الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوباني .. هذه المدينة البطلة

بدر الدين شنن

2014 / 10 / 10
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


اعتادت المجموعات الإرهابية المسلحة ، الاعتماد على حركة تحضير الهدف المزمع تنفيذه مسبقاً ، التي تقوم بها القوى المحلية والإقليمية والدولية الداعمة لها . وذلك بشراء وخداع بعض الرموز العشائرية ، والعسكرية ، والإدارية ، بالمال والوعود المخادعة ، وبالتضليل السياسي ، والديني ، والأيديولوجي ، ولا تتردد باستخدام التهديد الإرهابي إن احتاج الأمر ذلك ، التي تثمر ، انشقاقات ، وحاضنات . وتمهد مسرح العمليات .. وتستقبل الهجوم المقرر . ومن ثم تصبح هذه الرموز من مكونات مأسسة السيطرة الإرهابية ، في المواقع التي يتم اجتياحها بسهولة مذهلة . وقد تبين موضوعياً ، أن هذه الحركة لا تقل شأناً عن الدعم المادي والسياسي والإعلامي الخارجي .

تفاصيل هذه الحركة ، المتضمنة أسماء المنشقين والمخدوعين ، من عسكريين ، وسياسيين ، وإداريين ، وشيوخ عشائر ، ومتنفذين دينيين طائفيين في قطاعات ريفية ومدينية ، وليبرالية مأجورة ، لم تعد هناك حاجة لتكرارها في المقالات المتوالية ، فهي صارت تظهر على شاشات الفضائيات وفي وسائل الإعلام الأخرى . ولو أن هذه الحركة قوبلت بالرفض ، لكان مفعول الجماعات المسلحة محدوداً ، وفرص التخلص من جرائمها بوقت قصير ، وبأقل الخسائر المادية والبشرية بكل تأكيد .
وقد شكل انكشاف هذه الحقيقة المؤلمة ، التي تسببت بالمزيد من آلام السوريين .. قتلاً .. وتدميراً .. وتهجيراً .. شكل إحدى الخلفيات الهامة لصمود كوباني البارز الآن .

إن كل الدعوات الطائفية البشعة ، وكل الوعود " الخشوعة المقدسة " بإعادة دولة "" الخلافة الإسلامية " التي تجاوزها التاريخ والواقع واحتياجات الحضارة المستدامة ، وكل النفاق الدولي الغربي ، بدمقرطة .. ولبرلة .. البلاد على حساب الوجود الوطني والمصير الإنساني ، تساقطت على أسوار " كوباني " . فمن جهة هناك الوعي السياسي ، اليساري ، الديمقراطي ، القومي ، المتعدد . وهناك من جهة أخرى ، إشهار الدواعش حقدهم وعداءهم الأسود القبيح للكرد ، ولكل الأقليات القومية والمذهبية والدينية . وهناك من جهة أخرى صدى المذبحة الوحشية التي قام بها داعش ضد الكرد الأيزيديين في العراق .. الذين ما تزال دماؤهم البريئة تبرق تحت الشمس ، تصرخ مناشدة ضمائر العالم الخامدة ، وداعية الذين يستهدفهم الإرهاب الدولي ، إلى الرسوخ في أرضهم والدفاع عن وجودهم .

إن عظمة " كوباني " ، مهما كانت الرياح التي ستهب على حربها البطولية ، أنها لأول مرة ’تفشل حركة الشراء والانشقاق الممهدة لهجوم الإرهاب الدولي . وأنها رفضت الاستسلام لداعش ولأردوغان . ورفضت .. إلاّ أن تكون لأبنائها . وأنها وهي المدينة الصغيرة المحاصرة من الجهات الأربعة ، ما زالت منذ ثلاثة أسابيع .. صامدة .. تقاتل .. معتمدة على إرادة شبابها وبناتها وكل فرد فيها ، قبل أن تعتمد على طيران التحالف الدولي المريب ، الذي أعلن بوقاحة ، أن إنقاذ " كوباني " من المذبحة ، ليس ضمن استراتجيته . ما معناه أنه موافق على سيطرة داعش عليها ، أو الاعتماد على نجدة من الأهل في سوريا ، الذين يواجهون الموت في مئة " كوباني " أخرى في مختلف البقاع السورية . أو على الجامعة العربية والأمم المتحدة المفلسة سياسياً وأخلاقياً . وهذ ما يفسر بجلاء ، لماذا سقطت مدينة الرقة خلال ساعات قليلة .. ولماذا ما زالت "" كوباني " تقاتل أسابيع متوالية .. في حرب مفتوحة على الزمن .. وعلى المزيد من التضحيات والبطولات .

إن معركة " كوباني " ، فضحت زيف التحالف الدولي المؤلف من خمسين دولة في تحديد أهدافه ، بادعائه العجز عن ، إبعاد وحشية داعش عن عمرانها وأبنائها . فيما هو يناور ويخادع باسم الحرب على الإرهاب لإسقاط الدولة السورية وتدميرها . وفضحت انتهازية ولؤم الديكتاتور العثماني أردوغان ، الذي يشاهد المذبحة في كوباني بأم عينه ، ولا يتحرك ضد داعش ، بل يتآمر لاقتناصها والتمثيل بوجودها وانتمائها الوطني والقومي . وفضحت كذب وتقاعس المجتمع الدولي ، الذي يتقن عقد المؤتمرات وإطلاق التصريحات من أجل " الإنسانية المعذبة " . ولا يقوم بأي عمل جاد لإنقاذ " كوباني " من المحرقة .

إن معركة " كوباني " درس في الوطنية والانتماء القومي . ودرس في الدفاع عن الوجود لكل السوريين .. ولكل المستهدفين في حروب الإرهاب الدولي . وهي مثال يحتذى في مواجهة أعتى وأسوأ جيوش الإرهاب الدولي ، فهذا الوحش الذي يقطع الرؤوس ، ويأكل قلوب وأكباد ضحاياه ، ويسبي الحرائر ، ويخطف ويغتصب الأطفال ، ويدمر البيوت والتراث والتاريخ ليبدأ تاريخاً همجياً متوحشاً .. لم يرهب " كوباني " . بل واقتحم شبابها وصباياها مواقعه وأثاروا الرعب بين مقاتليه .

إن معركة " كوباني " منحت كرد سوريا شرف حق تقرير المصير .. وشرف الصمود في حرب سوريا المصيرية الكبرى .

وسواء سميت هذه المدينة السورية البطلة .. الصغيرة مساحة وعدداً .. الكبيرة بصمودها وتضحياتها .. " كوباني " أم سميت عين العرب .. أو عين العرب " كوباني " .. هي في عيوننا وقلوبنا . لقد سّعر تحديها الأسطوري للإرهاب الدولي والتوحش .. سّعر فينا مشاعر الشموخ والعزة والوطنية وحب الحياة .. وشّد بدواخلنا أكثر إرادة التمسك بالوجود الوطني والإنساني والكرامة

لك النصر يا " كوباني " على الإرهاب المتوحش وكل أعداء الحرية والإنسانية .. ولك كل الإجلال والاحترام ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع


.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف




.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا


.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟




.. اليمين المتطرف يتصدر نوايا التصويت حسب استطلاعات الرأي في فر