الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نمط إنتاج خراجي؟

محمد عادل زكي

2014 / 10 / 5
الارشيف الماركسي


(3) من النظريات الَّتي على ما يبدو أنها صارت رائجة لدى بعض التيارات المهيمنة في حقل اليسار بوجه خاص، نظرية "نمط الإنتاج الآسيوي"، فوفقاً لهذه النظرية يوجد تكوين اجتماعي اقتصادي في بعض المجتمعات يختلف عن العبودية وعن الإقطاع. أَيْ ان هذه النظرية توجِد نمط إنتاج جديد يُضاف إلى أنماط الإنتاج الأربعة المذكورة بالمتن. أهم ما يميز هذا التكوين الاجتماعي، الَّذي هو نمط الإنتاج الآسيوي، من وجهة نظر القائلين به، انه يتركب من مجموعة قرى مكتفية ذاتياً، مع انعدام التبادل التجاري تقريباً فيما بينها. والدولة هي الَّتي تملك الأرض من الناحية النظرية والمادية، ولموظفيها سلطة قهر فعلية. وتستولي أجهزة الدولة المركزية على فائض ناتج العمل في صورة الضريبة أو الجزية الجماعية، فتصبح الدولة بموظفيها هي الطبقة المستغِلة، أما الفلاحون فهم ليسوا عبيداً لفرد ما، بل للدولة صاحبة الأرض. وهكذا تكون الدولة هي المالكة للعبيد بدلاً من أن يكون فرد من الأفراد مالكاً لعدد من العبيد كما في النظام العبودي النموذجي! ومن جهة أخرى يختلف هذا التكوين الاجتماعي، الَّذي يسمونه نمط الإنتاج الآسيوي، عن التكوين الإقطاعي، من ناحية أن صاحب الأرض، في التكوين الأخير، هو الَّذي يمارس سلطة القهر ويستولى على فائض الإنتاج، بدلاً من الدولة. وحيث يسمح التنظيم الإقطاعي بالتوسع في الإنتاج يقف التكوين الآسيوي في مواجهة هذا التوسع لانعدام التبادل تقريباً، كما يقولون. الأمر الَّذي يعني أن مستوى تطور القوى الإنتاجية في الإقطاع أعلى منه في التنظيم الآسيوي! وأخيراً نجد أن الفلاحين والحرفيين والبورجوازيين يبدون استعداداً للاتفاق معاً والنضال المشترك للوقوف في وجه السيد الإقطاعي! أما النظم الآسيوية فتميل ناحية الثبات الاجتماعي! يمكن للقاريء أن يجد تلخيصاً وافياً لهذا الاتجاه الفكري لدى: أحمد صابر سعد، تاريخ مصر الاجتماعي- الاقتصادي: في ضوء النمط الأسيوي للإنتاج (بيروت: دار ابن خلدون،1979)، ص54. ونحن من جانبنا نرى أن نمط الإنتاج الآسيوي هذا ليس نمط إنتاج، إنما إشارة إلى المكان الذي يقوم فيه نمط إنتاج ما، أياً ما كان عبودي أو إقطاعي أو حتى شيوعي لا طبقي، بتأدية دوره. والمكان المشار إليه هنا هو حضارات الشرق القديم، وبصفة خاصة الصين والهند وفارس وبلاد بين النهرين ومصر القديمة. والواقع ان هذه المجتمعات أنتجت سلعها وخدماتها وحضارتها وثقافتها بفضل العمل الإنساني، تحديداً العمل العبودي. أما أن تكون العبودية معنوية، أيْ للدولة، أم مادية، أي للفرد، فذاك محض قفز فوق الأحرف والكلمات؛ فالقول أن الفلاحين، في نمط الإنتاج الآسيوي، ليسوا عبيداً لفرد ما، بل للدولة صاحبة الأرض، غير صحيح لأنه إذا كان للدولة الحق، المطلق، على ناتج عمل الفلاح، فهي من ناحية أخرى لم تكن تملك بيع هذا الفلاح أو مبادلته. فالفلاح في الواقع، وفقاً لهذه النظرية، حر. أما أن يكون عبداً للدولة فيتعين أن يكون من أسرى الحروب أو مُشترَى من تجار العبيد. وفي هذه الحالة سوف نصبح أمام حالة عبودية صرفة(نموذجية) فإذ ما نظرنا إلى الحالة الَّتي يكون فيها للدولة الحق على ناتج عمل الفلاح، حيث يكون الفلاحُ حراً، وإن خضع معنوياً أو لفظياً ربما، فسنكون أمام قانون حركة يحكم نمط الإنتاج الإقطاعي الذي يدور حول الأرض. والقول أن الدولة، في نمط الإنتاج الآسيوي، هي التي تمارس سلطة القهر وتستولي على فائض الإنتاج بدلاً من السيد الإقطاعي في النظام الإقطاعي، لا يُقدم ولا يُؤخر من الأمر شيئاً؛ فلم نزل أمام نمط إنتاج إقطاعي. الفلاح حر. يملك غالباً أدوات إنتاجه. يؤدي ريع الأرض. يدفع بالفائض إلى خزانة الإمبراطور. ونستطيع أن نستبدل كلمة الإمبراطور بكلمة الخليفة أو السيد الإقطاعي دون أن يحدث أيْ تعديل في جوهر التنظيم الاجتماعي أو قانون الحركة الحاكم لهذا التنظيم. والقول أن القصور المنيفة والصروح المهيبة لم تكن لتتم دون نمط الإنتاج الآسيوي الَّذي ينهض على القهر وتركيز السلطة في يد الملك أو الفرعون، يعد خلطاً ساذجاً بين المظاهر السياسية لمباشرة الحكم في الدولة والطريقة الَّتي تُنتج بها السلع والخدمات. لقد أصبح من المؤكد تماماً أن النظام العبودي والنظام الإقطاعي قد سادا فعلاً في عدد كبير من البلدان (العالم الشرقي القديم، أوروبا القديمة، أوروبا القرون الوسطى، أجزاء من آسيا) ولكن لا يمكننا أن نقتنع، علمياً بالأمثلة الَّتي يُقدمها أصحاب نظرية نمط الإنتاج الآسيوي من حضارات الشرق القديم، أو الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري. لأن حضارات الشرق القديم كانت تعتمد على عمل العبيد في سبيل إنتاج خيراتها المادية وفي الخدمات الَّتي يحتاج إليها النُخب ورجال القصر وكبار جنرالات الجيش. أي نمط إنتاج عبودي. أما الحضارة الإسلامية، فالأرض بأكملها لم تكن ملكاً إلا لخليفة المسلمين، يملك على الأقل نصفها، والآخر يقطعه إلى أمرائه ووزرائه وكبار قواده، الذين يحصلون على الريع من الفلاحين = = الأحرار الذين يزرعون الأرض دون أن يملكوها. أيْ نمط إنتاج اقطاعي. أما أن الدولة تعيش على الخراج فهو أمر يصدق أيضاً تماماً على الكنيسة والملك ورجال القصر في القرون الوسطى، بل وجمهورية مصر العربية، في القرن الواحد والعشرين، الَّتي تعد المداخيل الريعية أهم مواردها على الإطلاق. ولكننا لم نسمع، ولن نسمع باحث أصيل، يمكننه أن يقول أن نمط الإنتاج في مصر هو نمط إنتاج آسيوي! إن نظرية نمط الإنتاج الآسيوي تصرف أنظار الباحثين عن التحليل الفعلي/العلمي للمسائل المعقدة في تاريخ بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وفي أوضاعها المعاصرة. كتب كاتشانفسكي: "ربما كان ليس من الحكمة أن نطلب من أنصار نظرية أسلوب الإنتاج الآسيوي الآن في الحال جواباً كاملاً، أَيْ نظرية جاهزة... لقد طُرحت نماذج كثيرة ترتكز على أساس سمات شديدة الاختلاف. وتُولي أهمية خاصة للمشاعة الزراعية والسلطة الحكومية الاستبدادية، ولكن هاتين السمتين لا تنتميان إلى العناصر الجوهرية لأسلوب الإنتاج، وإنما فقط إلى الخصائص المميزة للنظام الاجتماعي ولشكل الدولة في بلدان الشرق. ان فرضيات أنصار النظرية الآسيوية ليست موجهة نحو الكشف عن العناصر المبدئية لأسلوب الإنتاج وإنما نحو وصف الخاصية الخارجية لمجتمعات الشرق". انظر البحث الأصيل ليوري كاتشانفسكي، عبودية، إقطاعية، أم أسلوب إنتاج آسيوي؟ ترجمة عارف دليلة (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر،1980)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا غير أوزغور أوزال سياسة حزب الشعب الجمهوري التركي؟


.. السيناتور الأميركي بيرني ساندرز: هناك أدلة على ارتكاب إسرائي




.. مدونة الأسرة والحركة النسوية


.. كلمات رشيدة حداد وعبد الله اغميمط يوسف مكوري في المهرجان الت




.. عبد الحميد أمين عضو السكريتاريا الوطنية للجبهة المغربية لدع