الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تعريف الحداثة وموقعنا منها

فهد احمد ابو شمعه

2014 / 10 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في تعريف الحداثة وموقعنا منها
تعرف الحداثه في اللغه بمنتهى البساطة على انها - الحديث او الجديد اي عكس القديم - اما اصطلاحا فان تعريف الحداثه تعريفا دقيقا امر صعب للغايه فللحداثة تعريفات عديده ومتعدده وواسعة ورحبة يصعب الاحاطة بها ولكن سنحاول في هذه المقالة طرح ومناقشة بعض التعريفات المتداولة , فبامكاننا القول ان الحداثة هي مذهب او حركة نهضوية عقلانية ابداعية تطويرية هدفها كسر الجمود وتهيئة افاق وفضاءات يلا حدود , فالحداثه حركه متواصله ولا نهائيه ولا محدوده ودائمة البحث عن البديل والجديد , وهي تعني اعادة النظر في كل شيء وباستمرار دون توقف مما يترتب عليه الدخول في صراعات مع المعتقدات والقيم والمبادىء والفلسفات .
وهي ثورة وانقضاض على كل ماهو تقليدي وقديم في شتى المجالات الفكرية والاجتماعية والسياسية والادبية والفنية والاقتصادية الانقضاض عليها بالنقد والشك لخلخلتها وتحريرها واطلاقها , واعتبار التراث اي تراث هو تجربه انسانيه قابله للشك والنقد والاصلاح بالترميم ان امكن او بالهدم والتجاوز اذا شكلت عائقا امام الابداع والتقدم , فالنقد والشك هما من اهم ادوات الحداثة , وكذلك من اهم مبادىء وقواعد فلسفة الحداثة هو رفع شعار الحرية والذاتيه والاستقلاليه للفرد ليستمد الانسان قوته وايمانه في ذاته ومن ذاته ولتحرره من اية تبعية او وصاية سلطوية او عقائدية , واستقلاله عن كافة الرموز التقليدية , ان انجازات العقل البشري العلميه الهائله جعلت الانسان سيدا للطبيعه وليس عبدا لها وفرضت احترام العقل الانساني وفكره .
متى بدأت الحداثة ؟
هناك من يعيد بداية الحداثة الى عصر النهضة مع بداية القرن السادس عشر , ومن قائل بأنها بدأت في القرن التاسع عشر مع الثورة الفرنسية والثورة الصناعية , اذن فيمكننا القول انها كانت نتاج ووليدة عصر النهضه والثورة الفرنسية والثورة الصناعيه في اوروبا , وما تخلل هذه الاحداث في تلك الحقبه من بداية القرن السادس عشر الى اواخر القرن التاسع عشر من متغيرات وثورات سياسيه واجتماعية وفكرية واكتشافات علمية وفلكية وجغرافية من جاليلو و كوبرنيكوس ودوران الارض ومركزية الشمس الى الداروينيه وأصل الانواع ونظرية التطور الى ماركس ورأس المال والماركسية الى فرويد ومدرسة التحليل النفسي , الى نيوتن ونظريات الضوء والجاذبية , والالة البخارية ثم الكهرباء , ونشوء الكثير من المدارس الفنية والفلسفية , وغير ذلك الكثير الكثير مما ادى للقضاء التدريجي على المجتمعات القديمه واحلال مجتمعات حديثه مكانها , فبدأت المفاهيم الحداثية بالبروز والتبلور نتيجة لتلك الاحداث والتحولات الكبيره , وشكلت صيغة وتوصيفا وديناميكية وفلسفة وارضية لتلك المرحلة وما بعدها ,فآتت ثمارها الكثيره والتي جاءت في بعض الاحيان على شكل طفرات من التطور العلمي والأدبي والفني والتقني والسياسي والاجتماعي .
ولكن ما موقعنا نحن العرب من الحداثه ؟ اعتقد ان الحداثه ان وجدت عندنا اصلا فهي تعاني من حالة انفصام وانفصال عن الواقع الثقافي العربي بالرغم من وجود حداثة في الشعر والادب تضاهي الحداثه الغربيه وتستحق ان نتباهى بها - ومن ابرز روادها الشاعر السوري ادونيس والشاعرين الفلسطينيين محمود درويش وسميح القاسم - الا اننا متخلفين جدا في مجالات الحداثه الاخرى العلمية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية .
ففي واقع المجتمعات العربيه فان التراث الفكري والاجتماعي على وجه الخصوص متجذر ومتغلغل في الوجدان والعقل العربي بحيث يصعب اخضاعه بسهولة لمنهج الشك والنقد ليواكب الحداثه وبالتالي يرى البعض انه لايمكن ادخال مصطلح الحداثه الى الثقافه العربيه الاسلامية بمفهومه الغربي الصرف دون الاخذ بعين الاعتبار لخصوصيته وانتمائه لسياق تاريخي مختلف عن تاريخنا , وبالتالي يتوجب علينا ايجاد مصطلحنا الحداثي الخاص بنا , ويفضل الانطلاق من خلال التفاعل الايجابي مع التراث باحتوائه وباستحداث رؤى واساليب تعامل جديدة معه وليس المواجهة والقطيعة معه , ولكن البعض الاخر يرى انه في ظل ما تعانيه الأمة من فشل حضاري , وتنموي على كافة الصعد , فلا مناص من المواجهة الثوريه والقطيعه التامه , وبتر كل ما من شأنه اعاقة المجتمع والانسان العربي عن صنع مستقبله .
بعيدا عن الاطالة فمما لاشك فيه ان مشروع الحداثة في الوطن العربي هو مشروع فاشل , او في احسن الاحوال متعطل او معطل .
فماهي اسباب فشله ومن المسؤول عن فشله او تعطيله ؟
فهل المسؤوليه تقع على عاتق حاملي لواء الحداثه من المثقفين العرب الذين عجزوا عن صياغة وايصال المفاهيم الحداثية الى الشارع العربي , وبالتالي عجزوا عن تمثيله والتأثير فيه وفي واقعه الثقافي والاجتماعي, وبعجزهم هذا تركوا فراغا كبيرا تسلل من خلاله مشايخ ودعاة الخطاب السلفي الرجعي في غفله من المثقف العربي , وحتى من المثقف المسلم المنفتح , وطغوا وهيمنوا على الواقع الثقافي والاجتماعي وحتى السياسي العربي , وطرحوا انفسهم كمنقذين في الدارين الدنيا والاخرة , فاستأثروا بوعي الجماهير مكرسين الجمود والرجعيه والتقوقع , واحتلوا المقاعد الوثيرة على شاشات الفضائيات العربية وراحوا يمطرون الجماهير بمواعظهم وفتاويهم التكفيرية , ويوزعون شهادات حسن السلوك على هذا وذاك , ويستقبلون المكالمات التلفونية على الهواء مباشرة فيفصلون في جميع القضايا , من قضايا الازياء والموضه الى ادق تفاصيل العمليه الجنسية بين الزوجين , الى علوم التغذية والتداوي بالاعشاب , وعلم الفلك واخراج الجن من الانسان وغيرها من العلوم , دون ان يتركوا المجال لاي عالم او مفكر لان يدلي برأيه في شيء.
ام ان المسؤولية تقع على العقل العربي والانسان العربي الغير مؤهل والمتقوقع في الماضي ولا يجد القدره ولا الشجاعة للانعتاق والانطلاق من قمقمه , والواقع بين سنديان التراث والماضي ومطرقة الانظمة القمعية الحاكمة ؟
ام ان المسؤول هو الاستعمار الذي مازلنا نعاني من آثاره حتى يومنا هذا ؟ - ولكن هناك الكثير من الدول الغير عربية التى عانت من الاستعمار وويلات الحروب وبمجرد ان حققت استقلالها سرعان مانفضت عن نفسها غبار الحروب والاستعمار وحققت نهضتها على كافة الصعد كالهند وماليزيا وكوريا وغيرها الكثير من الدول.
ام تقع المسؤوليه على انظمة الحكم القمعية الاستبدادية البوليسية التي نشأت بعد خروج الاستعمار وجثمت على صدورالشعوب العربية لعقود طويلة بالقوة ودون وجه حق , ولشعور تلك الانظمة بعدم شرعيتها فقد ساد بينها وبين الشعب نوع من الخوف وعدم الارتياح والتوجس والقلق المستمر , فعمدت تلك الانظمه الى ممارسة العديد من الأساليب والسياسات القمعية القاسية ضد شعوبها من تهميش وتجهيل وحتى تجويع في بعض الأحيان وسجن وتعذيب ومحاسبة ليس على الفعل بل على القول والكلمة ايضا , وباستحداث اجهزة مخابرات خاصة لتتبع ومراقبة المواطن العربي , ادى ذلك الى ان يفقد الانسان العربي شخصيتة الوطنية والانسانية وحتى امنه الشخصي فهو مراقب في كل حركة من حركاته وكل همسة من همساتة ودائما يرافقه الشعور بأنه مطارد , وعمدت تلك الانظمه الى اقامة تحالفات مع قوى الاستعمار الخارجي الذي يمارس استعماره للبلاد العربية عن بعد وبأدوات داخلية تتمثل في تلك الانظمة , وكمقابل لضمان بقائها في الحكم , كذلك تحالفت تلك الانظمه في الداخل مع مؤسسات دينية فصلتها بنفسها وعلى مقاسها وتأتمر بأمرها وسخرتها لتمرير سياساتها ,فتحولت تلك المؤسسات الى مجرد بوق ناطق باسم النظام , ادى كل ذلك الى نشوء علاقات معقدة مابين المواطن والحاكم ورجل الامن ورجل الدين , في ظل تلك الظروف , من هيمنة خارجية , وظروف داخلية غاية في التعقيد كان لابد لتلك الانظمة ان تفشل في ادارة قضايا اوطانها داخليا وخارجيا , فداخليا فشلت في احداث اي تنمية في جمبع المجالات وعلى اغلب المستويات كذلك فشلت فشلا ذريعا في توفير ادنى مستويات العيش والعداله الاجتماعية والحريات العامه , وفشلت في محاربة البطالة والفقر , فرأينا طوابير من الشباب العربي مصطفين على ابواب السفارات الاجنبية طلبا للهجرة للبحث عن الحرية ولقمة العيش الكريم , وخارجيا كان فشل تلك الانظمة في ادارة اغلب الملفات واضحا وجليا ولا يتسع المجال للخوض في هذا الجانب , في الخلاصه نستنتج ان تحالف الانظمة الحاكمة الرجعية في الوطن العربي مع المؤسسة الدينيه المدجنة كان له اكبر الاثر في افشال المشروع الحداثي العربي , وان احلال القيم الحداثية لن يتم إلا بالمواجهه الجريئه والمستبسلة
كذلك فان جزء كبير من المسؤوليه في فشل المشروع الحداثي العربي يقع على المثقف العربي الذي اقتصر دوره على مراقبة وتدوين ووصف الواقع دون التأثير فيه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على