الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة الشاهنشاه بعباءة وليّ الفقيه

أمجد آل فخري

2014 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


في اللحظات التاريخيّة المهمّة في حياة الشعوب، أو المنعطفات المفصليّة في تنفيذ استراتيجيّات القوى العظمى، لابدّ من النظر في الماضي المؤسّس للتحوّلات الراهنة، لأنها مرتكزات مستقبل تُبنى عليها صورة هذه المنطقة أو تلك من العالم. فأمريكا كانت تعتمد في تنفيذ سياساتها في منطقة الشرق الأوسط على عدم التدخّل السياسيّ المباشر غالباً، وعلى عدم التدخّل العسكريّ بأيّ شكل من الأشكال، تاركة المجال لأنظمة الحكم التي عملت على تصنيعها، أو أدوات أخرى هي في منظومة الخيارات أو الرهانات في حال التّعثّر أو الفشل أو استهلاك هذا الخيار أو ذاك
لسبب أو آخر.
ولو عدنا إلى ستّينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، لوجدنا هذه الفرضيّة ـ الواقع واضحة، تكاد تشير إلى نفسها، لا بصفاتها إنّما بتجلّياتها الكثيرة التي لا يمكن إنكارها أو حجْبها. لقد كانت إيران الشاه أهمّ أدوات الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة في ضبط أوضاع منطقة الخليج العربيّ، وهي الأكثر حساسيّة في العالم، كونها خزّان النفط والغاز اللذان يعتمد عليهما الاقتصاد العالميّ، وكذلك آسيا الوسطى لأنّها، بالإضافة إلى كونها خليط قوميّ ودينيّ، منجم موعود للمعادن والوقود، ولا يمكن إدارة الصراعات فيها دون سطوة إيرانيّة مسلّم بها في المنطقةـ تاريخيّاً على الأقل ـ من باكستان وأفغانستان إلى الجمهوريّات الجنوبيّة للاتحاد السوفياتي "سابقاً"، فهي شرطيّ الخليج والعصا الغليظة في تنفيذ سياسات أمريكا.
ومن هنا كان بروز الدور الإقليميّ لإيران، والذي توقّف تصاعده أو استمراره مع ثورة الخمينيّ والحرب العراقيّة الإيرانيّة. أمّا الأداة الأخرى فهي الكيان الصهيونيّ الذي تمحورت السياسة الأمريكيّة في المنطقة حول حمايته من جهة، وتفعيله لخدمة أجنداتها في إدارة الصراعات في الجهة المقابلة لخليج النفط، حيث البحرَين ـ المتوسّط والأحمر ـ وقناة السويس وتركيا وبعد ذلك إفريقيا. فكانت سياسة التحالفات والمعاهدات والمحاور والاتّفاقات والقواعد العسكريّة، وحتى الحروب المحدودة، تصبُّ في إطار إحكام السيطرة على المنطقة ومقدّراتها في ظلّ حرب باردة ضروس بين قطبين يتقاسمان النفوذ في العالم، اعتماداً على أنظمة استبداديّة شموليّة أسقطت شعوبها من أجنداتها، وعملت صاغرة وكيلةً لمصالح غير مصالح وتطلُّعات مكوّناتها وبناها الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، تقتات إرثاً حضاريّاً ـ ودينيّاً ـ قاعه العشيرة وقمّته الروح القوميّة، مستبعدة ـ عن قصد ـ ضرورة النهوض، ووضع رؤى استراتيجيّة تقف في وجه الانهيارات المتلاحقة والتآكل المستمرّ في الهويّة الوطنيّة والقوميّة.
وبفعل هذه المتغيّرات في المنطقة، وتهديد الداخل الأمريكيّ بوصول نار " القاعدة " إلى نيويورك، كان لابدّ من التدخّل المباشر لتنفيذ السياسة الأمريكيّة، لتحقيق الاستقرار الذي يؤمّن حماية النفط ويضمن طرق تدفّقه، وكذلك يوفّر الأمن والطّمأنينة لإسرائيل. وكان ما يسمّى " الحرب على الإرهاب " في أفغانستان " القاعدة "، ثمّ في العراق الذي هدأت جبهات حربه مع إيران ليُدفع لاحتلال الكويت، الأمر الذي أدّى إلى تفعيل عسكر أمريكا من أفغانستان إلى العراق إلى ليبيا... وإنشاء قيادة عمليّات في إفريقيا، ونشر الأساطيل والقواعد العسكريّة في كلّ مكان يمكن أن يكون ساحة حرب قادمة، أو اضطرابات تعرقل مسيرة تنفيذ الإستراتيجيّة الأمريكيّة.
لهذا كلّه كانت إيران مرتكزاً لا غنى عنه للسياسة الأمريكيّة، مثلما هي الحال بالنسبة لإسرائيل, وخاصّة بعد المتغيّرات الكثيرة التي راحت تعصف بالمنطقة. لقد بدأت الشعوب بالنهوض فيما سمّي الربيع العربيّ, واضطرّت أمريكا ـ مراعاة لمصالحها، لا حبّاً بربيع العرب ـ أن ترفع يدها عن بعض الأنظمة الحليفة لها في تونس ومصر واليمن وليبيا.. ممّا جعل الثمن المدفوع أمريكيّاً باهظاً، وكان لابدّ من إبراز العلاقات المستترة بين الفرس والأمريكان على الرغم من ضجيج الإعلام الإيرانيّ وشعارات "الموت لأمريكا، ويسقط الاستكبار العالميّ، وغير ذلك.." من هذه المعزوفات التي لا تعدو كونها تقيّة، أو طاقيّة إخفاء يجيد استعمالها الحاوي الفارسيّ تماماً, وفضيحة " إيرانييت " دليل ناصع يُضاف إلى احتلال أفغانستان، واستباحة العراق وتسليمه على طبق من ذهب للفرس.. وغضّ الطرف عمّا يجري في لبنان، وصولاً إلى إنضاج الوضع السوريّ بدماء السوريين، إلى الملفّ النوويّ الإيرانيّ الذي ما إن يتصاعد الحديث فيه حتى يخمد ـ على مدار عقد من الزمان ـ وفي الوقت نفسه كان اضطراب المنطقة في أوجه، ما بين الفعل و ردّ الفعل تجاه الثورة السوريّة التي جعلت الظروف مواتية للصفقات الكبرى بعد أن حرفها النظام عن مسارها السلميّ المطالب بالحرّيّة والكرامة، إلى العسكريّ بأبشع تجلّياته الوحشيّة وأبغضها، عندما أطلق للعنف العنان ـ بتصميم مبيّت ـ ضدّ المدنيين، وكذلك الشعارات التي دفع بها إلى الواجهة ادّعاءً أنّ ما يقوم به إنّما هو ضدّ تنظيمات القاعدة والعصابات الإرهابيّة، محدّداً هويّتها، وبهندسة إعلاميّة مُسبقة تؤكّد على حربٍ كونيّة تدور رحاها ضدّ نظام المقاومة والممانعة، إلى أن دخل حزب الله المعركة ضدّ الشعب السوريّ، بالإضافة إلى الميليشيّات الطائفيّة من سوريّة وإيرانيّة وعراقيّة ويمنيّة وباكستانيّة وأفغانيّة علناً، مسانَداً بحججٍ تتغيّر بتغيّر مواقع المعارك، من حماية المقدّسات الشيعيّة، إلى حماية ظهر المقاومة، إلى منع سقوط النظام الممانع الذي بدأ يتداعى. لقد اتّضح الأمر وانجلى اللّبس، وما عاد ممكناً إخفاء محاولات النظام حرْف الصراع، راغباً ذلك، وبالاتّفاق بين إيران وروسيا، وأمريكا "صاحبة الخطّ الأحمر"، إلى اتّجاه يفرغ ثورة الشعب من مضمونها، وتحويلها إلى قضيّة سلاح كيماويّ، ثمّ إلى قضيّة حرب على الإرهاب والتّطرّف، وتمثيل المسرحيّة التي نُسِّقت أحداثها، من الاستخدام إلى تحريك الأساطيل وحشد القوّات، فتسليم " الشرف " الكيماوي طمأنةً لإسرائيل من جهة، وفتح الملفّ النوويّ الإيرانيّ وتحريكه " علناً "، لأن المباحثات السرّيّة كانت تجري بين طهران وروسيا وأمريكا في الوقت ذاته.
إنّ فتح الملفّ النوويّ الإيرانيّ يعني لأمريكا إقفال الملفّ السوريّ، وإطلاق يدها في المنطقة، وتوزيع الأدوار بين الشريكين الاستراتيجيين ـ إيران وإسرائيل ـ ممّا يمكّنها من فتح مدارات أوسع تستوعب المنطقة كلّها، لإعادة ترسيم حدودها، و تموضع القوى الإقليميّة، ولعب الأوراق المبتغاة من الإستراتيحيّات التي تتقاطع مصالحها في المنطقة، من روسيا إلى تركيا إلى إيران إلى إسرائيل. وهذا ما تبدّى على أرض الواقع بعد توقيع الاتفاق النوويّ، الذي أراح إيران من لعبة التّخفّي وأبعدها عن حافة الانهيار الاقتصاديّ، إذ تصاعدت اللهجة الإيرانيّة تجاه الملفّ السوريّ، وأخذت تبدي الاستعداد لإيجاد حلّ سياسيّ " وفق رؤيتها لمفاعيل الصراع والمتطابقة مع النظام "، ولجم الجماعات المقاتلة والتأثير عليها، وطمأنة إسرائيل. لقد بدأ التناغم والإيقاع المنضبط بين الأمريكيين والإيرانيين و الإسرائليين.. وهذا يعني أنّ إيران ( في الملحقات السرّيّة للاتفاق النوويّ! ) قد أخذت الضوء الأخضر. وبذلك تعود ـ إيران ـ إلى لعب الدور الإقليميّ السابق ( أيّام الشّاه ) في ظلّ تغييب الدور الاستراتيجيّ العربيّ المتمثّل بالسعوديّة، وغيابه المتمثّل بمصر " معاهدة السلام مع إسرائيل ".
لقد صارت المنطقة بمقدّراتها إلى اثنين: إيران الطامحة للعب دور بارز بإمساكها ملفات وأوراق كثيرة قادرة على إعاقة السياسة الأمريكية أو إرباكها من أفغانستان إلى العراق إلى سورية إلى اليمن إلى لبنان، بحكم موقعها الجيوسياسيّ وقدراتها الاقتصاديّة الهائلة، وتأثيرها الدينيّ" مذهبيّاً "، وإسرائيل التي تعادي إيران وتطلّعاتها، وسياسة أمريكا تجاهها ظاهريّاً، بينما يكمن التناغم في العمق بين المحورين، على الأقل في هذه المرحلة من صراعات المنطقة التي ستستمرّ، ولن تهدأ إلّا باطمئنان اللاعبين الإقليميّين والدوليّين لنصيبهم من الكعكة العربيّة .. وهو ما يدفع لتأكيد القول: إنّ الشاهنشاه نهض ليستعيد سلطانه" دوره " بلا تاج وصولجان، ولكن بعباءة ولي الفقيه.
______________________
كاتب وباحث سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا