الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العهر الحق

صفاء سلولي

2014 / 10 / 8
الادب والفن



أكره سنّ العاشرة...والدّقيقة العاشرة...والسّاعة العاشرة...
ولا أقرأ كلّ صفحات الكتب الموسومة بالعاشرة...ولا أشاهد الحلقة العاشرة من المسلسلات التّي تابعتها...لا أطرق بابا كتب على عتبته هذا الرّقم البغيض...
الشّهر العاشر هو شهر الاعتكاف والحزن...

مازلت أذكر تلك اللّيلة النّتنة برائحة ذلك الوحش القذر الذّي ظننته مرافق رحلة المدرسة...كلّف برعايتنا وحمايتنا...فرعانا كالغنم...

لا أدري هل عرفت أصابعه الشّمعيّة طريقه المظلمة تحت فستاني فحسب...أم ذابت قذارة على نعومة الطّفولة كلّها.

الغرفة لم تكن منيرة كفاية...
النّوم أسدل ستاره على جفوني...ظننت أنّ اللّحاف قد انزاح عنّي لحركاتي الغزيرة لحظة النّوم...هممت بتعديله، فوجدت يدا مرتعشة تمنعني عن ذلك ويدا أخرى تخرس صوتي...

تبعثرت ولم أفهم الأمر...حتّى عندما ترك صوتي، لم أستطع إطلاقه للسّؤال أو النّجدة...خرس صوتي اللّعين...خانني لحظة الوحشة...شعرت بشفاه غليظة تمتصّ حياتي، بلمسات تختلف لينا وعنفا...لكنّي لم أمنعها...بل ظللت أتابعها في صمت...

فتّش في مفاصل طفولتي كما شاء واشتهى...سمعت أنفاسه المتقطّعة الحارّة وقد قطعها السّعال عدّة مرّات...
أخذ يدي ووضعها فوق شيئه...يدي بقيت جامدة خرساء مثل صوتي...وتابع هو رحلة البحث...كان صاديا لكنّه أضاع شيئا من مائه فوقي...

نهض من فوقي...فأحسست بكونه كان ثقيلا ثقل الرّقم العاشر...

حينها حاولت أن ألمس وجهه لأعرف من هو الرّجل الأسود سواد تلك اللّيلة العاشرة...عرفته من خلال بثور وجهه الكثيرة...لم يتكلّم ولم يمنعني...

لعلّه عدّل هيئته قبل أن يغادرني...لم أكترث للأمر...عدّلت اللّحاف ونمت مجدّدا...
رأيته صباحا والتقت أعيننا دون كلام...

غادرت ذلك الرّقم ولم أفصح عنه لأحد...لكنّي كرهت جسدي...فكلّما كبر ونضج وصرخ أنوثة، كلّما حاولت إخفاءه من الأصابع الشّمعيّة...


سافرت ودرست وعملت...ولم يبتعد عنّي ذلك الرّقم بل ظلّ ينتفخ ويرهق خيالي...
هو الذّي جعلني أكره الزّواج...فقد كان متزوّجا وله ابن يدرس معي في الفصل نفسه...

قيل لي إنّ الزّواج استقرار وحفظ للأخلاق وابتعاد عن المعصية..ألم يكن صاحب الأصابع الشّمعيّة متزوّجا لماذا لم يجد حرجا في فتح أبواب لم يحن وقت فتحها بعد؟؟

في لحظة تقاطعت فيها كلّ الأرقام إلا ذلك الرّقم...وقفت عارية أمام المرآة...تابعت تضاريس جمالي...ورأيت في هذا الجسد دواء لعلّة لطالما تعلّقت به، ولم تشأ أن تغادره...هذا الجسد هو لي، ملكي أنا...أفعل به ما أشاء وأمنح لمن أشاء...

حينها بدأت أقتحم عالم الرّجل بعين أخرى...بعيدة عن بلدي وعن قذارة الشّوارع، حيث النّاس والقطط متشابهين فجميعهم يأكل من المزابل.

كان كلّ رجل أعرفه...لا يكتفي باحتساء القهوة أو شرب كأس علّها تثقل الرّأس المائل...بل يطلب كمالا وإبداعا بعيدا عن رتابة الدّنيا...

كان رجالي يتجرّدون من زيف النّهار...في لحظة صدق محضة...فهم يعرفون أنّهم في أمان معي وأنّ الأسرار والثّرثرات الكثيرة لن تفوت عتبة منزلي.
يستطيعون قول كلّ شيء دون حرج...حتّى ما يقال إنّه كلام بذيء، رغم أنّ كلّ النّاس يقولونه، كان يقال بصوت مرتفع...

الرّجال لا يبكون؟ من قال ذلك؟
فرجالي بكوا على صدري مرّات ومرّات...رجالي ضحكوا وتذكّروا حماقاتهم...رجالي حلموا وعبّرت لهم مناماتهم...رجالي حكوا لي عن مغامراتهم وعن رائحة جثث نسائهم وعن بؤس النّهار وشوكه...

وفي الأخير يقولون عنّي عاهرة تبيع جسدها...ههههه
عاهرة لأنّي مزّقت الأجساد الميتة التّي دخلت أفضيتي وخلقتها من جديد؟
عاهرة لأنّي أرحت رجالكم من قذارة خيالكم العقيم؟
عاهرة لأنّي أخذت بعض الأموال وبعض الهدايا؟
أ لا يأخذ الطّبيب ثمن فحصه للمريض؟ أ لا تكشفون أجسادكم أمامه ليعرف الدّاء وتعطونه أجر ذلك؟

كلّ رجالي كشفوا لي عن صدورهم وأنا عرفت الدّاء ومنحتهم الدّواء...وكنت مؤتمنة على أسرارهم مثل الطّبيب...فلماذا لا يوسم الطبيب بالعهر؟

العهر الحقّ هو عهر الرّقم العاشر...العهر الحق هو عهر الأصابع الشّمعيّة...
في أفضيتي...يوجد النّور والرّقص والبكاء والصّراخ...ولا يوجد الظّلام والصّمت والبثور الكثيرة والسّعال اللّئيم...

إن كان العهر في عرفكم...هو التجرّد من نواميسكم البائسة فأنا عاهرة.
العهر فيكم وفي أذهانكم...وفي صمتكم وأقنعتكم...
أنا لا أخشى النّهار ولا اللّيل...أمّا أنتم فتخشون النّهار وترتمون في أحضان اللّيل خائفين أيضا...
فمن منّا أقرب إلى العهر يا معشر العاشرة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس ولقاءات من مهرجان الموسيقى العربية في يومه الثاني


.. رسالة اليوم الثاني من مهرجان الموسيقى العربية




.. أبطال وفنانين وفنانات الحرانية.. في #معكم_منى_الشاذلي ?? #مع


.. بعض الأعمال الفنية للراحل رمسيس ويصا واصف #معكم_منى_الشاذلي




.. كلها من الطبيعة.. يا ترى فناني الحرانية بيجيبوا الألوان منين