الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش الفصل الأكثر قبحًا في أسطورة فرانكنشتاين

تيسير حسن إدريس

2014 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


(1)
الإسلام في جوهره عقيدة تدعو لنبذ العنف، وإشاعة السلام، والتآخي بين البشر، وتترك أمر الحساب والعقاب لبارئ الكون، الذي خص ذاته العليا بهذا الحق، ولم يمنحه حتى لنبيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي انحصرت مهمته في الهداية وتبليغ الرسالة؛ ليؤمن من يشاء ويكفر من يشاء، فلا إكراه في الدين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يبعث لتكوين دولة، أو تأسيس حزب، بَيْد أن فقهاء البلاط في ظل الممالك التي أعقبت حكم الخلفاء الراشدين انحرفوا بالنهج عن المحجة البيضاء؛ لتقع الأمة بجهل ودون وعي في براثن "الفقه السلطاني"، الذي أفرز نظمًا فقهية تتصادم في أوجه عديدة مع جوهر العقيدة، توارثتها بعدئذ جماعات منحرفة قامت بالمتاجرة بالدين خدمة لمصالح دنيوية، مستغلة ضعف الوعي وغياب الفكر والعقل النقدي، في ظل أجواء الانحطاط الحضاري المعرفي الذي ضرب الأمة الإسلامية، وسمح بتراكم أفكار مشوَّهة، تمَّ التأصيل لها بجهالة، اعتمادًا على بعض المرويات والأحاديث غير المتفق عليها.
(2)
ظهر الإسلام السياسي في العصر الحديث، مع تأسيس جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، منتصف عشرينات القرن الماضي، بدعم من المخابرات البريطانية، وخرج من رحمها الولود جميع تيارات العنف السياسي، كضرورة إستراتيجية أملتها حاجة القوى الامبريالية في كل مرحلة من مراحل تطورها لعوْنٍ ذي طبيعة مختلفة، فبعد انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا كانت الحاجة لعون عقائدي يمنع انتشار الفكر الشيوعي؛ وبعد انهيار الاشتراكية على أثر حرب باردة مكلفة ازدادت حوجة الامبريالية العالمية للثروات الطبيعية -الآخذة في النفاذ في دول المركز الصناعي الكبرى بالقارة العجوز- فكان لابد من دق (مسمار جحا) في الخيمة العربية كمسوغ لابتزازها، والهيمنة على ثرواتها، ولم يكن "خابور جحا" الذي غرسته الإمبريالية سوى جماعة "الإخوان المسلمين"، وتوابعها من تيارات العنف السياسي؛ لتأتي عودة قوى الرأسمال للمنطقة من جديد بصورة مباشرة عبر حرب الخليج الأولى، التي جُرَّ إليها العراق ذات غفلة جرًا غير رحيم ، إرضاء لحاجة تلك الدول للطاقة، وقد استشعرت شركاتها القابضة العابرة للقارات نذر الأزمة المالية التي ما زالت تعصف باقتصادها حتى اليوم.
(3)
لم تكن ثم ضرورة تاريخية تحتم ظهور جماعة "الإخوان المسلمين" في منطقة يدين أغلبية أهلها بصحيح الإسلام، فقد زُرعت زرعا بيد المخابرات البريطانية؛ لشيء في نفس الدول الرأسمالية التي خططت ورسمت الدور الذي يجب أن تلعبه الجماعة خدمة لمصالحها، ومن هنا انطلقت مسيرة التعاون بين الطرفين بعلم بعض قادة الإخوان في تلك المرحلة، وجهل السواد الأعظم من منسوبيها؛ وهذه هي حقيقة العلاقة المريبة التي تكشفت لاحقا لبعض القيادات الإسلامية التي خلفت السلف، ولكن كان أوان التراجع قد مضى وسبق السيف العزل، وشباك الإمبريالية قد أخذ بخناق "الجماعة"، وألزمها بيت الطاعة، وبات من العسير قطع العلاقة بالغرب، بعد أن اعتادت التغذية بالحبل السري الذي وفر لها سبل الحياة، وعمَّق من معادلة (خذ وهات) في التعاون ، الذي تجلى بوضوح في الحرب الباردة على المنظومة الاشتراكية، والحرب الأفغانية التي لعبت فيها الجماعات الإسلامية رأس الرمح، وخاضت الحرب بالوكالة، ونجحت بامتياز في تحقيق هدف الرأسمالية المتمثل في تدمير المنظومة الاشتراكية.

(4)
قبع فقه (ابن تيمية والمودودي) ومن بعد (حسن البنا وسيد قطب) في لب الفكر، الذي بنا عليه تيار الإسلام السياسي نهجه، لذا لا غرو أن اتسمت نظرته للمجتمع المسلم بالتشكيك والاتهام بالجهل والكفر، وركن تبعًا لهذه النظرة المستعلية لأساليب دعوية بعيدة كل البعد عن الحكمة والموعظة الحسنة، وهنا وكي لا يقع المرء في المحظور، يجب التفريق وعدم الخلط بين أصل العقيدة، وفهم بعض الفقهاء لهذه العقيدة، خاصة وكثير منهم قد ارتبط على مر العصور بالبلاط الحاكم ، وأخذ يجتهد في الحفاظ على امتيازات القرب من وأولياء النعمة؛ بإلباس الفرمان السلطاني -اتفق أو اختلف مع جوهر الشرع- برقعَ القداسة؛ وما عرف بالتراث الإسلامي غني بهذه الممارسات التي وجد فيها الغرب ضالته، ووضع إستراتيجية ما بعد مرحلة الاستعمار المباشر وفقا لها، وشرع في تنفيذ استراتيجيته عبر وكيل معتمد هو تيار الإسلام السياسي، الذي اختير لما له من قدرات على تطويع المجتمعات ، واللعب بمشاعرها الدينية، أسهمت الامبريالية في الدعم المباشر وتوفير مناخ من السياسات الاقتصادية المنتجة للفقر والجهل، ممَّا وفَّر (الحاضنة الاجتماعية) المناسبة لنمو وانتشار الأفكار المتطرفة.
(5)
ما كان لوحش (فرانكنشتاين) أن يظهر وتتحقق الأسطورة على أرض الواقع ، بدءًا من (القاعدة) إلى (داعش) لولا الدعم الإمبريالي السخي الذي بذل؛ ليس من أجل سواد عيون تلك الجماعات؛ بل استغلالا لشيوخها في تنفيذ الإستراتيجية الرأسمالية، الساعية لنهب ثروات الشعوب ، حيث جعل الغرب من هؤلاء الشيوخ بيادق ودمى يحركها متى وكيف شاء تنفيذا لمخططاته، وعندما يقضي منها وطرأ يرسلها لمزبلة التاريخ، وهو ما حدث لتنظيم (القاعدة) الذي تم تصفية شيخه (ابن لادن) كأي عميل بعد أن أدَّى دوره المرسوم في حرب أفغانستان، وإحداث تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك، التي وفرت المبرر لأمريكا وبقية القوى الامبريالية للتدخل من جديد في المنطقة، بحجة محاربة (الإرهاب) ؛ الوحش (الفرانكنشتايني) الذي اخترع في مختبر الغرب نفسه.
(6)
إن الركون إلى دعاوي أمريكا في محاربة الإرهاب وتيارات العنف السياسي فيه قصر نظر، وهو مدعاة للسخرية بعد أن تكشفت حقيقة ما نرى من جلبة، وأسفرت عن أن كل ما يجرى يتمحور حول كيفية المحافظة على المصالح الأمبريالية في المنطقة، وهي إستراتيجية وضعت منذ عقود ويعاد صياغة تفاصيلها وتحديث آلياتها في كل مرحلة بما يخدم ويضمن الهدف الرئيس؛ لذا فالتعويل على دور أمريكي يطهر دول المنطقة العربية من ظاهرة (داعش وأخوتها) قبل أن يعيد الغرب إنتاج ظاهرة تعطي المبرر لاستمرار تواجده، هو محض هراء وأمنيات خرقاء، فإنتاج ظاهرة الإسلام السياسي على نمط يخدم مصالح الرأسمالية مخطط قديم، وضع منذ الحرب الكونية الأولى، وتسارعت خطوات تنفيذه بعد الحرب العالمية الثانية، ونهوض المعسكر الاشتراكي كقطب موازن في السياسة الدولية.
(7)
عليه فمن العبث تصديق أسطورة العداء بين الغرب وتيارات الإسلام السياسي، ومن الخطل الانجرار خلف مزاعم محاربة الإرهاب، فكل الرجز الذي نسمع ما هو إلا صدى لمخطط الحفاظ على المصالح، و(داعش) التي تقصف بالطائرات وتصلى سقر الصواريخ اليوم، لن يتم التخلص منها قبل أن يفرغ (فرانكنشتاين الامبريالي) من خلق أسطورة جديدة، تعطي المبرر المطلوب للتواجد مستقبلا، والاستمرار في نهب ما تبقى من ثروات؛ لتظل الحلقة الشريرة التي تكتمل دائرتها بتيار الإسلام السياسي تدور، ما لم تهب المنطقة العربية من غفلتها، وتعلم أن (داعش) ومثيلاتها لن تهزم بالضربات الأمريكية، إنما بنشر الوعي، ونبذ الخرافة، والعودة لجوهر الدين باعتباره مكونًا أصيلاً من مكونات الأمة، يجب تثويره لدعم مشاريع نهضوية تقدمية، ولن يتثنى هذا الأمر إن لم يوضحْ للعامة حقيقة الخلط المتعمد في خطاب تيار الإسلام السياسي، الذي يخلط بوعي ماكر بين مفهومي فصل السلطة السياسية عن الدين -الذي تدعو له القوى المدنية المستنيرة- وبين مفهوم فصل الدين عن المجتمع والحياة الذي لا يمكن أن يروج له عاقل.

** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 01/10/2014م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حبلُ الكذب قصير
طلعت ميشو ( 2014 / 10 / 2 - 21:00 )
السيد تيسير إدريس المحترم
الحق عنوان مقالك مُثير وجميل ويدعو القارئ للتوقف ومحاولة الإستمتاع بحقيقةٍ ما جديدة عن داعش الفواحش
لكنني إصطدمتُ منذُ بداية المقال بكذبة أكبر من حجم الكرة الأرضية حين يقول جنابكم: الإسلام في جوهره عقيدة تدعو لنبذ العنف، وإشاعة السلام، والتآخي بين البشر .. الخ من تجميل القبيح والدعوة للعودة لجوهر الدين الإسلامي وكأنك لا تعلم بأن داعش قد عادوا بنا لذلك الجوهر ... صح النوم
كل هذا دعاني لعدم إكمال المقال، حيث لا أُريد تضييع وقتي مع هذه الأكاذيب الصلعاء التي لم تعد تُقنع غير الجهلة والأميين ومتواضعي الفكر والثقافة
أنتَ تبدو من خلال مقالك هذا ككائن هبط علينا من كوكب آخر، أو كَمَّن يحرث وجه البحر، لأنك بعيد عن الحقيقة بترليونات السنين الضوئية
ولستُ آتٍ بأي جديد لو قلتُ لك بأن داعش هي الإسلام الحقيقي الذي بدأ قبل كذا مئة من السنين العجاف التي ما أثمرت غير ما زرعه من أشواك كان من ضمن قِطافِها داعش وأخواتها المنتشرات في كل بلد عربي مسكين كان يوماً ما مهداً للحضارة الأرضية، ولكن
أنت حُر في ما تكتب، ولكن لا تتوقع أن يكون لك شعبية في هذا الموقع العلماني
الحكيم البابلي

اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات