الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نموذج ديمقراطي.. أم سايكس بيكو جديدة..؟!

شادي جابر

2005 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


منذ سنوات وقبيل الاحتلال الأميركي للعراق تحدث الرئيس السوري بشار الأسد عن وجود مخطط أميركي إسرائيلي لتقسيم العراق والمنطقة إلى دويلات عرقية وطائفية يهدف إلى إضفاء الشرعية على كيان اللون الواحد في إسرائيل وتعزيز مسوغات بقاءه في ظل وجود كيانات أخرى مشابهة ومتجانسة من حيث العرق أو المذهب.
رؤية الرئيس بشار بدأت تتضح شيئاً فشيئاً مع بروز مؤشرات خطيرة تجلت في تصريحات رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق "عبد العزيز الحكيم" التي دعا فيها إلى إقامة دولة شيعية فيدرالية في جنوب ووسط العراق, ومع تسريب أنباء عن مخطط أميركي سري يتم تداوله في أروقة الكونغرس حول إقامة دولة كردية في شمال العراق تضم لاحقاً أجزاء من سورية وتركيا وإيران لتشكل "كردستان الكبرى".
فيدرالية العراق المزمعة هي الخطوة الأولى باتجاه تقسيم هذا البلد وإنجاز الخارطة الجديدة للمنطقة وصولاً إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير.. تلك الخارطة التي تحدث عنها علناً وزير الخارجية الأميركي السابق "كولن باول" قبل الحرب التي شنتها بلاده على العراق، كما بشرنا السيد "باول" آنذاك بـ "عراق ديمقراطي" يكون نموذجاً لبقية دول المنطقة "الغير ديمقراطية" ويبدو أن هذا "النموذج الديمقراطي" هو ما تعكف واشنطن وتل أبيب على فبركته تدريجياً استناداً إلى رؤية المحافظين الجدد ومجموعات من اللوبي الصهيوني في أميركا.. ويتم ذلك بالتزامن مع المسرحية التي تعرض على شاشات التلفزيون هذه الأيام تحت عنوان "الانسحاب الإسرائيلي من غزة" وما يترتب عليه من إجلاء للمستوطنين عن مستعمراتهم وما يقتضيه ذلك من "تنازلات مؤلمة" على حد تعبير المسؤولين الإسرائيليين.
بهذا الانسحاب يكتمل المشهد الأول الذي مهد لشرعنة جدار الفصل العنصري واحتلال القدس وتكريس الاستيطان اليهودي فيها وربما في الضفة الغربية والجولان السوري المحتل.
قلق دول الجوار والمنطقة من مخطط تقسيم العراق له مبرراته الموضوعية لأن ذلك المخطط لا يعني وحدة أراضي العراق فحسب, بل يمتد ليطاول أراضي تلك الدول ويشكل تهديداً جدياً لوحدتها وبالتالي احتمال تقسيمها هي الأخرى.. وقد بدأت بالفعل ملامح انتقال عدوى الفيدرالية بالظهور في لبنان من خلال الطروحات الجديدة لفيدرالية طوائف تقسم لبنان إلى كيانات طائفية ما دفع البطريرك الماروني "نصر الله صفير" إلى معارضة تلك الطروحات بشدة كما رفض قيام أي صيغة بديلة عن الصيغة الحالية للنظام اللبناني القائم على التوافق بين الطوائف.
الخطوط العريضة للسياسة الأميركية في المنطقة والعراق لم تتغير.. ربما دخل عليها بعض التعديلات في قواعد اللعبة بسبب عجز قوات الاحتلال عن الإمساك بزمام الأمور على الأرض واستمرار تدهور الأوضاع الأمنية على الساحة العراقية, إضافة إلى تزايد الانتقادات لسياسة الرئيس بوش وإدارته في العراق والمطالبة بتحديد جدول زمني للانسحاب وارتفاع أعداد المعارضين للحرب في أميركا والعالم.. كل ذلك دفع واشنطن إلى التعجيل في إنجاز خطة التقسيم قبل أن تفقد الفرصة الذهبية المتاحة حالياً.. فهيأت المناخات والظروف السياسية الملائمة لطرح فكرة الفيدرالية في الوقت الذي حرصت فيه على تنفيذ "شارون" لخطة الفصل من خلال الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بهدف صرف الأنظار عما يدور في كواليس بغداد وتمرير مشروع الدستور العراقي الجديد متضمناً على الأغلب بنوداً عن صيغة لفيدرالية أو كونفيدرالية أو على الأقل إشارات تمهد لإقامة إحدى هذه الصيغ.
حتى الآن لا يبدو أن الكثير من العرب يعي ما يحاك لهذه المنطقة وحتى من يعي منهم يقف عاجزاً مكتوف اليدين لا يحرك ساكناً, بينما تقترب القمصان الجديدة المفصلة بمقاسات مختلفة من مرحلة الجهوزية.. ليتم توزيعها على أقاليم تشكل كيانات طائفية وعرقية وترجمتها لاحقاً إلى "دولة للأكراد في شمال العراق" و "دولة للشيعة في جنوبه ووسطه" وبين هاتين الدولتين يقيم السنة دولتهم وربما نجد أيضاً دولة مسيحية وأخرى تركمانية وثالثة آشورية.. "من يدري"..؟!
لا يزال الكثير من الناس في عالمنا العربي يرفضون نظرية المؤامرة ولا يؤمنون بها من قريب أو بعيد والبعض يذهب أكثر من ذلك ليسخر من تلك النظرية التي يؤكد التاريخ حضورها في كثير من مراحله ولاسيما في القرنين الأخيرين حيث أعلن وعد بلفور "مؤامرة المؤامرات" الذي نص على حق اليهود في إقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين, هذا الوعد الذي وضع موضع التنفيذ إبان الانتداب الانكليزي والفرنسي للمنطقة العربية سبب كوارث وحروب في تلك المنطقة ولا تزال آثاره تفقدها الاستقرار حتى يومنا هذا.. إضافة إلى ما نتج عن تنفيذه من تهجير وتشريد لشعب بأكمله وسرقة أراضيه.. فضلاً عما أفرزته اتفاقية "سايكس بيكو" من معطيات رسخت خارطة جديدة للمنطقة العربية وظهرت من خلالها دول لم تكن موجودة على مر العصور واقتطعت أراضي عربية قدمها الانكليز والفرنسيون هدايا لدول أخرى.. فيما فشل المشروع الفرنسي الذي وضع خارطة جديدة لسورية تقسمها إلى عدة دويلات وفقاًَ لأسس طائفية وعرقية..
فهل سنشهد "نموذج ديمقراطي" أم "سايكس بيكو جديدة على الطريقة الأميركية"..؟!
"إنني شخصياً لا أجد أي فرق"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يؤكد إن إسرائيل ستقف بمفردها إذا اضطرت إلى ذلك | الأ


.. جائزة شارلمان لـ-حاخام الحوار الديني-




.. نارين بيوتي وسيدرا بيوتي في مواجهة جلال عمارة.. من سيفوز؟ ??


.. فرق الطوارئ تسابق الزمن لإنقاذ الركاب.. حافلة تسقط في النهر




.. التطبيع السعودي الإسرائيلي.. ورقة بايدن الرابحة | #ملف_اليوم