الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحافلة دليل قاطع على اختلاف الثقافات

دينا سليم حنحن

2014 / 10 / 5
الادب والفن


الحافلة دليل قاطع على اختلاف الثقافات
دينا سليم - بريزبن
قررت اليوم الخروج في نزهة متواضعة إلى مكان يعيدني ويذكرني بربوع الوطن، ولأني اشتقت للطعام الشرقي أيضا قررت العودة إلى بيتي نهاية المشوار مع بعض الأغراض التي أجدها فقط في السوق الشرقي، ورق عنب، برغل، عجوة تمر، قهوة مهيلة، الخ.
استقللت الحافلة واحترت باختيار مكان الجلوس، راكب واحد مسن يقرأ في كتاب ورقي يتمجلس مرتاحا في المقعد الذي خصص للمسنين، والراكبة الثانية، شابة تقرأ عن طريق الآيباد قصة أضحكتها، احتلت المقعد في مؤخرة الحافلة، امرأة في الأربعين تقلّب صفحات (ذا أستراليين نيوز)، تقرأ الأخبار وتمجلست أمامي.
هدر بنا السائق بالحافلة التي سنصل بواسطتها وسط البلد، في الطريق نزل الركاب الثلاثة وبقيت وحدي مع (قبطان) الحافلة نخترق الربوع وكأننا وسط المحيط أو داخل سفينة فضاء، صعدنا جسورا ودخلنا أنفاقا، ومررنا عن حدائق وعبرنا ضفافا، شعور جميل أن تمتلك مساحة كبيرة من العالم دون أن ينازعك فيه أحد، وعندما استقر بنا الطريق إلى مكان مألوف فتحت الكتاب وأكملت حيث أخذني (دان براون) إلى عالمه أحاول معه وصول حيث (الرمز المفقود).
وصلنا وسط البلد، حيّاني السائق وقال لي ( شكرا) وأنا بادلته التحية والابتسام وبدأت أبحث عن نمرة الحافلة الثانية التي ستقلني إلى منطقة أخرى حيث حارة شعبية تدعى (ماروكا) يقيم فيها عدد كبير من الجاليات الاثنية، ضاع رقم (100) وسط الكمّ الهائل من الأرقام التي مرت أمامي سريعا، بعد برهات قفزت أمامي فجأة نمرة الحافلة، (يوريكا)، لقد وجدتها، أسرعت إليها وإذا بالطابور طويل والحافلة امتلأت بأقصى سرعة بالآدميين، تسارع الراكبون إلى الداخل والسائق يطلب منهم بتهذيب ألا يتدافعوا ويطمئنهم بوجود حافلات أخرى كثيرة ستقلهم جميعا، وعليه يجب ترك أمكنة شاغرة للركاب المنتظرين في محطات أخرى في الطريق، فأدى به الأمر أن يتبادل بعض الحديث الجاف مع أحد الشبان.
انطلقت بنا حافلة المائة وبعد مسافة ما توقفت عند المحطة الأولى، امرأة في الثلاثين من عمرها، حامل تسحب جيشا خلفها وتجر عربة طفل، قانونيا، السائق قام بخفض جانب الحافلة حتى وصل طرف الرصيف حفاظا على سلامة الركاب، ثم ترك مقوده وأخذ الطفل من بين يدي والدته. تهذيبيا، ابتسم للطفل وأنتظر المرأة حتى أخذت مكانها، تمجلست الأم الملكة ووضع السائق الطفل بين يديها بكل رأفة وحنان، ثم عاد إلى الرصيف طوى العربة ووضعها في المكان المخصص لذلك، بعد ذلك عاد إلى المقود ليكمل بنا الطريق، قانونيا الأطفال دون السنتين يركبون بالمجان، ومن جهة أخرى على الركاب ترك المقاعد الأمامية شاغرة لعربات الأطفال والحوامل، لم يقتصر الأمر على ذلك بل وتعقدت الأمور أكثر لأن الجيش الذي سار خلف المرأة، أربعة أطفال آخرين، يجب أن يأخذوا أماكنهم أيضا.
تهذيبيا، بدأت الأم تنادي على أطفالها، ( يا حمار امسك يد أختك، يا بقرة تعالي هنا جنبي، يا بغل اجلس أمامي ولا تتحرك، يا كلب لا تهاوش واقعد ساكت)، بدأ الطفل يبكي داخل حضنها، أخرجت ثدها ولقمته إياه وتناست أمر حملها، ثم علا صراخ باقي الأطفال، السائق يطلب من الواقفين الجلوس في أماكنهم لكي يباشر رحلته بسلام والابتسامة لا تترك مفرقيه، امتلأت الحافلة وسارت بنا ثقيلة على الشارع.
أغلقت على اللغز وبدأت أجول بناظريّ بين الركاب، جميعهم يتبادلون الحديث بصوت عال، شاب واحد بدا عليه التذمر مستاء، أغلق كتابه وأطلق نظراته إلى الخارج، فمن المستحيل القراءة في هكذا ظروف، بعض النساء تبادلن الصور فيما بينهن عن طريق الموبايل وضحكن بصورة هستيرية، رائحة زفرة انتشرت في المكان، لم يكتشفوا مزيل العرق بعد، صبية تنكزني وبابتسامة ساحرة تكلمني:
- أنت التي تكتبين في صحيفة .....؟
انتشى قلبي وفرحت وأخبرته، أي قلبي، أنه يوجد أمل، فمن بين هذا الاكتظاظ يوجد من يقرأ الصحيفة، يا إلهي كم أنا سعيدة الآن، ليس لأني كاتبة بل لأني وجدت من أمة إقرأ في المغترب صبية تقرأ، طرت من الفرح وسألتها:
- هل تقرئين الصحيفة؟
- كلا أنا لا أقرأ أنا أقلّب الصور فقط!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج