الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سأخون وطني

عبد الرحمن جاسم

2005 / 8 / 22
الادب والفن


سأخون وطني(بالإذن من كاتبنا الكبير محمد الماغوط)

من البداية، أقر وأعترف، أنني سأخون وطني، كأي امرأة أخرى أخونها.
لن أدخل في نقاشات وجدالاتٍ مع كثيرين عن وطني وإن كنت أحبه أو لا، وسأتجنب الدموع، وسأجد طريقاً لي يبعد عن كل الخطابات الوطنية التي مزجت بدمي لدرجة أعجز عن فصل الخلايا عن بعض.
سأسكت وأدير رأسي، أخفضه وأمشي بعيداً عن كل ما يذكرني بوطني، فأنا أعلم منذ زمن بأن علاقتنا بأوطاننا هي علاقة حبٍ من طرف واحد، ونحن نكذب على أنفسنا ونقول بأن هذا الوطن الكبير الغالي يحبنا، ويبادلنا الحب، ونرفع الأيادي ونشد القبضات، ونلوح بغضب، وننشد بحرقة.
أغانٍ وطنية، أشعار كادحة، صور حزينة، والحب في قلبنا يكبر أما آن للحب أن يتبادل؟ سأخون الحب؛ سأخون حب وطني، ولن أخون شيئاً له، فالخيانة هنا فعلٌ يخصني لا يخصه، فأنا إن خنته أدفع أنا الثمن، لا هو؛ وأنا لا أفعل في حياتي شيئاً سوى دفع الأثمان عن هذا الوطن "الكبير المعطاء".
وطني لا يعرف مبادلة الحب للمحبين، وطني يعرف فقط مبادلة الحب مع الأشرار والسارقين وأصحاب الطريق، وطنٌ لا يحب أحداً، ويختفي عشاقه الواحد تلو الآخر. ويبقى المستفيدين، هل هو عته وطن؟ أم أنه تخلف عشق؟ لا أعرف، لكن ما أعرفه، أنني سئمت علاقات الحب من طرفٍ واحد.
أخبروني قديماً بأنك يجب أن تضحي في علاقة حب، وأنه عليك دائما أن تقدم تنازلاتٍ للشريك لكي تشعره بأنك تحبه لا قولاً فحسب بل فعلاً، ولكن ماذا أفعل إن كان حبيبي/حبيبتي لا يفهم مهما فعلنا بأننا نحبه!
كيف نقنعه بأننا نحبه، أيجب أن نموت ويتشرد أطفالنا وأهلنا في الشوارع من بعدنا لكي يقتنع بحبنا؟
كيف نخبره بأننا نعشقه، هل بتفجيرنا لأنفسنا في سيارة غاضبة، طريقة للتعبير عن الحب؟ (ملاحظة: ليس الأحمر دائماً دليل حب).
سأخون وطني، سأخونه مع أي وطنٍ عابر، سأصعد إلى أي قطار وطني آخر، وسأنتمي إلى بلاد لا أحزان فيها، سأرحل إلى بلادٍ قد تحبني يوماً، وأعيش مع الأمل، ولا أفقد الأمل في بلادٍ لا أمل فيها.
خائناً؟ أنا خائن؟ سموني ما شئتم ولكني أملك الشجاعة على الأقل أن أقف وأرفض حباً دام لسنين في قلبي دون تبادل. أملك الشجاعة لكي أرفض دوام الحال. ما الذي ننتظره من وطنٍ خلق صغيراً وسيبقى صغيراً، من وطن لا يحترف الحب إلإ مع الغانيات.
يا أخوتي مللت، صدقاً مللت.
أريد وطناً أمارس معه الحب، أمارس فيه الحب، أموت فيه من الحب. لا أريد أن أموت ناقصاً عمراً، لماذا يقضي المواطن في سويسرا أسبوعاً في العمل الاجتماعي خدمة لبلاده ويذهب إليها مسحوراً، ممتناً وسعيداً؟ هذا هو الحب. ولم يذهب فتيتنا إلى خدمة العلم/الجيش مطأطأي الرؤوس ويبقى الضباط خلال فترة الخدمة يقنعونهم بنبل هذه المهمة عملاً، هذا ليس حباً، ولا يشبه الحب بشيء.
في دمي "الأحمر" هناك ألوانٌ باتت تنقصني، لقد لاحظت الأمر منذ فترة، لماذا لا يشدني شيءٌ لهذه الدرجة، لماذا يشت انتباهي بسرعة كلما رأيت لوناً أحمراً في مكان، هل هو "فقر حب"؛ ربما، يا أحبتي، اكتشفت أنني لا أشعر بشيء، وبان حبي للأشياء بدأ يضئل.
يا وطني الغريب، اكتشفت أنني لا احب طبيعتك، كما أنني منذ زمن طويل أخبرتك لا أحب أناسك، فماذا أحب فيك؟ لماذا أضيع كل هذا الوقت على حبٍ -غير متبادل- لا أحبه. وقبل أن يقفز بطل من هنا أو هناك، ويطلب مني الرحيل، سأرحل لوحدي، ولن يكون طرداً من الجنة أبداً.
سأخونه وأتركه لكم امرأة ثكلى، امرأة تحكي عن أحد عشاقها الراحلين، تحكي لكن لا أحد يسمعها...
سأخونه، وسأثبت لنفسي أنني قد أحب مرة أخرى من وطن، يحترم نفسه، ويحترمني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب