الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياسين صالح عبود معلم الاجيال

مفيد بدر عبدالله

2014 / 10 / 10
الادب والفن


يجد كثير من الكتاب صعوبة بالغة في تناول شخصية مهمة - لشاعر او كاتب او ملحن- أمضت اعواما في العطاء، الصعوبة تتأتى من خوف الكاتب بخس هذه الشخصية حقها، فقد يغفل الكاتب عن معلومة أو معلومات مهمة ومفصلية تجعله يشعر بالندم الكبير حين يكتشفها بعد نشر الموضوع، هذا ما يجعل الحديث عن المعطاءين تكتنفه هواجس الحذر والتردد، لكن الدافع الاقوى والذي يعفي الكاتب من تهمة التقصير هو نبل أهدافه التي تتلخص بتعريف الناس بتاريخ هؤلاء الاعلام وسيرهم المشرفة، كما أنه يشكل شكلا من اشكال رد الجميل لهم، وحافزا للاقتداء بسيرتهم في العطاء للرقي بالمجتمع نحو الافضل اجتماعيا وسياسيا وعلميا .
سأتناول ما اعرفه عن شخصية الكاتب والملحن والمخرج والمهتم بالتراث والمشرف التربوي والمعلم (ياسين صالح عبود) هذا الرجل الموسوعة أو "الظاهرة" التي نادرا ما تتكرر، هو معاصر لجيلين، حتى أن بعضا ممن أحيلوا على التقاعد من معلمينا الاوائل تتلمذوا على يديه، ولم اسمع من احد منهم أو من غيرهم غير كلمات الحب والامتنان لشخصه، اختير نقيبا للمعلمين في قضاء ابي الخصيب لأعوام طويلة، فلم يتجرأ أحد على منافسته على النقابة، لعلم الجميع بان المنافسة عبث وان المنافس خاسر حتما، فمن ذا الذي يتجرأ الوقوف أمام قامته المديدة وعطائه الذي تخطى الخمسة عقود. لم يتزوج من أمراه لكن له آلاف من الابناء، شاهدت كثيرا منهم وهم يتقاطرون على زيارته في عيد الاضحى حين زرته، أحد الزائرين كان معلمي في الصف الاول، هو الان متقاعد (ثامر سعدون)، كان قبل عقود أحد تلاميذ السيد ياسين اتاه متوكأ على(حجلة) فلولاها ما اوصلته أقدامه المتعبة، وحينما وصل ركنها الى جوار(حجلة) السيد ياسين، وكأن (الحجلتين) تاريخان التقيا، وحملتا من راحة ايديهما عبق( الطباشير) ولون اقلام ( القوبيا) ونعومة ريشة عزف العود فكم هما محظوظتان تلكما (الحجلتان).
كان السيد ياسين جالسا على فراشه، فالسنوات الطويلة فعلت فعلتها وأنهكت قواه ولم يعد كسابق عهده، لكن السنين عجزت عن النيل من ذاكرته، ظلت متقدة تختزن أجمل الذكريات، وحين كان يهمس بها يصمت الجميع مهابة له، حتى بلبله الخصيبي في قفصه المعلق خارج غرفته، هو الاخر كان مؤدبا ويعرف مثلنا مقام الكبار، ابتسامته جميلة تضفي لجماله جمالا، ملامحه ذكرتني بالمرحوم "كامل الدباغ" مقدم برنامج (العلم للجميع)، فالشبه كبير بين الاثنين، كلاهما رمزان من رموز العطاء وينتميان لجيل الملتزمين، فالدباغ أثرى ذاكرتنا بالعلوم القيمة، وصاحبنا طوع اوتار العود لألحانه الشجية، والكلمة بمفرداتها منتقيا أجملها لتخترق القلوب قبل الاذان، وترسخ عند التلاميذ حب الارض والوطن والنخيل، هو من أهم رواد المسرح الغنائي العراقي، يعشق (الاوبريت) الف له ولحن العشرات، كم أخرج الكثير من المسرحيات الرائعة فاستحق بجدارة "درع الابداع" الذي منحته له كلية الفنون جامعة البصرة مشكورة، كما طبعت له كتابا من تأليفه (صور من الماضي) حوى عشرات الاعمال- مسرحيات، أوبريتات – فهذا الكتاب الرائع يؤرخ النشاطات المدرسية للأعوام الممتدة 1960-1974، مدعما بعشرات الصورة التي توثق لهذه المسيرة الطويلة، أهداني الدكتور ماهر الكتيباني نسخة منه مشكورا، لم يكن هذا كتابه الوحيد، فله كتاب آخر بعنوان (ابو الخصيب في ماضيها القريب)، يؤرخ لقضاء لطالما عرف بخصوبة ارضه وطيبة سكانه، وكثرة جداول انهاره المتفرعة من شط العرب، وعدني السيد ياسين بنسخة منه حال صدور الطبعة الثانية، فالطبعة الاولى نفذت ولم يتبقى منها سوى نسخته اليتيمة.
أن الخوض في سيرة هذا الفنان المبدع يجرنا للحديث عن الفن واهميته كأحد وسائل التعبير عن الحياة، فالسنوات الاخيرة شهدت تراجعا ملحوظا في كثير من المجالات الفنية وأذكر منها السينما والمسرح، فكثير من دور العرض المسرحي والسينمائي التي كانت تصدح بكل ما هو جميل طالتها معاول الازمنة وعشعشت على مقاعدها العناكب، وهي ليست أفضل حالا من غيرها التي تهدمت وتحول بعضها لمطاعم ومحال تجارية ونشاطات أخرى، لأسباب كثيرة أهمها انشغال الحكومة بكثير من القضايا قد يكون الفن في مؤخرتها، متناسين الدور المهم والريادي للفن في استنهاض الهمم في البناء والعطاء وحب الارض، فالبناء مهما علا يفقد قيمته مالم يرافقه بناء الانسان، فلو تأملنا كتاب السيد ياسين ( صور من الماضي) لوجدنا مواضيعه( الاوبريت، المسرحية) تدور حول هذه الموضوعات، فاعتقد جازما ان تفعيل دور الفنون الهادفة عند النشأ الجديد سيقضي على ما ينخر اليوم بمجتمعنا من جهل وفتن وسيعزز من وحدتنا الوطنية، مثلما يكون صفعة بوجه التطرف والارهاب الاسود، وأختم مقالي باعتذار لمحبي السيد ياسين بالقول: " ذكر لي كثير منكم مأثر ومواقف كثيرة للسيد ياسين لها مدلولات كبيرة على مدى نبله وخلقه، لكن المقام لا يتسع لذكرها وقد تحتاج لمجلدات، فسيرة عطرة تمتد لعشرات السنين لا يمكن اختزالها ببضع كلمات، وسأتحدث عن أحدها والتي قالها لي يوما السيد يوسف البحراني مدير أحد مدارس القضاء وهو يتحدث عن السيد ياسين حيث يقول: (امتزجت صورته في ذهني بصور أطواق الورد التي كان يحملها لمدارسنا في كل مناسبة، مبادرا بتهنئتنا بحلول كل عام دراسي وبعيدي الطالب والمعلم)، أما انا فأقول له لك تحية من محبيك بعدد يفوق اطواق الورود التي حملتها وعدد ازهارها بل يفوق حتى عدد وريقات كل الازهار يا فنان الاجيال ومعلمهم ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي