الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الموقف الفرنسي من الوضع في سوريا

حسين عمر

2014 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تكتسي العلاقات الفرنسية-السورية طابعاً خاصّاً لكون سوريا قد خضعت للاحتلال الفرنسي، بانتدابٍ من عصبة الأمم، بين أعوام 1920 و1946 حيث انتهى التواجد العسكري الفرنسي على الأراضي السورية تماماً. وهذا التاريخ الأخير الذي يعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية هو في الوقت نفسه تاريخ انتهاء العمل على المشاريع السياسية الفرنسية في سوريا وخاصّة فيما يخصّ المكونات المجتمعية السورية التي كانت لفرنسا مشاريع ورؤى حول طبيعة علاقتها ببعضها وهندسة نظام سياسي مغاير لما تمّ فرضه لاحقاً على سوريا ألا وهو النظام السياسي القائم على المركزية السياسية والعرقية واللغوية والإدارية. وقد وددنا الإشارة إلى الرؤية الفرنسية ومشاريعها السياسية في سوريا آنذاك، لأنّ واقع الحال السوري الراهن يطرح الكثير من المشاريع التي لا تبتعد كثيراً عمّا كانت فرنسا تطرحه في تلك الحقبة.
ومع أنّ أمريكا، من خلال تدبيرها لانقلاب حسني الزعيم في 30 مارس/أذار 1949، قد حجّمت النفوذ الفرنسي في سوريا، إلاّ أنّ العلاقات بين البلدين ظلّت محكومة في الكثير من جوانبها بالإرث التاريخي لفترة الاحتلال التي امتدّت لأكثر من ربع قرن. وقد شهدت مسيرة العلاقات بين البلدين محطّات فارقة على مدى العقود الماضية منها أثناء المشاركة الفرنسية في الحرب الثلاثية على مصر عام 1956، وخلال الحرب الأهلية في لبنان، التي شهدت اغتيال السفير الفرنسي لويس ديلامار في بيروت في 4 سبتمبر/أيلول 1981 واّتّهم النظام السوري بالوقوف وراء عملية الاغتيال ابّان حكم الأسد الأب، وفي أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رقيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، الذي كان على علاقة سياسية وطيدة بفرنسا وعلاقة شخصية وثيقة بالرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، واندلاع الاحتجاجات في سوريا وتحوّلها إلى نزاعٍ داخليّ مسلّح في عهد الأسد الابن، وسوف نقف في مقالتنا هذه على موقف فرنسا خلال هذه المحطّة الأخيرة التي نقصد بها الوضع السوري الراهن.
سبق وصول الاشتراكي فرانسوا أولاند إلى كرسي الاليزيه في انتخابات 6 مايو/أيار 2012، إدانة فرنسا ما أسمته بالمجازر المرتكبة من قبل النظام السوري وباستدعاء السفير الفرنسي ايريك شوفاليه من دمشق واغلاق قنصليتي فرنسا في حلب واللاذقية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، واقترح الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في الأشهر الأخيرة من ولايته انشاء مجموعة اتصال دولية بشأن سوريا والتي تحوّلت لاحقاً إلى مجموعة أصدقاء سوريا.
مع تسلّم فرانسوا أولاند مهامه في كرسي القرار الفرنسي، في أواسط مايو/ أيار 2012، استهلّ الرئيسي الاشتراكي سياسته حيال سوريا بابعاد السفيرة السورية لدى فرنسا لميا شكور في 29 مايو/أيار 2012، ثمّ ما لبثت فرنسا الأولاندية تصعّد من موقفها ضدّ النظام في سوريا وتوسّع من تعاونها مع المعارضة السورية المتمثلّة بالائتلاف الوطني الذي استقبل الرئيس الفرنسي رئيسه السابق أحمد عاصي الجربا يوم 20 مايو/أيار 2014 في الاليزيه وأعلن خلال لقائه به بأنّ فرنسا ستفتتح سفارة للائتلاف في باريس، وكرّر بعدها الرئيس الفرنسي مراراً بأنّ بلاده تعتبر الائتلاف المعارض ممثلّاً وحيداً للشعب السوري، كان آخرها في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكّد دائماً بأنّ لا مكان للأسد في أيّ حلّ سياسي للأزمة في سوريا.
لطالما جاهر الرئيس الفرنسي أولاند بأنّه كان الرئيس الغربي الأوّل الذي طالب بالتدخّل في سوريا (منعاً للمجازر)، بل وكشف في مقابلة مع قناة BFMTV الأخبارية بأنّه اقترح في صيف 2013، في اعقاب استخدام الأسلحة كيماوية (21 أغسطس/آب 2013)، التدخّل في سوريا عسكرياً وضرب النظام حتى من دون تفويضٍ أو قرارٍ دوليّ من مجلس الأمن وانتقد الموقف الغربي وخاصّة الأمريكي قائلاً بأنّ أمريكا فضّلت أن تسلك طريقاً مغايراً للذي اقترحه ومحمّلاً روسيا مسؤولية تعطيل تحرّك المجتمع الدولي من خلال عرقلة اتّخاذ قرارٍ دولي في مجلس الأمن. كما كشف رئيس الدبلوماسية الفرنسية لوران فابيوس، في مقابلة مع القناة المذكورة ذاتها، بأنّ فرنسا قد زوّدت من أسمتهم بالمقاتلين المعتدلين في المعارضة السورية بالأسلحة والمعدات العسكرية.
لكنّ الموقف الفرنسي الأخير في الامتناع عن المشاركة في ضرب أهدافٍ داخل سوريا في إطار حملة التحالف الدولي على تنظيم داعش الإرهابي يبدو في ظاهره متناقضاً مع الموقف الفرنسي المندفع حيال الوضع في سوريا ويثير تساؤلات وحيرة لدى المتابعين للشأن السوري والموقف الفرنسي منه. بيد أنّه يمكن الإجابة على هذه التساؤلات وتبديد هذه الحيرة إذا ما علمنا بأنّ فرنسا اشترطت للتحرّك العسكري وجود مظّلة دولية شرعية أو طلب رسمي من الدولة المعنية بالتدخّل على أراضيها وهو ما حصل في الحالة العراقية من خلال دعوة الحكومة العراقية المجتمع الدولي إلى التدخّل العسكري الأمر الذي لا يتوفّر في الحالة السورية، وكذلك إذا ما علمنا أنّ التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش مقسّم وظيفياً إلى تحالفين؛ تحالفٌ أمريكي-أوربي ينفّذ العمليات على الأراضي العراقية؛ وتحالفٌ أمريكيٌّ-عربي ينفّذ العمليات على الأراضي السورية.
لكنّ اكتمال التحالف الدولي بانضمام (الضلع الثالث) في ثلاثي القوى الغربية العظمى (بريطانيا)، وثبوت عجز روسيا في التحرّك الجدّي ضدّ هذا التحالف واحتمال انخراط حلف الناتو مباشرةً في الجهد العسكري ضدّ داعش في المنطقة، يمهّد الطريق أمام تعديل سياسة فرنسا بشأن التدخّل في سوريا أيضاً، وهو الأمر الذي ألمحت إليه فرنسا مؤخّراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد