الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الروسي – الأمريكي حول المشرق العربي وإيران (2)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2014 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


إن إحدى الحقائق الجلية فيما يخص المشرق العربي وإيران هو أن المنطقة لا تحتوي بحد ذاتها على حتمية الإثارة والاحتراب، لكنها تحتوي بقدر ما فيها من أهمية جيوسياسية واقتصادية هائلة للاقتصاد العالمي المعاصر، على قدر مماثل من مساعي الاستحواذ عليها والتحكم بما فيها. وهي حقيقة اقرب إلى البديهة حالما يجري النظر إليها ضمن سياق ما تكشفه الوثائق والحقائق المتعلقة بها في التاريخ الحديث والمعاصر. من هنا ليست فرضية تحوله إلى بؤرة الصراع القادم من نتاج الخيال، بقدر ما أنها تنبع من واقع الصراع السياسي الحالي وما يجري التخطيط له ووضعه في مشاريع عملية واستراتيجيات مستقبلية.
وإذا كانت الدعاية الأمريكية زمن الحرب الباردة قد جعلت من "الخطر السوفيتي" ومحاولاته الوصول إلى "المياه الدافئة" (الخليج) هو الوجه الآخر لمساعيها الفعلية من اجل الاستحواذ والسيطرة والهيمنة التامة فيه، بأثر الانبطاح التاريخي والصميمي لدويلات الخليج والبحث عن "حماية" بفعل الشخصية المخنثة لهذه الدول، فان مجرى الأحداث اللاحق، وبالأخص بعد انحلال الاتحاد السوفيتي قد كشف عن حقيق الأشياء كما هي. بحيث لم تعد المراوغة في الشعارات ذات جدوى وذلك لانفراد القرار الأمريكي في السياسة الدولية والهيمنة الفعلية المؤقتة "للقطب الواحد" واستفحال المساعي الإمبراطورية والخصوصية الأمريكية. وليس مصادفة أن تخوض الولايات المتحدة في العقد الأول (والأخير) من "القرن الأمريكي" (الحادي والعشرين) حروبا مستمرة ومكشوفة وعلنية عسكرية (على جبهات عديدة في آن واحد) وسياسية واقتصادية ودبلوماسية رمت عرض الحائط كل الأعراف الدولية و"القانون الدولي" وهيئة الأمم المتحدة وإلغاء الاتفاقات السابقة فيما يخص التسلح وما إلى ذلك. وليس مصادفة أن يظهر في مجرى هذا العقد، وبالأخص بعد الهجوم على أفغانستان واحتلال العراق وظهور فكرة "الدومينو" في إسقاط النظم السياسية والتدخل الفض في الشئون الداخلية للدول تحت ذريعة وشعار تطبيق "الديمقراطية" و"المدنية" و"التطوير الاقتصادي والتكنولوجي" للدول، فكرة "السيطرة على مصادر الطاقة من اجل السيطرة على الدول، والسيطرة على المواد الغذائية من اجل السيطرة على الشعوب".
وضن هذا السياق أصبحت مهمة التحكم والسيطرة التامة في المشرق العربي (التي لم يكن بإمكان دويلة مصطنعة كإسرائيل القيام به) مهمة مباشرة وعملية، لكي يجري استكمال النصاب الذي يطوق لاحقا إيران ويجبرها على الاستسلام. ومن بعده تصبح الولايات المتحدة الأمريكية القوة الفاصلة بين روسيا والصين بأثر الخطة الإستراتيجية للسيطرة على كامل المشرق العربي والخليج وإيران وأفغانستان ودول آسيا الوسطى. حينذاك يكون بإمكان الولايات المتحدة القدرة الفعلية على خلخلة الأوضاع الجيوسياسية والعسكرية لكل القارة الآسيوية الناهضة والمستقبلية (الصين والهند وروسيا) كأقطاب ذات استعداد ذاتي لكسر الهيمنة الأمريكية والتاريخ الكولونيالي للغرب الاوروامريكي الذي استمر لقرون عديدة. ومن ثم استعادة التاريخ الفعلي للمدنية والحضارة التي وضع الشرق أسسها وأصولها. بمعنى القدرة على إنتاج توازن جديدة يعطي للمدنية الإنسانية إمكانية الارتقاء إلى مصاف الحضارة الإنسانية المحكوم بقوة القانون والأخلاق العملية.
وليس مصادفة أن يكون الظهور الروسي الجديد واستنهاض الفكرة الاوروآسيوية القديمة (التي كان الاتحاد السوفييتي في الواقع تجسيدا ضيقا بأثر استحواذ القوة والعنف في تنفيذها)، والتجمع الروسي الصيني الجديد، وتوسعه صوب دول آسيا الوسطى، ثم توسعه بانخراط عينات افريقية وأمريكية جنوبية، ثم الاستدراج الواقعي للهند وباكستان وإيران إليه، سوى العملية المعقدة والديناميكية في الوقت نفسه. بمعنى إننا نقف أمام تجمع عالمي جديدة يوازي ويواجه على المدى القريب والبعيد التيار الاوروامريكي الآخذ في الأفول. وضمن هذا السياق أصبح التوجه الروسي صوب المشرق العربي وإيران جزء من هذا التيار الصاعد، وعنصرا عمليا في الرؤية الجيوسياسية الروسية المناهضة للهيمنة الأمريكية واستفرادها في القرار الدولي. من هنا يمكن فهم طبيعة الاندفاع الروسي صوب الشرق والجنوب، أي صوب الصين واسيا الوسطى وإيران والمشرق العربي (سوريا بالأخص والعراق بعد نزوع الأخير للتسلح منها والتعاون معها، بأثر الخذلان الأمريكي المتعمد، أي المحكوم برؤية عناصر ومنظومة استقلال القرار الوطني العراقي الذي جسده المالكي في سنواته الأخيرة). ومن الممكن رؤية ملامح هذا التوجه الروسي في تغير لهجة الخطاب السياسي والدعائي، الذي يستظهر باطن التحول التدريجي في تمركز المصالح الروسية العالمية.
إن هذا التوجه الجديد ليس محكوما أو مرتبطا بالنسبة لروسيا بما يمكن دعوته بمساعي الأخذ بالثأر من هزيمتها في "الحرب الباردة"، بقدر ما أنه تراكم في مجرى عقدين من الزمن بعد انحلال الاتحاد السوفيتي.
طبعا، إن للتاريخ صداه ومداه في المواقف والتوجه والأحكام. فإذا كانت العلاقة الروسية الأمريكية جزء من تراكم وتصادم وتشابك المصالح، بمعنى أن لها تاريخها الخاص، فان للماضي أيضا أثره في الحاضر، خصوصا حالما يكون "الماضي" كتلة صلدة من الأحكام السياسية والأيديولوجية.
فالعلاقة الروسية الأمريكية هي احد نماذج صعود الإمبراطوريات وانحلالها. وبما أن التاريخ الإمبراطوري هو تاريخ سياسي ثقافي، من هنا شدة وقوة مخلفاته في الذاكرة القومية والسياسية. فقد كانت العلاقة المتشنجة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة تتمثل تقاليد المواجهة بين الإمبراطورية الروسية الصاعدة والإمبراطورية العثمانية، ولاحقا بينها وبين الإمبراطورية البريطانية. وإذا كانت روسيا أكثر عراقة في تاريخها الإمبراطوري وأطولها بين الإمبراطوريات المعاصرة، فإنها الأكثر إنهاكا وتعبا. فالإمبراطورية جهد دائم وهموم لن تنتهي. الأمر الذي يعطي لنا إمكانية القول، بان قوة الإمبراطورية الأمريكية لم تكن في ذاتها أكثر مما كانت في صعودها المتأخر. من هنا إمكانية أفولها السريع، ولكن في ظل شروط وظروف جديدة محكومة بفاعلية العولمة. وهي الحالة التي نعثر على تناقضها الحاد في الرؤية الأمريكية ومساعيها العملية. بمعنى الدعوة للعولمة والسعي للاستفراد بها بمعايير "القطب الواحد" و"القوة العظمى الوحيدة" وفرض "الديمقراطية" و"الإصلاح" وما شابه ذلك. في حين أن العولمة الجديدة وصعود قارات ودول ومجموعات اقتصادية وسياسية تتعارض من حيث الجوهر مع كل نزوع إمبراطوري أيا كانت قوته. وهي العملية التي أخذت مداها الأولي وصداها الخجول في الدعوة لعالم "متعدد الأقطاب". لكنه خطاب بدأ يتوسع ويصدح في المواقف الروسية، وبالأخص في أواخر الفترة الأولى لرئاسة بوتن. أما زمن الرئيس ميدفيدوف (وهو استكمال أو نسخة طبق الأصل لبوتن)، فانه لم يعد يقف عند حدود الدعوة لعالم متعدد الأقطاب، بل واخذ يهاجم فكرة القطب الواحد ويعتبرها غير شرعية. وهي اللهجة النوعية الجديد في الخطاب الروسي التي تحولت بعد الحرب الأخير في القوقاز، واستعادة بوتن للرئاسة مرة أخرى، إلى مرجعية مشتركة للمؤسسات الحكومية والبرلمان ومجلس رؤساء المحافظات والنخب السياسية قاطبة.
لقد بدأ هذا الخطاب النوعي الجديد يبدو بمعايير الدعاية التقليدية الغربية كما لو انه استعادة للحرب الباردة أو حرب باردة جديدة. لكنها عبارة لا تفصح عن شيء دقيق. وذلك لان القول بها يعني أن "الحرب الباردة" لم تنته. في حين أن مجمل المعطيات تبرهن على إننا نقف أمام حالة تاريخية جديدة لا علاقة لها بتقاليد الحرب الباردة السابقة، بقدر ما هي "حرب" البحث عن توازن دولي جديد ومنافسة من اجل المصالح والمناطق.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن