الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسافرون إلى السماء عنوة

احمد ثامر جهاد

2005 / 8 / 21
الارهاب, الحرب والسلام


ليس الآن ، بل حتى قبل وقوع هذه الحادثة المروعة ، فقدَ العراقيون بما يشبه التسليم بقدر غامض ، قدرتهم على إيجاد تأويل ما لكل ما يجري بحقهم من ترويع وموت يومي مجاني . لم يعد بعد الذي جرى ويجري ثمة مفهوم يستوعب حجم الكارثة التي تواصل برهنتها الشيطانية لعبقرية الشر . كل شئ اصبح عصيا على الفهم ، إلا الموت نفسه ، فلن يمهلك وقتا كافيا لتفهم .
من يصدق إن كراج النهضة بهمومه الحياتية البسيطة اصبح ساحة موت لحظي بشع ؟
كان كراج النهضة نقطة التقاء مصائر عراقية عدة متباينة ، فهو ميدان سفر ولقاء عابر ورزق يومي ، كما انه بوابة دخول رئيسة إلى فضاء العاصمة ، إلى جحيمها وملهاتها معا . وهو بذلك وبسببه بوابة خروج حزين أو سعيد أيضا . انه قلعة المصائر المتقاطعة وقد احتفظت لنفسها بحيز خاص في أذهان العراقيين ، سيما بارتباطه بخزائن ذاكرة حرب السنوات الماضية كلها . عدُ كراج النهضة على الدوام بوابة الدخول إلى لعبة المصائر المجهولة تلك . فربما تدخل العاصمة بغداد مسافرا عاديا أو سائحا ، أو طالبا أو ساعيا لقضاء حاجة أو باحثا عن عمل ، وربما تقودك المتاهات الأخرى إلى ميتة ما على تخومها أو في شوارع أو ميادين مشابهة تحيط بها شمالا وغربا وتطوقها في كل الاتجاهات ، ستموت وتحيا من لحظة ولوجك النهضة .
بوصفه ساحة الآلام والإذلال والوساخة والانتظار والقلق ، لا يجتذبك كراج النهضة كثيرا ولا يولد رغبة فيك للبقاء اكثر مما يسمح به الوقت لمغادرته بعين مفتوحة تراقب على الخط السريع انسحاب مشهد الخرائب المحيطة به بأزلية تتعالى على تعاقب الأزمان والأحوال .
لأنها تستهدف الحياة بشتى ألوانها وأشكالها ، لا تستخدم يد الإرهاب ميزانا لتثمين النوع البشري ، وليس في جعبتها قيم تفرق بين برئ ومذنب ، فقير وغني ، ولا بين كل ثنائيات الكون الأخرى ترى الفرق . ماذا يعني ذلك ؟
هل يضحك الإرهاب بشدق قبيح احمر يتقاطر دما متقيحا ، وهو يتصور العراقيين المفجوعين بالذي حصل ، عيونهم ساهرة على من عاد من الأهل ومن لم يعد ، من نجا بقدرة قادر ومن بقي مصلوبا في وحشة ساحات العبث والخواء ؟
في جحيم النهضة سترى الأجساد المسافرة لم تعد صلبة ، فهي أكوام لحم رخو تناثر على الأرصفة وصبغ الاسيجة الكالحة بنزيفه الساخن . فيما حلقت حقائب السفر نحو السماء لتسقط كأصلها الأول موادا خاما بلا لون أو معنى . في السفر إلى السماء لن يتصارع الأموات على عائدية الجسد ، وقد فقدوا الإحساس بدنيويته وخصوصيته ، كما لن يفكر الأحياء طويلا بإعادة سبك أجساد أحبابهم المفرومة تحت عين الشمس وصفرة نارها المهولة .
كيف سيفكر العراقيون الآن وهم يهمون بالسفر والنزول في كراج النهضة الذي اختزل المأساة كلها ؟ من أين نخطو والى أي الجهات علينا النظر ، ممن سنحذر ، وبمن نثق ؟ ومن هم إدلاءنا وأين صار حماتنا مما يحاك لنا ؟
تلك هي نهضة الموت الكاسحة أبدا ، تفسح الطريق العراقي للسفر السماوي عنوة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر