الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفيف التجلي

عبدالكريم الساعدي

2014 / 10 / 10
الادب والفن


رفيف التجلي
_____________
في تمام الفراغ ... تمام التيه ، وعند منتصف الهيام بعدما ملأ الشيب خافقي ، ورأيتني وحيداً متوجعاً ، تحرسني أطياف الغربة ، مطوقاً بأسر السنين ، عصفَ بقلبي الحنين لأيام خلت، رحت أقلب وجوه العابرين وهي تصبو لعوالم وأمكنة ومواعيد ، لم تنكرني من قبل ،تلف ملامحي بأضوائها ، تنثل ببريق الغنج فوق كلماتي الآسرة لقلوب خافقة بالعشق ... لقد أدمنت من قبل تلك الأزقة والدروب، واليوم أراها تنكر خطواتي ، وتنكر عيني ملامح الغربة ، كل شيء غريب إلا الذكريات ، ذكريات تبوح بجمال المكان الذي استقبلني بأطلاله الراقدة على حافة الخراب ، المساء يحملني عطشاً ، يحلّق بي في عتمة من أنين ، وقبل أول منعطف يرقد في دفقة مطر استوقفتني حانة قديمة تعانق طرف نهرٍ غادر ضفافه حين تعثر بالجفاف ، طرقت بابها ... باب خمورها . الحانة تمس طيفها ، تفتح ذراعَي نافذةٍ من بوح ، الهمس يتسلق معارج حقول العشق .. كان النبيذ أنهاراً من ذكرى ... أنهاراً من وجعٍ لذيذ ، وأسى شفيف . الخطى كلّها : لاهثة .. تائهة ، تطرق باب الحانات واحدة تلو الأخرى . نادلٌ أنيق خلف الطاولة ينقرها بأنامل من دخان... يفزّ السكارى بطيفك عند دموع غيمة عابرة شفّت عن حزنها .صاحوا بصوت واحد :
- نعم سيدي النادل .
- أرووا عطشي من دموع تلك الغيمة العابرة.
ما لي أرى كلّ شيء بالمقلوب قبل أن أحتسي رفيف نشوتها ؟.
- سيدي النادل ألا سقيتني قوافيها .
ورحت أعبّ كأس المنى ، كأساً بعد آخر..أسكب فتنتها في ثنايا الحريق.. ولمّا شفّ الليلُ عن دجاه جال في الأرجاء خدر وطاف بي نعاس حين وخزني القرب ... الحانة تنوء بالهيام.. أنتصبُ دهشة حين طال الإنتظار وأنا تراني أطوف في الأرجاء ، أبحث عنك.. أتجشأ بعضي ،وفي غياب الحضور أراني أحبس رغبتي وسط سماء من ذهول،كنت وما زلت أبحث عنك.. أنت هنا ، لا هناك..ربما في كل مكان ، بل في كل مكان... سوف لا أغادر حانتي فأنت هنا... جدائل نشوتك تهزني، تراقص المكان..عطرك.. آه من عطرك يعبث بأنفاسي.. لونك الأبيض.. أبيض مثل حليب الأمهات يرتشف شفتيّ... أقتربي أكثر من ثرثرتي.. مازلتُ أراكِ تشعّينَ في كأسٍ من شهوة أو من لذة..أراك كؤوساً من رغبة تملأ العين سحراً ، رغبة تحلّق في عوالم أخرى ..أكاد لا أرى سوى ضباب كثيف لكنّه جميل ..أتجشأ بعضي الآخر ..أصابتني الدهشة لمّا حدّقتُ في مرآة الحانة.. لم أكن أنا موجوداً حين تجشأت ما تبقى مني.. هل أنا غير موجود ؟
-سيدي النادل.. ألا سقيتني من رضاب قوافيها... لا أثرَ لغيري.. ربما كانوا أشباحاً..صوت النادل يأتي من خلف الطاولة :
- لم يبقَ غيرك .
- والندامى . أين الندامى ؟
أسقطُ خلفَ الصوتِ حفنةً من تجلي . يحملني الوَلهُ إليها :
- ألم تكنْ هنا .
- حذارِ، لا تفقد خطواتك ، كانت هنا منذ كأسين....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي