الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصبحون على وطن!!.. الرقيب!!..

كمال مراد

2005 / 8 / 20
كتابات ساخرة


رتبة الرقيب في التسلسل الرتبي، هي من الرتب الدنيا.. وتأتي بعد رتبة المجند الغر (صنف بلو) والعريف.. وإن كان الحائزون على شهادة الدراسة الثانوية والمعاهد المتوسطة يؤدون عسكريتهم بعد الدورة بهذه الرتبة العتيدة..
إلاّ أن رتبة الرقيب أصبحت سمة وطنية عامة يُحسب لها ألف حساب.. بعد أن تطورت وارتقت في مفهوم الرقابة لتدخل في نسيج حياتنا اليومية.. وبتنا ننال هذه الرتبة دون اتباع أي دورة إعداد ودون الالتحاق بأي مدرسة بغية الحصول على شرفها..
فمع تطور العقل الجمعي، بات كل مواطن رقيباً وخفيراً.. يسكنه الرقيب والشرطي قبل وأثناء وبعد أن يراوده أي حلم من أحلامه، حفاظاً على الاستقرار والأمن والسلم الاجتماعي!!..
عندما ينتابنا الوجع.. نكظم غيظنا في طريق عودتنا إلى بيوتنا.. نرسم ابتساماتنا البلهاء.. نركض متراقصين وراء سرفيس الرحمة.. نبتهل للسماء أن نحظى بموطئ قدم في ذاك المركوب العجيب كي «نندحش» فيه خاشعين لرحمة وسرعة ونزق السائق المتوتر دائماً من شدة الحر والقر وعجقة الطرقات.. على أنغام علي الديك وأحدث تسجيلات مهرجانات الأفراح والأعراس ومرابع النوريات وربع «العكل»!!..
نصل إلى بيوتنا.. نغلق الباب برفق.. نتهاوى على أقرب أريكة... وقبل أن نصرخ ونلعن ونشتم.. نكظم صوتنا وغيظنا مجدداً خشية أن يكرر أطفالنا لعناتنا.. ويسمعها الجيران.. ونصبح في خبر كان!!..
وكان ياما كان.. في قريب الزمان.. صحيفة لها أمجادها.. وهي لسان حال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري، العضو في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية (والتي حسب ميثاقها، هي أعلى سلطة في البلاد وتقرر حالة السلم والحرب).. إنها صحيفة «نضال الشعب».. وبعد أن تنتهي مراحل التحرير والإخراج والتدقيق.. لا يبقى أمامها للذهاب إلى المطبعة كي ترى النور، إلاّ المرور على رقيب أحزاب الجبهة.. وهو موظف أنيق ولطيف.. يحسب ألف حساب لأي زلة قلم أو حديث عن وضع داخلي قد لا يروق للبعض.. ويبدأ الشطب على «الماكيت».. ولا يضع ختمه في السماح إلاّ بعد تغيير «الماكيت» حسب الصيغة المعدلة!!..
ومن الطرائف.. أن «الضمير» لم يكن في أحد الأيام في مزاج رائق.. وأصر على إلغاء اللون الأحمر من عناوين الصفحة الاقتصادية!!.. لماذا؟!.. هكذا!!.. وكان له ما كان.. على اعتبار أنه ليس رقيباً فحسب، بل هو ضمير ووجدان أحزاب الجبهة، والحارس الأمين على نقاوة وقدسية صحفها.. كي لا ندخل في السين والجيم وأتون الجحيم..
والأطرف من كل ذلك، أن الأحزاب كانت تمتثل لهذه الإرادة الجبهوية دون نقاش كي لا تمس قدسية العمل الجبهوي.. وكانت تعتبر نفسها أنها حققت انتصاراً على الرقيب حينما يضعون نقاطاً مكان الجمل المحذوفة!!..
ومع تطور الأحداث.. باتت صحف الجبهة صحفاً علنية.. تباع في الأكشاك وتطبع في مطابع الدولة وتلقى دعماً مالياً يغطي ويزيد عن نفقاتها.. ولم تعد هناك حاجة للرقيب بعد أن نال الجميع شرف هذه الرتبة طوعياً وبكامل إرادتهم!!..
الحكاية لم تنته بعد.. وسأبرهن لكم أن الرقيب ينام ويصحو دون إذن مسبق بعد أن أصبح فينا.. وهو دائماً على صواب:
■ مواسم مهرجانات الأفراح عامرة بفنانات الفيديو كليب اللواتي لم يبق أمامهن إلاّ ارتداء ورق التوت.. ترفيهاً لقوى الشعب العامل بعد يوم ممل!!..
■ تلفزيوننا دخل في حقبة التحديث والتطوير.. ويبث على نمط «الروتانات» ساعات طوالاً أغاني الشبق مع شريط متحرك مليئ بالرسائل البذيئة.. تحقيقاً لحرية الرأي والتعبير وتواصل الأحبة عبر الأثير..
■ تمت مصادرة الطريق المجاور لفندق «الفورسيزنز» مقابل حديقة «الشهيد المجهول» سابقاً.. ليعاد تصميمه مجدداً حسب مقتضيات الفندق العظيم.. وسهولة وصول وخروج سيارات رواده.. بعد أن يدشن كأهم قلعة للصمود والتصدي..
■ محدثو النعم الجدد الذين لم يرثوا إلا الفقر والديون يملؤون أركان المتنزهات والمنتجعات ومطاعم الخمس نجوم.. ويدفعون في ليلة واحدة على طاولة واحدة مايناله الموظف الجامعي في أشهر عديدة.. وحفاظاً على راحتهم لايسألهم السيد الرقيب من أين لكم هذا؟!..
■ في الفترة التي تقيم فيها وزراة الإعلام ورشة عمل حول «تطوير الإعلام، القضايا.. المعوقات والآفاق»، بدأ المركز الثقافي الأمريكي بدمشق دورته التدريبية لمجموعة من الصحفيين السوريين العاملين في حقل الإعلام الرسمي، وذلك بعد الموافقة التي منحتها وزارة الإعلام السورية عبر الخارجية للسفارة الأمريكية لعقد مثل هذه الدورة.. فهل يرى الرقيب بذلك تعزيزاً لجبهة الصحافة في مواجهة العدوانية الإمبريالية الأمريكية؟!..
■ وهل يرى الرقيب أيضاً في خميس الاعتصام الوطني في طرطوس للتضامن مع الشعب الفلسطيني والعراقي في مواجهة العدوان الأمريكي ـ الصهيوني خطراً يهدد معركتنا مع هذا العدوان؟!
■ المفاضلة الأولى للقبول الجامعي على الأبواب.. بعد أن حصدت أرقام معدلات القبول كل آمال الغالبية الساحقة من الطلاب بتحقيق حلمهم في التحصيل العلمي.. ليكون التعليم الموازي والجامعات المفتوحة، مفتوحة أمام من يدفع تحقيقاً لمبدأ: «لكل حسب جيبه»!!
هذه ليست متناقضات.. إن لم تصدقوا: اسألوا الرقيب فيكم.. إنه دائماً على صواب!!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة