الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الجهل

سعد الله خليل

2005 / 8 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


المعرفة قوة، وهي عملية تراكمية متصاعدة ومتسعة باستمرار، وهي تعني سبر غور المجهول، وفك طلاسمه، واستنطاق الأسرار، واكتشاف الجديد.
والطريق إلى المعرفة طريق طويل وصعب وشاق، فالمعرفة ليست مجرد محفوظات، أو تخزين معلومات نظرية، بل هي إضافة إلى ذلك: تأمل وتفكير، وبحث وتنقيب، وهدف يسعى إليه الإنسان، دون خوف أو وجلٍ من النتائج التي سيؤدي إليها البحث.
والدافع الأول للمعرفة يكمن في رغبة الإنسان بامتلاك القدرة التي تساعده على التكييف مع المحيط، وتسخير هذا المحيط لصالحه، ومن ثم السيطرة عليه، من خلال اكتشاف القوانين التي تتحكم فيه، وتحركه. والدافع الثاني، لأن حب المعرفة، والاكتشاف، نزعة طبيعية أصيلة لدى الإنسان، ولدت مع الكائن البشري الأول، وستستمر إلى مالا نهاية، أو لنقل لن تزول إلا بزواله.
والإنسان جزء من هذا الكون، مكمل له، ومتحد معه. وكما الكون في حالة تبدل وتغيير وتطور مستمر، كذلك الإنسان في فكره وجسده وتجمعاته، متحرك متجدد باستمرار، وباستمرار تتبدل شروط عيشه ومتطلباته، وقيمه ومفاهيمه وقوانينه.
إن ألد أعداء المعرفة يكمن في النظر إلى الفكر الإنساني، والمجتمعات البشرية، على أنها جامدة، ثابتة، لا تتحرك ولا تتبدل، ويكمن في اعتبار حقائق الماضي، حقائق كاملة مطلقة صالحة للحاضر والمستقبل، ولكل زمان ومكان، دون الإدراك أن ما كان ملائما للأمس، قد لا يكون ملائما لليوم، وما هو ملائم للحاضر، قد لا يكون مناسبا للمستقبل. فليس للحقيقة وجه واحد فقط، وأقل ما يقال في من يظن ذلك أنه غارق في جهله وعزلته، عازف عن عناء البحث والتنقيب، واكتشاف الجديد.
كثير من المفاهيم قد تغيرت، وكثير مما كان يُنظر إليه على أنه حق وعدل، قد أصبح باطلا وظلما. وما كان بمقاييس عصره خيرا، أصبح الآن شرا. لقد اندحرت جميع مقولات القمع والاضطهاد والإذلال، وحلت محلها قيم الخير والحق والعدل. ولفظت أنفاسها الأخيرة – بقوة الضمير الإنساني- قوانين العنف والإكراه والاستعلاء، وشريعة السيد والعبد، والجواري، وتجارة الرقيق. وأصبح التمييز بين الناس بسبب جنسهم أو عرقهم أو دينهم، مخالفا للقانون الإنساني المتحضر يعاقب عليها مرتكبها بأشد العقوبات.
إن للجهل والتجهيل أعمدة. أولها: التشبث بالقديم، والعيش في الماضي، وتقليد موتى القرون الوسطى وعصر الظلمات، والاقتداء بهم، باعتبارهم مثالا يُحتذى، وهذا ما جعل العرب والمسلمين، سجناء التاريخ، يفتشون عن مستقبلهم فيه.
وثانيها: الخوف والتخويف من الجديد، ومن مخالفة المفاهيم السائدة، والخروج على قوانين وعلوم السلف، وقمع رغبة الإنسان في التحقق من صحة المعلومات المتوارثة، مما يمنع ظهور أية أفكار جديدة، وبحوث جديدة، وحقائق جديدة.
إن المناخ السائد في المجتمعات العربية والإسلامية مناخ قائظ مظلم موبوء لا يساعد على نمو شجرة المعرفة والإبداع، لأنه يفتقد إلى أبسط وأهم شروط الحياة، ألا وهما ضوء الشمس، والماء. أعني الحرية، والدعم والتشجيع.
وثالث أعمدة الجهل والتجهيل يتمثل في تزوير الحقائق التاريخية والعلمية والتعتيم عليها أو إخفائها خدمة لأفكار قديمة مسبقة.
ورابع أعمدة الجهل والتجهيل يتمثل في رفض وتهميش الثقافات الأخرى، واللغات الأخرى، وتقديس ثقافة ولغة بعينها، مما يمنع تلاقح الثقافات، وتبادل المعلومات، ومما يعني ترسيخا لثقافة الجهل التي ترفض وجود جوانب وأوجه متعددة للحقيقة التي لا تكتمل صورتها إلا بتجميع أجزائها.
وخامس الأعمدة: عدم التمييز بين الحالات المختلفة، واعتبارها حالات متطابقة، إذا تشابهت عناوينها، أي السير على قاعدة (كله عند العرب صابون). وحصر الألوان في لونين (أسود، أبيض) لا ثالث لهما. وهذا ما يفسر لنا أسباب اختلاف قواعد التفكير لدى الإنسان المتخلف عن قواعد التفكير لدى الإنسان الحديث، وأسباب وصول كل منهما إلى نتائج مختلفة.
إن العلوم والمفاهيم التي لا تخدم تطور الناس وتقدمهم، أو التي لا تعلي من شأن الإنسان الفرد، وتحتقر حياته، وتشجعه على الموت، هي ثقافة البؤس واليأس، وثقافة الرضوخ للواقع، أو البحث عن واقع وهمي لا وجود له إلا في أوهام وآمال المتخلفين والمستفيدين من تلك الثقافة، أولئك الذين تحركهم أنانيتهم وحب ذواتهم، ورغبتهم في استعباد الآخر في عملية الفهم والمعرفة والبحث عن الحقيقة.
أن ثقافة تقوم على الربط بين الشجاعة والقتل، والجريمة والمجد، وتجعل من القتلة الذين لا يعرفون أسماء ضحاياهم ولا أماكن سكناهم، أبطالا خالدين، هي ثقافة الجهل والقتل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات