الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرواية .. تُكمل التعلم

رحال لحسيني
كاتب

2014 / 10 / 8
الادب والفن


الرواية .. تُكمل التعلم *

تلقت الروائية المغربية الزهرة رميج رسالة هاتفية من إحدى قارئاتها تبدي فيها إعجابها بطريقة الكتابة الروائية لدى الأستاذة رميج وتعتبرها بدون ألغاز، غير أن ما يشبه ” اللغز ” الحقيقي المحيط بهذه الرسالة هو المستوى التعليمي لصاحبتها حينما تحدثَتْ إليها، فاكتشفت أن القارئة الشابة البالغة من العمر 18 سنة لايتجاوز مستواها الدراسي السادسة ابتدائي، مما جعل هذه الرسالة تحظى باهتمام استثنائي، وتستحق التداول لأنها أعادت فتح باب الآسئلة حول الدور الذي يمكن أن تقوم به الرواية حاليا خصوصا بالنسبة للأجيال الصاعدة ؟

فبعدما ظلت الرواية تقوم بتوحيد وتكثيف الوعي الجماعي وتساهم في صناعة وتطوير وتحفيز المثقفين والمناضلين أكثر من الكتب النظرية (المرجعية) ذاتها، لأنها استطاعت أن تنقل النظرية والمعرفة والصراع والتجربة الإنسانية العميقة بشكل غير مباشر.. وتوصلها بشكل سلس وتراكمي .. مما ساهم في صناعة وتقوية وجدان المقبلين عليها؛

كما أنها ظلت ولاتزال بمثابة حصص للتكوين المستمر في الحياة، والحياة ذاتها لأن ” الحياة الحقيقية توجد في الكتب.. ” – كما قال رجل في طنجة لمحمد شكري- وأنها إحدى المدارس الحقيقية لإكتمال تعلم الأجيال وصناعة مثقفيها بمن فيهم روائيين ومثقفين ” لم يكملوا تعليمهم !”.. وكذلك لأن التعليم الرسمي لم يوجه بشكل عام لصناعة المثقفين، لأساب ليس المجال للخوض فيها هنا؛

هل يمكن تجاوز الدور المهم الذي لعبته روايات حنا مينة، محمد شكري، عبد الرحمان منيف، صنع الله ابراهيم،…. مكسيم جوركي، ليو تولستوي، غابرييل غارسيا ماركيز… والآخرون، الآخرون وباقي مجالات الإبداع والفنون: الشعر، التشكيل، الكاريتاتير، المسرح والسينما… في صناعة المثقفين والمبدعين….

لقد أصبح الإهتمام بالرواية والتعريف بها وبدورها أقل مما سبق، مما نتج وينتج عنه عدم استفادة أوسع المستهدفين المفترضين بالرواية من مخزونها الثقافي والمعرفي العميق.

الروائية الكبيرة فعلا الزهرة رميج أثارت الإنتباه مجددا.. بتعميمها نص هذه الرسالة والحوار الذي تم بينها وبين قارئتها، لهذه القضية، لأن ” الرواية …تكمل التعلم ” فعلا.


----------------------------------------------------------------
- نص الرسالة والمكالمة كما قامت بتعميمهما الروائية الزهرة رميج
----------------------------------------------------------------

هذ االمساء… رن هاتف مجهول رنة واحدة، وتوقف… عادي… يحدث هذا غالبا… أحدهم ( أو إحداهن ) اتصل بالرقم خطأ، وتدارك الأمر بسرعة. لا داعي إذن، للاهتمام! …

تمر الدقائق … يرن الهاتف، ولكن ليعلن هذه المرة، عن وصول رسالة.

أفتح الرسالة، وأقرأ:
” الأستاذة والكاتبة الكبيرة الزهرة رميح، كنت أنوي مكالمتك لكني خشيت إزعاجك. أنا فتاة في الثامنة عشرة من عمري. لم أكن أحب المطالعة كثيرا، لكن بفضلك أصبحت المطالعة من أفصل هواياتي… أعجبتني طريقتك في الكتابة. تروين بوضوح وبدون ألغاز، يستطيع القارئ فهم الرواية بسهولة. أول رواية قرأتها هي عزوزة. لن تتصوري كم أعجبتني. قرأتها عدة مرات. وكلما قرأتها أشعر بالرغبة في إعادة قراءتها. وأعجبتني أيضا رواية الغول الذي يلتهم نفسه والمجموعة القصصية “أريج الليل”. لا يمكنني التعبير عن مدى أعجابي. أنت زهرة الكتابة، يا زهرة ”.
azoza
اعترتني فرحة طفولية. قلت غالبا تكون هذه الفتاة تلميذة في الباكلوريا. علي أن أشكرها وأشجعها. ضغطت على الرقم المجهول، فجاءني صوت عذب، تلعثمت من شدة الخجل… أو الفرح كما قالت… منذ مدة، وهي ترغب في مكالمتي، لكنها لم تتجرأ… اسمها بشرى. سألتها:

- كيف توصلت إلى عزوزة؟
- أخي من نصحني بقراءتها…
- أين تدرسين، يا بشرى؟
- أنا منقطعة عن الدراسة
- لماذا؟ قلت مصدومة.
- لأننا نسكن بالبادية، والمركز بعيد عنا، ولا توجد مواصلات… كما أني لم أحصل على منحة لمتابعة دراستي في الداخلية.
- وما هو مستواك الدراسي؟
- القسم السادس ابتدائي.
- يا إلهي! قلت وقد أحسست بغصة في حلقي.
- في أي بادية تسكنين؟
- بادية آسفي…

أحسست من نبرة صوتها بالحرج الذي تسببت لها فيه أسئلتي المتلاحقة…. فغيرت الموضوع:
- ما قرأته في عزوزة من عادات وتقاليد، هل يوجد في باديتكم؟
- لم تعد موجودة كلها… قليل منها فقط.

أردت أن أنهي المكالمة، لكني وجدت نفسي ترغب في طرح سؤال ألح علي:
- هل كنت تحبين الدراسة؟
- نعم.
- ألا يمكنك الآن متابعة الدراسة بشكل حر؟
- لا. لا… فات الأوان!

ودعتها وفي القلب حرقة على هذه الفتاة التي حرمت من التعليم بسبب بعد المساقة وغياب المواصلات…
ودعتها وكلي أسف على واقع البادية المغربية الذي لم يغيره نصف قرن من الزمن مر على الاستقلال، وعلى سياسة التعليم التي لا تضمن لسكان هذه البادية نفس حظوظ سكان المدينة.

ملحوظة: نقلت الرسالة الهاتفية كما هي حفاظا على الأمانة، ولم أحذف عبارة “ الكاتبة الكبيرة ” رغم عدم حبي لهذه الصفة.


----------------------------------------------

* تم إعداد هذا الموضوع لموقع ” موازين بريس ”








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكايتي على العربية | ألمانية تعزف العود وتغني لأم كلثوم وفير


.. نشرة الرابعة | ترقب لتشكيل الحكومة في الكويت.. وفنان العرب ي




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيب: أول قصيدة غنتها أم كل


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: أول من أطلق إسم سوما




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: أغنية ياليلة العيد ال