الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرواية الصحراوية... هل هي صرخة وعي؟

أحمد بطاح

2014 / 10 / 8
الادب والفن


إن المتتبع للشأن الثقافي بالصحراء، لا شك سيلاحظ التزايد الملحوظ في إقبال النخبة المثقفة على خوض غمار الكتابة في هذا الأدب الجميل كما سمي في ألمانيا وفرنسا، أعني فن الرواية. فمنذ أن أطلعنا "يحضيه بوهدا" على روايته "بقايا أحلام غزة"، حتى تلاها وابل من الروايات المكتوبة بقلم صحراوي، وبتقاسيم حسانية، لتتحفنا "البتول المحجوب" برائعتها "بوح الذاكرة وجع جنوبي" والتي نهلت فيها من معين ونبع الوجع والمعاناة التي عاشها الصحراويون إبان سنوات الجمر والرصاص، كما غرفت من تجارب لا زالت الذاكرة هي موطنها الذي أبت إلا أن تتخذه موطنا لكبرياء وشموخ مدينة بحجم الطنطان، تلك المدينة التي أنجبت روائيا آخر من طينة الروائيين العظام، والذي إستولد من رحم القلم رواية أخرى تحمل نفس الهموم، هموم الطنطان، هموم مدينة دامية أثخنتها الجراح، وتفننت سيوف الإهمال في رسم وشوم الألم على محياها البهي، لا لشيء إلا لحساب قديم لم ترد يد الساسة أن تطوي صفحاته بالصفح، لا لشيء أيضا إلا لأن الطنطان مكتوب على محياها مهد الثائرين والأحرار، إنها رواية "شموخ مقبرة" للروائي "محمد أحمد الومان". ومن الطنطان تنقلنا رواية "كولومينا" للروائي المقتدر "محمد النعمة بيروك" إلى أحياء العيون، تلك العروس التي زخرفت يديها بالحناء، وأبت إلا أن تقض المضاجع، قبل أن يرفع بيروك يده عن مسودات رائعته، أتحفتنا "وصايا جدي" للروائي "ابراهيم أكراف" من الطنطان أيضا، وأزاحت الضماد عن نفس الجرح، جرح أكدز، جرح قلعة مكونة، وجرح نساء تعرضن للاغتصاب أمام مرأى أولادهن وأزاوجهن، وجراح أخرى لن تشفع في ذكرها سطور ولا كلمات.... والملاحظ أن القاسم المشترك لكل هذه الروايات ما عدا "بقايا أحلام عزة" أنها ولدت من رحم المدينة المكلومة، أقصد مدينة الطنطان، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان لذاك التهميش الممنهج والجرح المشترك الذي يعشيه أبناء هذه المدينة الشامخة دور في هذه الثورة الروائية ؟ هل هروب النخبة المثقفة لتصريف معاناتها عبر الرواية شكل آخر من أشكال الاحتجاج ؟
سبق أن قرأت مقالا للرفيق "سويدي تيمكليت" بنفس العنوان "الكتابة احتجاج"، الأمر الذي طرح عندي علامة استفهام كبرى لا زالت تؤرقني، ولا شك أن هذا التزايد الملحوظ في روايات بأقلام صحراوية دليل على شيء ما، ربما على صرخة وعي أخرى تضاف إلى صرخات الشعر والطرب وفنون متنوعة جادت بها القريحة... أعود إلى تجربة الروائي ابراهيم أكراف، و"وصايا جدي" التي تنقلنا عبر أزقة الطنطان، وحي "عين الرحمة" على نغمات البطالة التي عصفت بشباب هذا المدشر، وتلقي بنا أيضا إلى ضفاف المعاناة التي يعيشها المهمشون في جزيرة الصحراء الشرقية، ومدن الجنوب الشرقي التي غرقت في دمائها.
تأتي روايتي "الحب الآتي من الشرق" صرخة أخرى، وفي قالب آخر. الرواية وإن عاشت مخاضها في مدينة الطنطان وكتبت فيها، ولست أنكر تأثير المدينة/المكان في الطابع العام للرواية، إلا أن الرواية بشكل أو بآخر تلعب مدينة بوجدور دورا كبيرا في تشكلها، ليس فقط لأني درست وترعرعت في المدينة، أو لنقل أني من الناحية الثقافية أنا ابن مدينة بوجدور، لكن التأثير أتى من ذلك الجرح الذي فصلني عنها، بالرغم من أن الصحراء كلها وطني، ومدنها مشرعة أمامي، أنا الذي ولدت في أسا مدينة التاريخ، والطنطان كانت مرتع صباي الأول، والعيون ملجأ سفري وترحالي، والداخلة موطن عملي، وكليميم لملمت فيها أياما مشرقة وبراقة... فبوجدور لم أعد أسكنها ولا زالت تسكنني.
تحكي "الحب الآتي من الشرق" قصة حب بين شاب من قبيلة وقع في حب فتاة من قبيلة أخرى أثناء رحلة بحث عن ناقته الضالة، وبين أحداث هذه القصة أسكنت كثير الآهات، وهموم مجتمع بأكمله، هموم "صفية" الفتاة الصحراوية، هموم "مربيه" الشاب الصحراوي، هموم "السالمة" الأم الصحراوية"... الرواية بعث لأمل بين ركام التشاؤم، وصوت آخر يضاف لصرخة البتول، لقلم الومان، لتجربة بيروك، لتعبئة نفس جديد مع ابراهيم أكراف، وللأم عزة مع بوهدا..
عموما إنه لشرف كبير للقلم الصحراوي أن يقفز هذه القفزة الكبرى بين ليلة وضحاها، وأن ينتقل من صفر رواية إلى خمسة تجارب ولدت في هذا العام فقط 2014، حيث يمكن أن نقول أنه عام الرواية بامتياز، لقد دأبت عادات المجتمع الحساني تسمية كل عام بما يميزه، فقيل "عام الرعد" وعام الجراد"... أوليس هذا "عام الرواية" ؟.
يقين كبير في قرارة نفسي أن ميلاد الرواية الصحراوية، ووصولها إلى هذا العطاء في زمن وجيز تعبير عن وعي متزايد يوما بعد يوم، ألم تكن الرواية يوما ما حلما لدى المجتمع الصحراوي؟ ومن كان يقول يوما أنه سيأتي زمن ونرى تجارب روائية بهذا العمق، كالتجارب التي ذكرت عناوينها؟؟ بل من كان يظن أن الانطلاقة ستكون بلمسة أنثوية جامحة، أقصد البتول المحجوب في رائعتها الأولى "مرثية رجل" ؟؟.
حاصل القول إن هذا الانقلاب السريع في طرق الكتابة، والتوغل في أدب العصر الذي هو الرواية، لدليل قاطع على دخول النخبة المثقفة الصحراوية مرحة العطاء، بالرغم من قلة الإمكانات، وصعوبة ولوج وإكمال الدراسات العليا، وبالرغم أيضا من القيود التي تكبل الأقلام، إلا أن روايات كثيرة ولدت من الجرح، ومن الجرح وحده يولد الأدب كما قالت أحلام مستغانمي، رائدة الرواية بالجزائر الشقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا