الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسماء القرى والمدن، ورُخص الباحثين!

السيد شبل

2014 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


عدم المعرفة لها مراتب كما أن لكل شيء في الدنيا مراتب، منها مرتبة "الجهل المقبول" والذي يعني عدم العلم بالشيء، و"فوق كل ذي علم عليم"، ومن ثم عدم التحدث به إلا من باب طلب المعرفة، ومنها مرتبة "الجهل المركب" وهي المعنية بالحديث، لأن أصحابها سبب للبلاء على مر الزمان، لاسهامهم في تزييف الوعي العام وتشويه الثوابت، عبر تمرير جهلهم ومعلوماتهم المغلوطة إلي محيطهم سواء أسرة صغيرة أو مجتمع قبلي أو دولة حديثة على أنها حقائق جاءت نتيجة لبحث ودراسة، فيكون لهذا أثر سيء على العموم.

وعلى رأس هؤلاء صنف من الكتاب زعموا العمل في المجال البحثي، وخدموا عن جهل أو عمد، نظامًا حكم مصر لأربعة عقود بداية من البسعينات، سعى فيها لتقزيمها وعزلها عن محيطها العربي وطمس هويتها، والاستعاضة عنها بالعدم !، فكان ما كان من أبحاث مغلوطة، تتناقلها المواقع الإليكترونية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتتعامل معها على أنها تملك إجابات قطعية على أسئلة، ربما، ترد على خاطر المتابعين لها.

وإن كانت الشبكة العنكبوتية قد أسهمت في تيسير أمر الحصول على المعلومة، فإنها أسهمت أيضًا في تسييلها وتوسيع نطاق العبث بشأنها؛ وخذ عندك القضية الرئيسية التي كانت السبب في هذه المقدمة، وهي المتعلقة ببعض "الباحثين" الذين استستهلوا مسألة نفاق الرأي العام وأغوتهم فكرة إصدار كتب، تتصدّر أسماؤهم أغلفتها، فراحوا يلوون عنق "اللغة"، ليخلصوا لنتائج تخدم أفكارهم التي بدأوا بحوثهم الوهمية وهم يؤمنون بها.

الأمر يتعلق ببعض الأبحاث المنشورة، والتي تحاول أن تَرُدَّ معظم المقاطع الأولى من أسماء القرى والمدن المنتشرة في ربوع مصر مثل (كفر، وعزبة، شَبرا) إلي اللغة المصرية القديمة، كمحاولة جانبية لنفي الارتباط بين العروبة ومصر، وإظهار العروبة كأمر طارئ لا أصل له.

وهم في ذلك يتغاضون عن ثلاثة أمور وهم:

الأول:

أن أغلب القرى والنجوع تسمّت بأسمائها حديثًا في عهد محمد علي باشا، وبالتأكيد الدولة الحديثة حينها لم تستعن بلغة غير العربية لتسمّي بها القرى والمدن، أضف إلى ذلك أن مصر يديرها حكام ينطقون العربية لمدة تزيد عن1400 عام، فهل كانوا يحكمون بلادًا لا يعرفون معاني مدنها وقراها !.

الثاني:

عدم التفريق بين اللغة القبطية والهيروغليفية القديمة، ومحاولة خلط الأوراق بشأن ذلك، بحيث يبدو كأن اللغتين وجهان لعملة واحدة، والعربية خارج اللعبة، وهو أمر غير صحيح من كل وجه

الثالث:

أن الهيروغليفية من جانب والقبطية من جانب آخر صارتا من اللغات الميتة، والكلمات يمكن تحويرها بدون ضابط، لتُنسب أي كلمة حديثة لأي أصل هيروغليفي أو قبطي قديم، خاصة وأن أغلب البحوث من هذه النوعية تكتفي بإخبارك بأن كلمة كذا تعني كذا بالقبطي.. وأوقن تمامًا أنه لو كان مثلا للمملكة السعودية تاريخًا تكلم فيه بعض أهلها لغة غير العربية، واندثرت كالقبطية مثلًا، لنسبت الدمام والجبيل وربما مكة ذاتها وأي اسم مدينة أو منطقة يستصعب على الناس فهمه فورًا للقبطية، ولظهرت الترجمات، عوضًا عن فتح المعاجم والبحث في كتب التاريخ للوصول للمعنى الحقيقي للكلمات. بالمناسبة مكة: أصلها يعود للمُكاء أي الصفير لأنها كانت عادة زوار الكعبة قبل البعثة النبوية الشريفة (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية).

وأمر هامشي رابع، ونقول هامشي لأنه غير مقطوع بثبوته علميًا، وتتضارب فيه الأقاويل، فوق ذلك فهو يوحي بأنه وحل للعنصرية، ونريد أن نسلم منه ولا نغوص فيه أكثر، وهو:

ما أثاره باحثون غربيون، وعرب معاصرون وقدامي مثل (الطبري وابن خلدون وابن الأثير) من أن لغة المصريين القدماء "الفراعنة" ذات أصول سامية، حتى أجروميتها فيما يتصل بتركيب المؤنث والجمع، ولا تختلف عن الآرامية، والأكدية، وأن أغلب الأسر الحاكمة قبل الوحدة حوالي 3200 قبل الميلاد وبعدها من العماليق الساميّين، وتمصّروا، وتزواجوا، وامتزجوا، للحد الذي انفصلوا فيه عن أصولهم، وأن سِحنهم وصورهم ومحنطاتهم بالنظر المجرد تؤكد ذلك!.

...

بالعودة إلي التدليس بشأن أسماء بعض المدن والقرى، ومنه نسب كلمات مثل "عزبة" و"كفر" و"شبرا" و"كوم" و"ميت" و"بولاق"، زورًا وافتئاتا للغة الهيروغليفية أو القبطية، وترجمتها على أنها بمعنى واحد وهو القرية أو المدنية، رغم أنه وبقليل من الجهد البحثي، نجد أن أصول هذه الكلمات عربية، وبعضها دارج على الألسنة..

فمثلًا "عِزْبة" مصدرها "عزب"، وعَزَب عن الشيء أي بعد عنه، ومنها شاب عازب أي بعد عن الزواج، من هنا جاءت "عزبة" بمعنى مكان بعيد غير مأهول بالسكان، ومنها جاءت "عِزَب" الباشاوات التي كانت أراضي مهولة يملكها إقطاعي لا يسكنها بشر.

أما عن كلمة "كفر" وهي تطلق على الأماكن الزراعية، لأن "كَفَر" كفعل في العربية تعنى ستر وغطّى، والكافر في الدين: هو الذي ستر نفسه عن رؤية الحق فأنكره، والفلاح "يَكفُرُ" البذرة، أي يضعها في الأرض ويغطيها بالتراب، ومن هنا صارت تطلق على كل القرى الزراعية كلمة كفر نفرة وكفر الشيخ وهكذا، ومن نفس الأصل العربي جاءت كلمة "كوفرته" الإنجليزية بمعنى الغطاء.

وبخصوص كلمة "شبرا" فهي تُرد لأصلها العربي كلمة "شبر" التي تستخدم للدلالة على المسافة ما بينَ أعلى الإِبهام وأَعلى الخِنصرِ، ويدور معنى الكلمة في هذه الدائرة، فيشير إلي المدن والقرى التي تم قياسها وتخطيطها ورسم طرقها، على اعتبار أن "الشبر" وحدة قياس، وربما تعني المكان الواسع لأنه يقال (هذا أَشْبَرُ من ذاك أَي أَوسَعُ)، ومن الوارد أن تكون بمعنى الخير والعطية، حيث يقول الشاعر "لم أخنه والذي أعطى الشبر"، مع ملاحظة أن الشين في الأصل مفتوحة، والدليل أن اسم "شبراوي" المنسوب إلي "شَبرا"، مفتوح الشين، وهكذا ننطقه إلي اليوم، وقد ذكر المرتضى الزبيدي أسماء لـ "72 مدينة وقرية" تحمل اسم "شَبرا" في مصر بمعجمه تاج العروس، مما يؤكد نسبة الكلمة للعربية.

بالمثل كلمة "كوم"، كوم حمادة وهكذا، فمعناها بالعربية مكان التجمع، وكانت تستخدم للدلالة على مكان تجمع قوم ما في منطقة ما وهي كلمة دراجة على الألسنة، معروفة، ومنها كوّم حجارة / قمحا / التراب /..

وبالنسبة لكلمة "ميت" بكسر الميم والتي تسبق عدد من القرى مثل "ميت غمر"، "ميت رهينة" وهكذا.. فإن أصلها يعود إلي، فعل "يُميت"، ومعنى "مِيت" أي الطريق أو المنطقة الممهّدة، لأن "يُميت" تستخدم كـ "يُعبّد"، فُيميت الشيء أي يجعله صالحًا للسير والمعيشة، ويمهده، ومنها جاءت "مِيت".

أما عن معنى كلمة بولاق، فأصلها "بُلوقَةٌ" بضمِ الباء وفتح القاف وهي: الأَرْض المسْتوِيَةُ اللَّيَنة، الَّتِي ليسَ بها شَجَرٌ، وهذا أقرب للصواب ولا شك من العبث القائل بأن أصل بولاق الدكرور هو البركة الجميلة بالقاهرة Beau lac de Caire !.

....

بقيت إشارة أخيرة إلي أن هذا الكلام لا ينفي وجود كلمات قبطية وحتى تركية وفارسية في اللغة العامية حتى اليوم، وأنه بالفعل هناك مدن وقرى تعود تسميتها للغات قديمة، وليس الحديث بهدف الحط من قدر لغات تكلم بها مصريون في أزمنة مضت، ونحن لا نملك من الأصل ذلك، ولكن الهدف بوضوح هو إلقاء الضوء على التزييف المباشر والبجاحة في الإسفاف، واستسهال تقديم أبحاث تنافق الموجة السائدة، وتم توظيفها لفترات طويلة لخدمة أهداف سياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه