الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طائر الغرنوق

محمد الذهبي

2014 / 10 / 6
الادب والفن


طائر الغرنوق
محمد الذهبي
كان ليلا طويلا بقي يقارع فيه اضغاث احلام كثيرة وكوابيس، انتصف وانقضى منه ثلثه وهو على عادته يدور، يقرع سنا بسن، وكأن اجفانه مجروحة بفعل السهر ليلة ثانية، كان يدور فيها مع مأساة سبايكر التي اذهلت الكثير من الناس، انه يوم النحر، هو يسميها بيوم النحر الكبير، فاسماعيل لم ينحر، ودفعت الخراف ثمن احلام الانبياء، في حين ان نحر طلاب سبايكر كان حقيقيا، رجع الى الوراء ، الى الجنوب ، حيث الهور، وحيث الرجال الذين يضربون الارض بارجلهم ويطلقون الصرخات استعدادا للحرب، فتهرب الطيور بعيدا ، حين تسمع اصوات الاطلاقات النارية.
هناك يجتمع ابناء العشيرة الواحدة يطلبون الثأر من عشيرة اخرى فيتحلقون حلقات، ويهزجون، فتقوم النساء بترديد ( الهلاهل)؛ بعد كل عراضة كما يسمونها، كانت تدور رحى الحرب، وتبدأ الرايات تخفق على ساريات طويلة ليعلم القاصي والداني انها الحرب، طير الغرنوق الهارب من قدره الى قدره، الجميع يضحكون من هذا الطائر الابيض الجميل ذي الرقبة الطويلة والساقين الاحمرين الطويلتين، بمجرد ان يضع رجله في ماء الهور، حتى يكون صيدا سهلا لكل من هب ودب، حين يكون مرتفعا في السماء يكون آمنا هناك، ويهبط فتكون مأساته مرتبطة به كطائر خائف، يأتي للصياد برجليه ويضع نفسه تحت خدمته، هذا الطائر يخاف من ظل رقبته، هو يهرب في البداية، لكنه يرى ظل رقبته فيقوم باصدار صوت ويتصورها يد الصياد، من ثم يستدير ويلقي بفضلاته ويتجه نحو الصياد ليكون بين يديه.
تذكر مقطعا من الشعر :
كم كنت خلف طيفها اعانق الطيور
طير يفر هاربا
طير على اوجاعه يدور
الخوف الذي ينتاب طائر الغرنوق، ينسيه ان له جناحين، يتعطلان بفعل الخوف والتوجس، ربما الخوف من الذات التي تكون في بعض الاحيان عدوا آخر، او ربما صيادا تحت خوف الطائر ذاته، لم يرد ان يمعن النظر بطائر الغرنوق ولايفتش عن احسن احواله، فالجنوب لم يكن مرتبطا باجزاء العراق الاخرى، قبل الهجرة من الريف، ولذا لم يكن طائر الغرنوق سوى طير يحلق في فضاءاته، وكانت قصة حياته تنحصر بين الهور والهور الذي يليه، وقصة خوفه هذه بقيت سرية يتداولها ابناء الاهوار ويسخرون من الطائر الجميل الذي يخاف طول رقبته، يدور على ذاته ثم يلقيها الى شباك الصيادين، وتكون الرقبة الطويلة التي اخافته هي موضع سكاكين الصيادين، وسيقانه الحمراء الطويلة والرفيعة، هي الاخرى تشترك بقصة موت هذا الطائر الجميل، فهي تتهالك بسرعة كبيرة، وتعجز عن حمل جسده الذي سيصبح وليمة لاشداق وافواه مختلفة، ربما تكون محلية، او ربما يباع بعيدا الى المحافظات الاخرى، عدت سريعا لاتذكر مأساة وقصة لم تكن جميلة، قصة منعت رقاد الكثيرين، حيث قضى 1700 طالب نحبهم بقتل بسيط ووحشي، وكلما كان القاتل متوحشا، اذعنت الضحية اكثر، ذهبوا بذكرياتهم، بقصص حبهم باجسادهم الفتية اليانعة، بالمرتبات التي كانت تملأ جيوب بعضهم والاحلام التي كانت تتسابق، ذهبوا ولم يحلقوا عاليا، ولم يمنحوا فرصة للحياة، وبقيت الاهازيج والارجل التي تضرب الارض احتجاجا تدور بدائرة واحدة لم تغادرها الى سبايكر او سواها، الرايات التي تخفق والنساء اللواتي يرتدين الاسود ، لم تكن محفزات للثورة او الانتقام، وانما كانت مراسيم توارثها البعض عن البعض الآخر.
مراسيم لتششيع جثث رمزية، صور تملأ المكان وتبحث عن سبايكر اخرى، في الصقلاوية والسجر، ليكون الخيط رفيعا بين ساقي طائر الغرنوق ورقبته الطويلة التي يخشاها، والتي تتسبب دائما في موته، انهكه التفكير والسهر، فغط بنوم عميق، رأى طائر الغرنوق الابيض محلقا في سماء ليس لها حدود، وحاول ان ينتظر هبوطه على الارض، ولكنه استيقظ على صرخات الجيران، اتوا بعلي شهيدا من الصقلاوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج