الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي تقسيم جهوي لأي أفق ؟

عبد الإله بسكمار

2014 / 10 / 8
الادارة و الاقتصاد


...وأخيرا نطق البلبل وخرج التقسيم الإداري الجهوي الجديد إلى العلن بعدما مرمن مطابخ الداخلية واللجنة البرلمانية والإدارة الترابية ليرسو في الأخير على ما سمي باللجنة الاستشارية لإعداد التقرير حول الجهوية الموسعة ، وهذا التقرير كما لا يخفى هو موجه للجهات العليا التي سترى فيه رأيها ، مما يجعل السؤال ملحا حول طريقة التمرير ومنهجية المصادقة النهائية عليه لا سيما فى غياب نقاش موضوعي أو حتى رأي واضح ل" ممثلي الأمة " أي البرلمان ، وبغض النظر عما إذا كان التنزيل المفاجئ لهذا التقسيم يتغيا أهدافا أمنية أو سياسية أو انتخابية ، وبعده أو قربه من التركيز واللاتمركز( مسألة الآمر بالصرف وصلاحيات رئيس مجلس وأعضاء الجهات ) ومع تقديرنا للعديد من الفعاليات الثقافية والاقتصادية والقانونية التي ضمتها اللجنة ، فإن هناك جملة ملاحظات من حقنا كمهتمين وكمواطنين في هذا البلد أن ندلي بها ، لعل الإخراج الأخير أن يأخذها بعين الاعتبار بعد التجارب الجهوية المتعثرة إن لم نقل الفاشلة التي سجلت حول حصيلة ونتائج العمل بالتقسيم السابق ، وكما يقال ما لا يدرك كله لا يترك جله ، وكل هذا في أفق تقسيم جهوي موسع يخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كل الأقاليم والجهات وخاصة تلك التي حرمت من حقها في هذه التنمية لمدة عقود طويلة مما جعل البلاد ككل تسير بسرعتين متفاوتتين عبر توزيع غير متكافئ لثمار الثروة والتنمية و تبعا لعوامل متعددة ذاتية وموضوعية :
- لم تحقق التجربة السابقة التكامل المنشود بين الأقاليم في إطار الجهة الواحدة وأفضل مثال على ذلك : جهة تازة الحسيمة تاونات إذ كان التفكك والضعف العام السمة الأساس في سيرورة العمل الجهوي فلا إقليم تازة استفاد من موارد إقليم الحسيمة ولا هذا الأخير وجد امتداده الريفي الطبيعي والثقافي وحتى اللغوي في إقليمي تاونات وتازة ، بل كان الاهتمام الكبير الموجه لإقليم الحسيمة ( خاصة بعد زلزال 2003 ) على حساب الإقليمين الآخرين ، في كل المجالات .
- رغم مؤهلات الأقاليم الثلاث في الميدانين الفلاحي البوري والسياحي الداخلي أساسا ( شواطئ الحسيمة – الغطاء الغابوي والمواقع الطبيعية بإقليمي تازة وتاونات – الإرث التاريخي والحضاري والرمزي لمدينتي وإقليمي تازة وتاونات – الخط السككي / الطريق السيار / ميناء ومطار الحسيمة - ...) فإن الجهة لم تحقق الانسجام والقدرة الاستيعابية والتكافؤ في فرص التنمية ويضاف إلى ذلك استمرار عوامل العزلة وإخفاق النخب المحلية التي لا يمتلك جلها الإحساس بالانتماء ليس فقط تجاه الجهة ولكن حتى تجاه أقاليمها أيضا ، مما يطرح إشكالا حقيقيا إسمه " أزمة النخب " وخاصة الاقتصادية والسياسية والثقافية ...إذ سرعان ما تبخر الهدف الأساس لتقسيم 1996 والمتمثل في " تكوين مجموعة منسجمة ومندمجة ..."
- إن اختلال التوازن بين ساكنة الجهة و ضعف الموارد جعل الاقتصاد غير المنظم يهيمن تدريجيا على أغلب مدن ومراكز الجهة ( ظاهرة الفراشة والباعة المتجولين كبديل مؤقت عن الأجوبة التقليدية كالهجرة الموسمية والصناعة التقليدية ثم الانخراط في الجندية ) مع غياب المشاريع الكبرى المستقطبة للاستثمارات ، والجهود التنموية المختلفة ،وفي غياب قطب حضري قوي باستثناء مدينة تازة ذات العمق التاريخي المرتبط بممرها الاستراتيجي ....
- إلحاق إقليم جرسيف الفتي بالجهة الشرقية أراه قرارا صائبا على وجه لعموم ، فيما تم إلحاق إقليم تازة بكل من فاس ومكناس : القطبين الحضريين الكبيرين ( وبمجموع تسعة أقاليم ) مما سيعطي للجهة الجديدة إمكانيات كبيرة ودفعة قوية ، بشرط مراعاة عوامل التكامل تلك وضمن إطارمن التضامن والتخفيف من ثقل ذينك القطبين الكبيرين لفائدة الأقطاب الأخرى الصاعدة سكانيا ومجاليا ( تازة – صفرو – بولمان – إيفران – تاونات...)..وهذا في صالح القطبين نفسيهما ( أي تخفيف الضغط على المراكز الكبرى ونقل المشاريع في حدود ما هو ممكن إلى المراكز المتوسطة والصغرى وهو ما يصب في صلب التنمية المتوازنة المستدامة )...
- تم حرمان جهة فاس مكناس من واجهة بحرية بعد أن تميزت بها الجهة الوسطى الشمالية ( كانت تضم أقاليم فاس – تازة والحسيمة ) لفائدة تحقيق ما يمكن من الانسجام المجالي والجغرافي والثقافي فيما يبدو، والمعروف أن تازة مثلا وإن تميزت بخصوصيات مجالية وتاريخية وبشرية فهي أكثر ارتباطا بمجال مدينة فاس العاصمة العلمية للمملكة على أكثر من صعيد ، ويبدو ذلك من خلال الضرر البليغ الذي لحقها جراء التقسيم الجهوي السابق ، ويعد حوض إيناون امتدادا مجاليا طبيعيا لحوض سبو وذلك إلى حدود واد مسون شرق تازة ، فيما تشهد التضاريس تنوعا وتعقدا في الحوض المذكورخلافا لسهل سايس الفاصل بين العاصمتين العلمية والإسماعيلية .
- التوازن المجالي ضمن إطار التنمية المندمجة ضروري لا محالة حتى لا تستنسخ نفس التجارب السابقة خاصة في الميادين الحيوية كالتعليم الجامعي ومؤسسات تكوين الأطر والمؤسسات الإدارية والاقتصادية والبنكية وحتى تأخذ كل المناطق نصيبها من التنمية وليس فقط الأقاليم والعمالات والمراكز الكبرى وضمن ما يمكن تسميته ب " التنمية عن قرب " وبهذا تساهم كل المراكز أيضا في تنمية المجال الرمزي والرأسمال غير المادي وليس القطبان الحضريان الكبيران فقط ( تثمين التراث المحلي من عادات وتقاليد ورقصات وأهازيج وإعداد تاريخ شامل للمنطقة بكل خصوصياتها المتنوعة والغنية ... بمواقعها الثقافية والعلمية ومتاحفها ومحطاتها التاريخية والطبيعية ...إلخ وإدماجها كمكون عضوي من تاريخ المغرب القديم والحديث )...هذه بعض الملاحظات التي يمكن أن تغني النقاش حول الجهوية بالمغرب عبر نموذج واحد من بين 12 نموذجا يقترحها تقرير هذه اللجنة ....وفي الأخيرلا يمكن أن نستعين باليد اليمنى على الأذن اليسرى ، إذ في غياب نخب محلية مواطنة يصبح من باب العبث وإهدار المال العام تنزيل تقسيم جهوي جديد حتى ولوتم طبعه بخاتم سليمان والتلويح به من عصا موسى عليه السلام ....
• كاتب / باحث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر العربية: احتراق أكبر بئر لإنتاج النفط في حقل زرقة شرقي


.. نشرة الرابعة | -النقد الدولي-: هجمات الحوثيين تسببت في انخفا




.. المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض: ما الإنجازات التي حققته


.. انخفاض طفيف في عيار 21.. سعر الذهب اليوم الإثنين 06 مايو 202




.. صباح العربية | حمام الذهب في تونس.. أسرار غامضة وحكايات مرعب