوقف الفوري والمستدام ل


.. مشاهد لآليات مدمرة للاحتلال الإسرائيلي في رفح




.. لم تحصل على أي مؤهل علمي.. تعرف إلى نائبة رئيس وزراء بريطاني