الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفكك في العالم العربي: هل هي إستراتيجية إسرائيلية أم نتاج الأنظمة التسلطية؟

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2014 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



منذ أن ظهر للعيان مظاهر التفكك في أقطار العالم العربي، أستحضرت أمامي دراسة قديمة نشرتها مجلة دراسات فلسطينية عام 1982 عنوانها "إستراتيجية من أجل إسرائيل في الثمانيينيات" وضعها صحفي إسرائيلي، وفي نفس الوقت مستشارا في وزارة خارجيتها يدعى أودينون، وقد ترجمها آنذاك إسرائيل شاحاك إلى الأنجليزية قبل أن تنشرها مجلة دراسات فلسطينية بالعربية.
ومن أهم ما تحمله الدراسة قولها بأن العالم العربي ليس هو الخطر الرئيسي على إسرائيل، بل الخطر الرئيسي آنذاك على إسرائيل والغرب عموما هو الإتحاد السوفياتي، خاصة سلاحها النووي، وكذلك شح الموارد الطاقوية والأولية بسبب رغبة السوفيات الإستيلاء عليها في الشرق الأوسط، ونحن نعلم أن احد أهداف السوفييت آنذاك هو الوصول إلى الخليج من خلال سيطرتها على أفغانستان في إطار الحرب الباردة.
ويبرر أودينون طرحه بالقول أن أقطار العالم العربي هي دول من ورق بسبب التناقضات الطائفية والإثنية والثقافية التي تعاني منها نتيجة سيطرة أقليات طائفية وإثنية على السلطة في كل دولة مهمشة الآخرين، إضافة إلى التفاوت الإقتصادي والإجتماعي الحاد في هذه الدول، ولهذا يرى أن دول العالم العربي ضعيفة جدا ليس بوسعها تهديد إسرائيل، وأن تفككها هو حتمية لسياسات أنظمتها التسلطية.
لكنه لا يتواني عن الحديث بإمكانية تفكيك دول العالم العربي إلى دويلات ضعيفة، ويحدد الخطة بصراحة بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية ولبنان إلى خمس دويلات وسورية إلى أربع دويلات ومنها سنيتين أحدها في دمشق وأخرى في حلب وعلوية ودرزية ومسيحية، لكن أهم ما يشد الإنتباه هو حديثه عن تفكيك مصر إلى دولة قبطية قوية بجوار دويلات ضعيفة، وهو ما من شأنه أن يجر إلى تفكيك دول أخرى كليبيا والسودان، لكن يشير حول مصر إلى مسألة هامة وهي إستعادة سيناء لإسرائيل بعد ما تنازل عنها رابين بفعل "مكر السادات"-حسب تعبيره-، لأنها تمثل موردا هاما وحيويا للإقتصاد الإسرائيلي لما تحتويه من إحتياطات النفط، مما يتطلب خلق ذرائع لإعادة ضمها من جديد، وهو ما يدفعنا اليوم إلى التساؤل عما يحدث في مصر اليوم، وبالضبط في سيناء من عمليات إرهابية هناك؟.
لكن هناك العديد من الأسئلة يجب طرحها ومنها لماذا نشرت هذه الخطة في وقتها رغم سريتها؟، ولماذا لم تهتم الأنظمة العربية بها؟، فبشأن السؤال الثاني فنعتقد أن الأنظمة في العالم العربي لا تريد أن تعترف بالواقع والحقائق الموجودة على الأرض لمجابهتها وحلها، وهي شبيهة بالنعامة التي تدفن رأسها في التراب، كما أنها لم تهتم بها، لأنها ترفض الإعتراف بمختلف التناقضات الإجتماعية والثقافية والأيديولوجية الموجودة في بلدانها، وموجودة في كل دول العالم، ومنها خاصة إسرائيل، لكن هذه الدول الأخيرة واجهت ذلك بالحل الديمقراطي لهذه التناقضات ومبدأ المواطنة، وهي الحلول التي رفضتها وترفضها الأنظمة العربية خدمة لمصالح خاصة جدا لفئة ما، بل نقولها لطائفة على حساب أخرى.
ويقول إسرائيل شاحاك أن الهدف من نشرالخطة هو إقناع بعض الضباط في إسرائيل ببعض الحلول والخطط الإستراتيجية، إضافة إلى توفر الحريات والديمقراطية في إسرائيل، لكن نعتقد أن هناك هدفا خفيا، وهو إدراك إسرائيل أنه بنشر هذه الخطة ستقوم بالإسراع في تفكيك الدول العربية، لأن عادة ما تستغل أنظمتها التسلطية هذه التسريبات للخطط والمقالات لتوجيه إتهام أكبر لطوائف ومجموعات ثقافية همشتها، بأنها هي أداة في يد إسرائل والغرب لضرب الوحدة الوطنية متسترة على الحقيقة بأن هذه الأنظمة هي التي تشكل أكبر خطر على هذه الوحدة بتمييزها الطائفي والثقافي والطبقي، مما يولد ردود فعل طبيعية لدى المهمشين، وبنشر هذه الخطة أعطت إسرائيل سلاحا آخر لهذه الأنظمة لتدعيم موقفها خدمة في الحقيقة لمصالح طائفية ضيقة جدا.
كما أن قراءتنا لهذه الإستراتيجية تطرح أمامنا اليوم عدة أسئلة فمن وراء نشر التعصب الديني في العالم العربي الذي تحول إلى طائفية مفتتة ومدمرة، ألا يدخل ذلك في إطار هذه الخطة الجهنمية حيث أصبحت الطائفية والممارسات الدينية المتعصبة في العالم العربي أكبر خطر يهدد وحدة هذه الدول .
أفلم يحن الوقت للعالم العربي كي يلجأ إلى الحلول البسيطة لتجنب تفتتها، وهي إقامة دولة لكل الشعب معناه دولة ديمقراطية تسود فيها المواطنة للجميع دون أي تمييز ديني أو عرقي أو لغوي أو قبلي، ويحل مشكلة الصراع حول السلطة نهائيا بالتداول السلمي عليها بواسطة الإنتخابات النزيهة وضمان الحريات الأساسية، أم ستستمر هذه الأنظمة في غيها دفاعا عن مصالح ضيقة جدا على حساب الدولة والوطن، وللأسف يقومون بذلك بإسم الوطنية، والتي هي في الحقيقة مجرد وطنية مزيفة تخفي مصالح ضيقة جدا.
ألم يحن الوقت لتحمل مسؤوليات مأساتنا بدل تحميلها الآخرين، وندرك أن من طبيعة الأعداء التخطيط ضدنا، لكن ماذا فعلنا نحن لإفشال خططهم؟، وهل رسمنا خططا لخدمة المصالح الإستراتيجية لدولنا؟، أفلم يحن الوقت لنقد ذاتنا، ونعيد طرح فكرة مالك بن نبي حول "القابلية للإستعمار" بشكل آخر؟.


البروفسور رابح لونيسي
-جامعة وهران-
البريد الإلكتروني:[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -صانع قدور- و-بائع كمون-.. هل تساءلت يوماً عن معاني أسماء لا


.. حزب الله ينسق مع حماس وإسرائيل تتأهب -للحرب-!| #التاسعة




.. السِّنوار -مُحاصَر-؟ | #التاسعة


.. لماذا تحدى الإيرانيون خامنئي؟ | #التاسعة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | ما جديد جولة المفاوضات بين حماس وإسرائيل ف