الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يعرف العرب معنى النصر ومعنى الهزيمة ؟

أحمد عصيد

2014 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


عندما انهزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية اضطرت إلى التوقيع على وثيقة الاستسلام والاعتراف بهزيمتها أمام الولايات المتحدة، وقررت القطع مع ماضيها السيئ المليء بالمذابح والعنف الوحشي ضد جيرانها، والانكباب على إعادة بناء اليابان الحديثة الناهضة مثل المعجزة من بين أطلال الحرب وخرائبها. بعد بضعة عقود أصبحت اليابان قوة اقتصادية هائلة منافسة للولايات المتحدة في العلوم والتكنولوجيا، ولم تعد أبدا إلى المغامرات الحربية والأوهام الأمبراطوية العتيقة .
نفس الشيء حدث لألمانيا، فبعد هزيمتها وخراب بلدها خرابا تاما بسبب الأوهام التوسعية النازية، قررت أيضا إحداث قطيعة حاسمة ونهائية مع ماضيها السيئ، والاتجاه نحو بناء الذات بناء على إرادة الشعب الألماني القوية، وعلى العقل العلمي الجبار الذي استطاع تحقيق ما أصبح معروفا في التاريخ بـ"المعجزة الألمانية"، وها هي ألمانيا اليوم تحتل الرتبة الأولى في الاتحاد الأوروبي بقوة إنتاجية تصل إلى 35 في المائة.
الملاحظ في الحالتين معا أن المنهزمين اعتمدا أسس نجاح الأقوى الذي انهزموا أمامه، ودخلوا في منافسة معه في مجال قوته التي تعتمد مرتكزين اثنين: القوة الصناعية العلمية والتكنولوجية، والنظام الديمقراطي المبني على حقوق الإنسان. ولم يعد الألمان واليابانيون إلى الماضي للاستنجاد بالأجداد أو التذكير بالأبطال القوميين القدامى والسابقين، كما لم يلجئوا إلى الكنائس أو الأديرة أو المعابد البوذية لمطالبة السماء بالتدخل لصالحهم والانتقام لهم من العدو، أو زلزلة الأرض من تحت أقدامه أو ترميل نسائه وتيتيم أطفاله وجعل أمواله غنائم لهم، ولم يقرروا النبش في كتبهم الدينية القديمة عن النظريات العلمية التي اهتدى إليها الغرب بمهاراته وأبحاثه حتى لا يعترفوا له بالقوة والتفوق، ولم يقرروا بشكل انتحاري المغامرة بخوض حرب عصابات طويلة المدى ضد العدو حاملين وهما مزمنا بإمكان تركيعه و"مسح العار" والبرهنة على أنهم "الوارثون" وأن العاقبة لهم في النهاية وأن العدو خلق ليخضع لهم ويُسخر في خدمتهم، أي أن البلدين العظيمين لم يتبنيا فلسفة "ولو طارت معزة !".
في البلدان العربية الإسلامية، التي تسمى كذلك لأن "العقل العربي الإسلامي" هو الذي يتولى فيها القيادة والتدبير والتسيير (ولهذا يفرض لغته وحدها وثقافته وحدها وتاريخه وتراثه وحدهما )، في هذه البلدان للهزيمة معنى مغاير، كما للنصر كذلك معنى آخر.
فالهزيمة هي أن يكتسب العرب المسلمون ثقافة العلم والتنوير والصناعة وحقوق الإنسان وفصل السلط ودولة المؤسسات، لأن هذا "تقليد للعدو" الذي هزمهم في معارك سابقة، فخلافا لليابان وألمانيا فكل ما يعدّ من أسباب قوة العدو ينبغي تجنبه لأنه هزيمة مضاعفة و"ركوع وخنوع واستسلام".
والنصر هو أن يبقى العرب على حالهم من التخلف وأن يعيشوا بين الخرائب ولا يجدون معبرا إلى العصر، أن يعيشوا كما عاش أجدادهم تماما سواء في نسق الدولة أو في التقاليد والعادات الاجتماعية أو في أسلوب تدبير شؤون الحكم، أو في الاقتتال الهمجي الذي يعود إلى ما قبل الحضارة، فـ"القيم الأصيلة العريقة" تتضمن كل شيء، وفيها الملاذ والمنقذ والعلاج لكل الأدواء. والحداثة والحرية صناعة غربية، والغرب منحلّ وقبيح، ويمثل الشرّ لأنه يرعى مصالحه المادية، والعرب المسلمون هم الأخيار المعصومون، أنبياء العصر وأطهاره، لا مصالح لهم في أي مكان، ولم يسبق أن هاجموا غيرهم واستعبدوه أيام قوتهم العسكرية، وكانوا يعيشون قبل مجيء الغرب في بحبوحة العيش الرغيد والنعمة السابغة، حتى ملوا من المساواة والعدل والحرية، وتعبوا من الاستقرار والرخاء، ولهذا ليس للغرب أي شيء يقدمه لهم، بينما هم حملة رسالة خالدة إلى كل أمم الأرض، هذه الأمم التي إن كانت لا تأخذ ما بين يديّ العرب من حكمة، فذلك يعود إلى أنانيتها وجهالتها وعجرفتها وسوء نيتها فقط.
ومن خصائص العقل العربي الإسلامي أنه لا يرضى بالهزيمة ولا يتقبلها حتى ولو صارت أمرا بديهيا وواقعا ملموسا لا يرقى إليه شك، حيث يصرّ المهزومون على القول "انتصرنا" في كل مرة، ويخرج قادتهم من تحت الأنفاق التي اختبئوا فيها ليهللوا ويكبروا ويهتفوا بالنصر، فـ"النصر" هو أن يبقوا أحياء، وأن يموت نصفهم فقط من البسطاء والنساء والأطفال، وأن يخرب البلد عن آخره ويعاد إلى العصر الحجري.
قد يحتاج العقل العربي الإسلامي إلى وقت طويل ليدرك معنى النصر ومعنى الهزيمة، ولكن من المؤكد أنه لكي يحقق ذلك لا بدّ له من تغيير أسلوبه في التفكير، وتطليق الكثير من عاداته وقناعاته القديمة، التي لم تعد بمعايير عصرنا إلا فقاعات بلاغية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا أمل
أنيس عموري ( 2014 / 10 / 8 - 08:46 )
فلنُسَمِّ الأشياء بمسمياتها. ماذا ننتظر من عقل يصدق أن التاريخ توقف قبل أربعة عشر قرنا؟ وأن ما جاء به السلف الصالح هو قمة الأخلاق وقمة الإنسانية وقمة الحلول لكل المشاكل. حتى رواد (نهضتنا) كانوا يقولون (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)، وما زال رجال الدين يرددون بدون كلل ولا ملل (تركت فيكم أمرين لن تضلوا أبدا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة نبيه) ). بل حتى نخبنا اليوم يتصرفون بهذا المنطق. نقرأ لأحدهم وهو يتحدث عن المرأة
http://www.alquds.co.uk/?p=231519
((هو مش من وظائف الزوجة لا مؤاخذة إني لما أرمي البنطلون تشيله، لما أرمي البشكير تلقفه، لما أسيب الطبق تغسله، أمال أنا بتجوز ليه؟، المساواة والبتاع كل ده كلام فارغ، دي المفروض تلبسني قبل ما أنام وتغطيني وأنا بردان وتشغلي التكييف وأنا حران، ومتنمش غير لما أنام، أمال هي جاية تعمل إيه؟، أنا متعلمتش الكلام ده كله علشان بعد ما اكل أشيل الطبق)). وهذا كلام لا يختلف عن قول نبيه قبل 14 قرن (حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها، أو انتثر منخراه صديداً أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه.)
تحياتي


2 - عظيم
السودانى الحائر ( 2014 / 10 / 8 - 09:30 )
كم انت عملاق يا احمد عصيد اتمنى لك دوما موفور الصحه والعافيه


3 - النصح لمن لا ينتصح
الشهيد كسيلة ( 2014 / 10 / 8 - 19:19 )
سيد عصيد
تحية تقدير لما تقوم به من تنوير وتوعية ... لكن
أو تظنّ أن من توجه لهم النصح وتهدي لهم عصارة فكرك باخلاص ينتصحون
نحن الأمازيغ ومثلنا الاقباط والدكورد وكل الشعوب الأصلية التي أصبحت أقليات في بلدانها ... نحن من يوجه النصح لمستعمره الألفي ... لهذا الاسيتعمار الذي عشش عندنا قرونا ولا يزال وها قد انقضت الالفية الاولى وهو يستجمع قواه البترولية والفقهية والكهنوتية ليؤسس لألفية أخرى
قالها المسيح لا ترموا درركم للخنازير ... ونحن نرمي عصارة أمخاخنا وهي أغلى من الدر والياقوت والمرجان إلى هؤلاء الذين جاءونا بالسيوف التي نراهم يرقصون بها في فضائياتهم اليوم وها هم يزرعون حروبا اهلية داعشية في كل بلداننا وهي نسخة من حروبهم التي يسمونها فتوحات ولا يزالون يلعنون اسلافنا ويترضون على سفاحيهم من على منابر مساجدنا
أخرى أن توجه نصائحك إلينا ... إلى الأمازيغ ... نريد خارطة طريق لازاحة الاستعمار الالفي من بلداننا ... في الأخير لك تحياتي


4 - النصح لمن لا ينتصح
الشهيد كسيلة ( 2014 / 10 / 8 - 19:20 )
سيد عصيد
تحية تقدير لما تقوم به من تنوير وتوعية ... لكن
أو تظنّ أن من توجه لهم النصح وتهدي لهم عصارة فكرك باخلاص ينتصحون
نحن الأمازيغ ومثلنا الاقباط والكورد وكل الشعوب الأصلية التي أصبحت أقليات في بلدانها ... نحن من يوجه النصح لمستعمره الألفي ... لهذا الاسيتعمار الذي عشش عندنا قرونا ولا يزال وها قد انقضت الالفية الاولى وهو يستجمع قواه البترولية والفقهية والكهنوتية ليؤسس لألفية أخرى
قالها المسيح لا ترموا درركم للخنازير ... ونحن نرمي عصارة أمخاخنا وهي أغلى من الدر والياقوت والمرجان إلى هؤلاء الذين جاءونا بالسيوف التي نراهم يرقصون بها في فضائياتهم اليوم وها هم يزرعون حروبا اهلية داعشية في كل بلداننا وهي نسخة من حروبهم التي يسمونها فتوحات ولا يزالون يلعنون اسلافنا ويترضون على سفاحيهم من على منابر مساجدنا
أخرى أن توجه نصائحك إلينا ... إلى الأمازيغ ... نريد خارطة طريق لازاحة الاستعمار الالفي من بلداننا ... في الأخير لك تحياتي

اخر الافلام

.. ضيوف الحج يتوافدون إلى مشعر منى لأداء شعيرة رمي الجمرات


.. إيران ترد على بيان مجموعة السبع بشأن البرنامج النووي




.. في ظل الحرب على غزة.. آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة عيد الأضحى


.. كلمة لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في أول أيا




.. كلمة لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في أول أيا