الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الروسي – الأمريكي حول المشرق العربي وإيران(3-3)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2014 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن البحث عن توازن جديد على الصعيد العالمي أمرا واضحا وجليا. وهو توجه ما زال يكتنفه الغموض النسبي. لكن الأمور الجلية في الموقف الروسي تقوم في الدفاع عن فكرة ضرورة الخروج مما يسمى بالعالم ذي القطب الواحد، والدعوة لتعدد الأقطاب، وضرورة الاحتكام للقانون الدولي وليس للإرادة السياسية للدول أيا كانت قدرتها ومكانتها. ومن حصيلة هذه المفاهيم المتراكمة وبالأخص في مجرى سنوات القرن الحادي والعشرين، أخذت تتعمق وتتوسع فكرة العمل الفعال والنشط لمواجهة الهيمنة الأمريكية. وبلغت هذه الحالة في كثافة الخطاب السياسي الشديد اللهجة في انتقاده واتهامه للسياسة الأمريكية في الحرب الأخيرة مع جورجيا، ولاحقا استعاد النقد اللاذع والمتشددة في تقييم السياسة الأمريكية وحروبها في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، اي كل ما وجد تعبيره في الفكرة التي توصلت إليها الرؤية الجيوسياسية الروسية عن أن التدخل الأمريكي لم يؤد في كل المناطق والدول إلا إلى التخريب والتدمير وإثارة القلاقل والنعرة البدائية وتفتت الدولة وعدم تحقيق اي من الشعارات المرفوعة. بل أن النتائج جرت بالعكس تماما. وسواء كان ذلك بأثر السياسة الفعلية وليست الظاهرية (الشعارات) للدولة الأمريكية أو بغيرها، فان النتيجة واضحة وواحدة وجلية، ألا وهي أن الولايات المتحدة ليست قادرة بمفردها على حل أية مشكلة محلية أو إقليمية. ومن ثم هي عاجزة تماما عن حل المشاكل العالمية. فالأخيرة تفترض بالضرورة سياسة جديدة ورؤية عالمية مشتركة.
لم تكن النتيجة المذكورة أعلاه معزولة عن تراكم القوة الروسية الصاعدة وبالأخص تطابق فكرة المصالح الكبرى للدولة الروسية باعتبارها مصالح قومية وعالمية. بمعنى إدراك أن مصالح روسيا القومية هي مصالح عالمية أيضا. وهي الرؤية التي أخذت تتجسد في تنشيط القوة العسكرية وتوسيع مدى الاستكشاف والطلعات الجوية للطائرات الإستراتيجية، والتوجه صوب البحر الشمالي للبحث فيه عن مصادر طاقة "روسية" جديدة. وهو الفعل الرمزي الذي يود القول، بان مصالح روسيا ليس على سطح الكرة الأرضية وفي الفضاء بل وفي أعماق المحيطات والبحار، أي أنها مصالح كونية. كما لم تعد هذه المصالح جزء من نزوات عابرة، بقدر ما أخذت تتجسد في حلقات متدرجة من اجل كسب التأييد والتعضيد، بدأ من استجماع الاتحاد السوفيتي السابق في "مجلس الدول المستقلة" و"منظمة الدفاع المشترك"، و"منظمة شنغهاي" واستدراج الهند وإيران وأفغانستان ومنغوليا إليها بصفة أعضاء مراقبين، سوى حلقات تكشف عن اطر وملامح "القطب الجديد". وبمقابل الابتعاد عن معاهدة التجارة العالمية نرى التقرب مع أوبك، وبمقابل تبريد العلاقة بالأطلسي والاتحاد الأوربي نرى التقرب من دول المشرق العربي وإيران، وبمقابل الهجوم الإعلامي الأطلسي نرى توحد وتصلب اللهجة الروسية الجديدة، بحيث يردد رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء والبرلمان ومجلس رؤساء المحافظات والمعارضة كلاما موحدا ومتشابها.
إن هذه الحالة ليست رد فعل على ما هو اخذ في الانتشار من أن السياسة الأمريكية هي التي دفعت روسيا للتوجه صوب الشرق والانعزال عن الغرب، بقدر ما أنها تعكس ديناميكية الاختلاف والبحث عما أسميته بتوازن جديد على الصعيد العالمي. وهو توازن محكوم بالنسبة لروسيا بارتقاء فكرة المصالح القومية إلى مصاف العالمية. من هنا إمكانية اصطدامها بالسياسة الأمريكية التي مازالت تنظر إلى الأمور وعلى أعينها عصابة الأيديولوجية الكثيفة للمحافظين الجدد.
مما لا شك فيه أن البحث عن توازن جديد في الرؤية الروسية ما زال قلقا بسبب قلق التوازن الدولي وعدم استقراره. من هنا تزاوج الرؤية الواقعية والاختبار العملي والتجريب الخشن أحيانا. بعبارة أخرى، إن الرؤية الروسية عن التوازن الجديد لم تتأطر بعد بنظرية إستراتيجية واضحة المعالم وثابتة، إلا أن ملامح هذا الوضوح والثبات أخذت تبرز وتتجسد بشكل متشدد في مجرى الحرب سوريا والدفاع عن حقوق الدولة الإيرانية واستقلال قرارها السياسي. ووجد ذلك انعكاسه في مساعي الدولة الروسية لتحسين وتنويع العلاقة بالمشرق العربي (سوريا بالأخص) وإيران، ومن ثم عدم المساس بها رغم الظروف الدرامية التي كانت وما تزال تحيط "بالمشكلة الإيرانية" و"المشكلة السورية".
فقد سعت روسيا إلى توسيع وتمتين العلاقة بدول المشرق العربي وإيران ودول الخليج العربي على السواء. ومن الممكن تذكر الزيارة التاريخية التي قام بها بوتن لدول الخليج ونوعية الاستقبال والخطاب السياسي المتبادل. لكننا نعثر في الخطاب السياسي والدعائي الروسي أيضا (وليكن غير السائد) على مواقف تقول، بان المصالح فوق الاعتبارات الأخرى. فكما أن الولايات المتحدة مع "السعودية الوهابية"، فان بإمكان روسيا السير مع إيران "آيات الله". وبغض النظر عما في هذه الفكرة من تسطيح وابتذال للظاهرة المعقدة، إلا أنها تشير إلى وجود رؤية لها صداها أيضا بين النخب السياسية لتوظيف كل ما يمكن توظيفه من اجل المصالح الخاصة.
إلا أن الرؤية الروسية الإستراتيجية الآخذة في التراكم والوضوح محكومة أيضا بطبيعة الصراع العالمي وصراع المصالح. فالغرب "مغلق" لحد ما بالنسبة لروسيا. من هنا فان التوجه صوب الشرق والجنوب أمرا طبيعيا ولحد ما حتميا. فقد رفضت ألمانيا (وأوربا) مشروع "اتحاد الطاقة" الروسي. تحت حجة "تنويع المصادر". ومن الممكن فهم الرفض الألماني، لكنه يعكس في الوقت نفسه بقايا عدم الثقة ومحاولات عزل روسيا عن "أوربا". ولعل الأحداث الأخيرة المرتبطة بالصراع حول اوكراينا والتحمس المتشدد في توسيع وتعميق المواجهة مع روسيا وجعل لغة المقاطعة الاقتصادية والسياسية والتلويح بالقوة العسكرية (توسيع خطوط الأطلسي اقرب فاقرب من الدولة الروسية) سوى احد مظاهرها الجلية. كل ذلك يكشف عن أن الصراع بين روسيا والغرب (الاوروامريكي) لا علاقة له بطبيعة النظام السياسي ومستوى تطور الدول. فقد أثارت كل هذه الأحداث الأحقاد وسرائر النفس الاوروامريكية من روسيا بوصفها "الدب المخيف" بغض النظر عن التغير النوعي في النظام السياسي (الديمقراطي) والاقتصادي(الرأسمالي). إننا نعثر في مجمل السياسة الاوروامريكية الأخيرة من روسيا استمرار ما يمكن دعوته بخلل الإرادة الأوربية وعدم نضج وتكامل رؤيتها السياسية الإستراتيجية. وهذا بدوره ليس معزولا عن خضوعها المباشر وغير المباشرة للسياسية الأمريكية.
وبالمقابل نرى صيرورة التكامل الفعلي في الرؤية الروسية فيما يتعلق بمجمل المشاكل الداخلية والخارجية الإقليمية والعالمية وكيفية مواجهتها وإيجاد الحلول لها، سواء باستقلال القرار الروسي أو عبر استجماع القوى القادرة والمستعدة للبحث عن بديل عالمي متوازن. وهو تكامل يجري في ظروف معقدة لا تخلو من درامية ودموية، اي كل ما نعثر عليه في حالة الانتقال الجلية للرؤية الروسية من التأرجح بين متطلبات الصراع المحكوم بمصالح ضيقة وجزئية وعابرة وضغوط خارجية، إلى إدراك ضرورة الثبات حول مبادئ إستراتيجية بعيدة المدى. وعلى كيفية حسم هذه المعادلة القلقة تتوقف ديناميكية الحالة الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية لمنطقة المشرق العربي وإيران.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن