الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نمط الإنتاج الإقطاعي

محمد عادل زكي

2014 / 10 / 5
الصناعة والزراعة


نمط الإنتاج الإقطاعي
في الشرق الإسلامي والغرب اللاتيني
(ملاحظات أولية)
---------------------------------------------
الفرضية المنهجية التي أقدمها هنا هي أن الإقطاع فى الشرق لا يختلف، كما يدَّعىَ، عن الإقطاع فى الغرب. بل هو نمط إنتاج واحد. إقطاعي. إذ يمكننا أن نعقد مقارنة بين الإقطاع في الشرق الإسلامي والغرب اللاتيني في ضوء ما لدينا من مصادر تؤكد لنا أن جوهر الإقطاع لا يختلف في الشرق عنه في الغرب. مُنتِج مباشر مستغَل. نخبة حاكمة مستغِلة. ريع عيني ينقل إلى مخازن الملاك. ريع نقدي يتدفق إلى خزائنهم. قد يتغير الشكل. قد يتغير اسم المستغل وصفته. قد يختلف مكان الاستغلال. قد تتبدل الالتزامات. ولكن تظل الروح واحدة لا تتغير، والقواعد الكُلّية واحدة لا تتبدل. "المجتمع الإقطاعي حيثما يكون في الشرق أو الغرب مجتمع جامد طبقي البنيان والمظهر والمخبر، وحقوق الفرد في هذا المجتمع تختلف بحسب الطبقة التي ينتمي إليها الفرد نفسه، والعلاقة بين الطبقات نفسها تختلف باختلاف وضعها في المدرج الإقطاعي، ولذا استطاع السبكي والقلقشندي والمقريزي تقسيم المجتمع المملوكي في سهولة، ومن زوايا مختلفة". انظر: إبراهيم على طرخان، النظم الإقطاعية: في الشرق الأوسط في العصور الوسطى (القاهرة: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 1968)، ص299. ولمن يهوون القول باختلاف الإقطاع في الشرق عن الإقطاع في الغرب، يمكننا بوجه عام أن نسايرهم، ونلاحظ أمرين: الأمر الأول بشأن الحيازة، والأمر الثاني بشأن إنتقال الأرض بالوفاة إلى الورثة. والأمران نتصور أنهما في غاية الشكلية. ولا بأس من إيضاحهما، وقبل ذلك نذكر أن الماوردي (974-1058) كتب:"وإقطاع السلطان مختص بما جاز فيه تصرفه ونفذت فيه أوامره، ولا يصح فيما تعين فيه مالكه وتميز مستحقه. وهو ضربان: إقطاع تمليك وإقطاع استغلال. فأما إقطاع التمليك فتنقسم فيه الأرض المقطعة ثلاثة أقسام: موات وعامر ومعادن، فأما الموات فعلى ضربين: أحدهما ما لم يزل مواتاً على قديم الدهر فلم تجز فيه عمارة ولا يثبت عليه ملك... والضرب الثاني... ما كان عامراً فخرب فصار مواتاً عاطلاً وذلك ضربان: أحدهما ما كان جاهلياً كأرض عاد وثمود فهي كالموات الذي لم يثبت فيه عمارة ويجوز إقطاعه... والضرب الثاني ما كان إسلامياً جرى عليه ملك المسلمين ثم خرب حتى صار مواتاً عاطلاً... وأما العامر فضربان: أحدهما ما تعين مالكه للسلطان فيه إلا ما يتعلق بتلك الأرض من حقوق بيت المال. والقسم الثاني من العامر: أرض الخراج... والقسم الثالث: ما مات عنه أربابه ولم يستحقه وارثه بفرض ولا تعصيب". الماوردي، الأحكام السلطانية والولاية الدينية (بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت)، ص195-200. وقارن: إبن إياس، نزهة الأمم في العجائب والحكم، تحقيق محمد زينهم محمد عزب (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995)، ص135. فمن الواضح، وفقاً لنص الماوردي، أن الإقطاع في الشرق يجد له سنداً تنظيمياً وغطاءً أيديولوجياً، على خلاف الإقطاع في الغرب الذي فرضه الظرف التاريخي. وإذ كان هذا وجه إختلاف، فوجهان آخران لدينا: فبصدد الحيازة: لم يكن للحائز في الشرق سوى سلطة استغلال وانتفاع دون التصرف؛ لأن المالك الوحيد للأرض جميعها، فيما عدا بعض الاستثناءات، هو الخليفة. الَّذي يستطيع أن ينزع الملكية وقتما شاء ممن يشاء، فمثلاً كانت بعض أراضي الشرقية والبحيرة موهوبة بمثابة إقطاعات للبدو من قبيلتي جزام وصليب الَّلتين كانت فرقهما تدخل في عداد الجيش النظامي، غير أن السلطان صلاح الدين نزع هذه الإقطاعات منهما عقاباً لهم على عقد صفقة سرية من الحبوب مع الصليبين ( المقريزي، السلوك، ج2، ص64، 65.) كما نزع السلطان الكثير من إقطاعات الأكراد كعقاب لهما على هزيمتهما في الرملة في عام 1177(المقريزي، الخطط، المصدر نفسه، ج2، ص71) أما عن انتقال الحيازة بالوفاة إلى الورثة، فقد كانت الأرض، في غرب أوروبا، تنتقل إلى أكبر الأبناء الذكور، وهو الأمر الذي كان له نتائج غاية في الخطورة على النظام الإقطاعي نفسه. أما في الشرق فالإقطاع سواء كان في مصر أو سوريا يمكن أن يتحول وفقاً للوظيفة الحربية، ويخبرنا ابن عبد الظاهر أن إقطاع الأمير شهاب الدين القمري انتقل لابنه بعد موته، ولكن إقطاع الأمير شرف الدين الَّذي وقع في الأسر على يد الصليبيين في بداية 1261، استبقاه السلطان لإخوته. والمقريزي في عام 1265 يستشهد بنص مرسوم بيبرس الخاص بتوزيع الإقطاعات على الأمراء في الريف والقرى الَّتي تقع حول المناطق التي تم نزعها من الصليبيين في قيسارية وأرسوف؛ علاوة على أنه يؤكد على الطبيعة الوراثية لهذه الأوضاع. وإعادة توزيع الإقطاعات بالشكل الوراثي يرجع في الأغلب للعادات الموجودة الخاصة بأمراء المماليك الكبار، الَّذين لا يمكنهم أن يرثوا وظائف أبائهم وبالتالي إقطاعاتهم. والمصادر تؤكد أن عزل الأمير أو وفاته تستتبع إعادة توزيع إقطاعه على الآخرين، وكان المحاربون يتعرضون لفقد إقطاعاتهم إذا ما ارتكبوا ما يخالف القواعد المتوارثة. على ذلك، قد يتبدى الاختلاف في النشأة ربما أو التنظيم أو عوامل التطور والإنهيار، ومع ذلك يمكننا أن نرى نشأة الإقطاع في الشرق مشابهة، في بعض الأحيان، لما حدث في الغرب اللاتيني؛ إذ نجد أن من أهم الأسباب التي أدت إلى ازدياد عدد الضياع عند الخلفاء وذويهم، نظام الإلجاء؛ فقد كان الأهالي الضعفاء يقومون بإلجاء ضياعهم إلى الأقوياء من أقارب الخليفة أو الوزراء أو كبار رجال الدولة، للتخلص من جباة الخراج الذين كانوا يغضون النظر عن هذه الأراضي الملجأة فلا تخضع لجبايتهم. وبذلك يخف الخراج عن أصحاب الضياع الضعفاء، وبمرور الزمن تُصبح هذه الضياع ملكاً للملجأ إليه، في حين أن وضع المالك الأصلي يتبدل إلى حالة مزارع في الأرض. وترجع هذه الطريقة، فيما يبدو، إلى العصر الأموي، حيث ألجأ الكثير من الفلاحين أراضيهم إلى مسلمة بن عبد الملك بن مروان في أثناء ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي للعراق. كما توجد أمثلة أخرى بعد قيام الدولة العباسية، ففي عهد المنصور، على سبيل المثال، أَلجأَ رجل من أهل الأهواز ضيعته إلى الوزير سليمان بن مخلد المعروف بأبي أيوب المرياني. "جاء رجل من أهل الأهواز إلى أبي أيوب، وهو وزير، فقال له: إن ضيعتي بالأهواز قد حمل عليَّ فيها العمال، فإن رأى الوزير أن يُعيرني اسمه اجعله عليها، وأحمل إليه في كل سنة مئة ألف درهم؟" انظر: أبو عبد الله الجهشياري، كتاب الوزراء والكتاب، حققه ووضع فهارسه مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي (القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1938)، ص118.كما أننا نجد تشابهاً آخر؛ إذ كانت ملكية الأرض في عهد الدولة الأيوبية تقوم في أغلبها على النظام الفئوي الهرمي الشبيه في أساسه بالأشكال السائدة في غرب أوروبا في العصور الوسطى، وكانت الفئات الحاكمة تتكون في أغلبها من الأعيان المحاربين الذين ينحدرون من الأصل التركي. ونذكر أخيراً أن د. زكريا نصر يذكر وجهين آخرين للاختلاف بين الإقطاع الأوروبي والإقطاع في الشرق، وبصفة خاصة في العهد المماليكي:" أولاً: إن الفرق شاسع بين طبقة الإقطاع في أوروبا وجلهم من أحفاد أمراء ورؤساء القبائل البربرية وبين طبقة من الأرقاء المستوردين... ثانياً: كانت المدن الأوروبية تتمتع بحريات انتزعتها من أمراء الإقطاع فأصبحت مجالات لنظم تغاير أساساً النظام الإقطاعي القائم على التبعية الشخصية ورق الأرض، الأمر الذي هيأ الفرصة في مرحلة معينة من التطور لظهور نظام اجتماعي جديد كان مصيره القضاء على الإقطاع نهائياً. أما المدن المصرية فقد كانت هي أيضاً كالأرياف خاضعة خضوعاً كبيراً لسلطان المماليك، فهؤلاء كانوا وعسكرهم يقطنون المدن ويملكون فيها لا القصور فحسب بل والعقارات والحوانيت والأسواق التي تدر دخلاً من تأجيرها...". زكريا أحمد نصر، تطور النظام الاقتصادي: مقدمة لدراسة الاقتصاد السياسي (القاهرة: دار النهضة العربية، 1965)، ص259.
ويمدنا الجدول الاقتصادي لفرنسوا كينيه (1694- 1774) بفكرة ممتازة عن دور الرأسمال (م ع + أ ع + ق ع) وقانون حركته (ن -- و أ + ق ع -- س -- Δ-;- ن) في الاقتصاد الإقطاعي، إذ يعد الجدول الاقتصادي، كما ذكرنا، النموذج الأعمق تعبيراً عن تحول النقود إلى رأسمال حتى في ظل النظام الإقطاعي المبني على الزراعة، الَّتي يعتبرها كينيه العمل الوحيد المنتِج. إذ على مستوى البدء في النشاط الاقتصادي يوضح كينيه أنه من اللازم وجود قدر من الرأسمال Avances Annulles للحصول على المواد الأولية الَّتي يجري تحويلها في أثناء العملية الإنتاجية، وقدر آخر من الرأسمال Avances Primatives للحصول على أدوات الإنتاج المعمرة الَّتي تستخدم في أكثر من عملية إنتاجية كالمباني والآلات، وقدر ثالث من الرأسمال الَّذي يلزم لإستصلاح الأرض وتحسينها وشق الترع والمصارف. وعقب إتمام العملية الإنتاجية يتمكن العمل الزراعي من تحقيق فائض. هذا الفائض سيتم توزيعه من خلال نوعين من التدفقات: تدفق عيني، وآخر نقدي. ويتم توزيع وتداول الناتج بشكليه بين الطبقات الاجتماعية الثلاث التي حددها كينيه، وهي الطبقة المنتِجة والَّتي اعتبرها ممثلة في طبقة المزارعين، وطبقة كبار الملاك وهم الملك والحاشية وكبار رجال الكنيسة، والطبقة العقيم وهي الَّتي تضم أصحاب المهن والحرف وغيرهم من الذين لا يضيفون على الناتج. فالنجار مثلاً، يمكننا أن نراه في نظر كينيه، غير منتِج لأنه لا يضيف على الناتج، فكُل ما يفعله هو اعادة تشكيل مادة موجودة سلفاً في الطبيعة، على العكس من العامل الزراعي الّذي يضيف إلى الناتج الاجتماعي السنوي ويحقق بعمله فائض زراعي، يستخدم جزء منه في تجديد الإنتاج، وجزء آخر يستخدم، بعد بيعه وتحويله إلى نقود، في دفع الريع إلى كبار الملاك العقاريين. إن ما نستخلصه من الجدول الاقتصادي، بوجه عام، هو وجود النقود الَّتي سوف تكتسب صفة الرأسمال، كما توجد قوة عمل مأجورة، وطبقة منتجة للفائض، وطبقة أخرى تعيش على هذا الفائض، العيني والنقدي، دون مشاركة في العملية الإنتاجية.
انظر:
Francois Quesnay, Tableau Economique (Paris: A La Institut National de Etudes d Emographiques, 2005) p.421.
وفي الأفكار المركزية لفكر الطبيعيين، الَّتي يمكن حصرها في: القانون الطبيعي، والناتج الصافي، وتداول الثروة، مع شرح واف للجدول الاقتصادي، انظر:
Henri Denis, Histoire De La pensee Economique (Paris: Presses Universitaires de France, 1966) p169-177








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أعتقد أن هناك فرق
موسى راكان موسى ( 2014 / 10 / 4 - 23:36 )
تحية طيبة .. و بعد

أعتقد أن الفرق بين الشرق و الغرب يكمن في الطبيعة التي حكمت بالتفريق بينهما [تاريخيا] .. و لذلك كان للشرق خصوصية تختلف عن خصوصية الغرب من حيث نمط الإنتاج _و أعذرني على التعميم فقصدي بالشرق ما يعرف بنمط الإنتاج الآسيوي و إلا فروسيا التي نعرفها لم تعرف هذا و إنما عرفت ما عرفه الغرب_ , و لعل ذلك يتمثل في حقيقة الدولة أو تكوين الدولة و علاقتها بالطبقات ..

ففي نمط الإنتاج الآسيوي الدولة هي التي تصنع الطبقات .. بينما النمط الغربي الطبقات هي التي تصنع الدولة , و هذا واضح بحكم الطبيعة التي حكمت مناطق الشرق .. و في ذلك الحديث يطول جدا

اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟