الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جربة تنتفض على وقع النفايات

فوزي بن يونس بن حديد

2014 / 9 / 30
كتابات ساخرة


عاشت جزيرة جربة طوال تاريخها حرّة أبية لا ترضى بالمهانة والذلّ، حتى في عهد الدكتاتورية، فهي الجزيرة التي يحرسها البحر من كل أجزائها، يرفض أبناؤها أن تعيش بلادهم في فوضى عارمة، وقد باتت مشكلة النفايات السبب الرئيسي لانتفاضة خرجت تنادي بإزالة الأوساخ من شوارع المدينة السياحية التي كانت على مدى التاريخ البورقيبي ونظام بن علي مهمّشة إلى حد كبير، ولئن حظيت معتمديتا ميدون وحومة السوق بالرعاية فإن معتمدية آجيم وهي لا تقل كثافة سكانية ولا مساحة عن السابقتين ظلت طول تلك الفترة تعاني الأمرّين، فبينما هي عانت في عهد بورقيبة وعهد بن علي وضحّى أبناؤها في سبيل العزة والكرامة وسجلوا لوحة من التحدي والشجاعة والصبر على المصائب التي توالت وتعقّدت حتى بات الآجيمي ينعى نفسه من شدّة هول المصاب.
وبعد الثورة المباركة، بقيت الجهة المعنية غائبة عن الحدث بل لم تبال بما يحدث في أبرز مدينة سياحية في تونس بأكملها، حيث الهواء النقي، والهدوء والكرم الجربي والبحر الساحر، كلّها مفردات تميزها عن غيرها ويتوافد عليها السياح من كل دول العالم، ورغم هذه المقومات كلّها لم تدِر أيّ من الحكومات وجهها شطرها لتقف عن كثب على مشاكلها ومطالبها، فبينما تتمتع معتمديتا ميدون وحومة السوق بجملة من المحفّزات بقيت آجيم وهي مدخل الجزيرة تنتظر في طابور طويل أوهمها أنها ستصل إلى المسؤول ليعلم مشاكلها ويعمل على حلها، وقد طالبت مرارا بهذه الأمور إلا أن تعنّت والي مدنين وتصلّبه وعدم مواجهة أبناء الجزيرة ربما نكاية وربما خوفا هو الذي أفاض الكأس، فهم يطالبون بحقوقهم المشروعة وعلى الوالي أن يسمع مطالبهم وينفذها فما هو إلا موظف في الدولة عليه واجب يجب أن يؤديه لا أن يبقى مرفها على كرسيه في مكتبه ومترفّعا عن الناس يهوى الجلوس في أفخر المطاعم والنزل عندما يزور الجزيرة.
الجزيرة باتت قاب قوسين أو أقرب إلى العفن أينما ذهبت، في شوارع حومة السوق وفي الأسواق المكتظة وبين البنايات، تجد النفايات منتشرة في كل مكان، يتعمد الأهالي حرقها أحيانا لئلا يصاب الإنسان بعدة أمراض فتُحرق معها الأشجار وربما الجدران، مشهد يتكرر في كل ناحية من حومة السوق، وأما آجيم فهي دائما الحاضرة الغائبة أوساخ منتشرة في كل مكان والسيد المعتمد ولا الوالي قادر على حلّ المشكلة، طالبوا الناس بالصبر فصبروا ولكن نفد صبرهم لأنهم صبروا بل وصابروا، ولكنهم لم يجدوا حلا لمشكلة باتت تؤرّق الجميع، وبات الجميع يتأفّف كل يوم مما يرى وممّا يسمع من حكايات هنا وهناك، فهذا يحرق نفاياته وذاك يرميها في أي مكان بعيدا عن منزله ليرمي الآخر قمامته في الطريق ربما، والبلدية عاجزة عن أداء مهامها لأنه ليس هناك من يسيّرها، كل شيء واقف ومتوقّف عن العمل ويبحث عن الوقوف أو التوقف والناس حائرون ماذا يفعلون؟ وأين يرمون نفاياتهم، تلك المشكلة التي باتت تقضّ مضاجعهم كل يوم، فالقمامة منتشرة والروائح الكريهة باتت في كل مكان يشمّها من بعيد كل إنسان، نتج عنها انتشار البعوض بأعداد هائلة، فما أن تصبح على شمس حتى ترى أفواج البعوض وقد غزت كل مكان وقد تتحول إلى عدو شرس يحمل فيروسات إذا ظل الوضع هكذا مما ينبئ بكارثة صحية كبيرة، فضلا عن تزايد عدد الكلاب في كل مكان وفي كل زاوية وبين المساكن مما أفزع السكان وبدأ داء الكلب ينتشر من حين إلى آن، وربما هناك أمراض أخرى قد تتفشى كالران.
نعم جربة تنتفض ومن حقها أن تنتفض، في ظل حكومة ساكتة وقابعة في القصبة، فهي لم تفعل شيئا ولم تقم بواجبها تجاه مواطنيها الذين يتواصلون معها، ولكنها تقفل الباب في وجوههم، فلا الوالي يمثل الحكومة ولا غيره ممن أعطوه الثقة لحل مشكلة مصبّ النفايات، وظلت مدينة قلالة في غليان مستمر تطالب وتنادي وتصرخ ولا مجيب، فلا رئيس الحكومة يرى ولا رئيس الجمهورية يتابع، الكل مشغول عنك يا جزيرة الأحلام، من حقّك أن تنتفضي، من حقّك أن تصرخي، من حقّك أن تطالبي، فمنظمات البيئة تسمعك وستدافع عنك وستحميك من كيد الكائدين، من حقّك أيتها الجزيرة أن تعيشي نظيفة عزيزة أبيّة، وإذا استمر الأمر على هذه الحال دون استجابة لهذا النداء قد يتحول الأمر إلى عصيان وقد حذرنا مرارا من هذا ولكن لا حياة لمن تنادي كما يقال.
جربة اليوم تعيش أزمة حقيقية، تعيش كارثة بيئية، وكارثة صحية، وكارثة اجتماعية وحتى اقتصادية، فإذا لم تتحرك الحكومة على عجل فإن الأمر قد يخرج عن نطاقه، وتصبح الجزيرة في حالة حداد وربما عصيان لحين وجود حل سريع وناجع لهذه المشكلة ولا حلّ إلا بالوقوف على المشكلة والنظر في أسبابها ومحاسبة المتخاذلين الذين لم يلبّوا نداء الوطن، وظلوا يماطلون ويراوغون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان