الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 2

رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)

2005 / 8 / 22
الادارة و الاقتصاد


في الشؤون الاقتصادية
ـ الثروة وسيلة مهمة جدا في حياة الانسان والمجتمع وهي مصدر قوة لهما , فهناك علاقة وثيقة بين الثروة والقوة , ان من يملك ثروة فهو يملك قوة اقتصادية , والقوة الاقتصادية تؤمن للانسان الحماية والديمومة , الحماية من نكبات الطبيعة او نكبات الدهر , والديمومة كتعبير عن التواصل مع الحياة الكريمة بشروطها ومتطلباتها . ولكن ما هي الثروة ؟ وما هي مصادر الثروة للبشر فردا ومجتمعا ؟ وهل الثروة قابلة للنمو والتكاثر , وكيف السبيل الى ذلك ؟ لماذا نجد في المجتمع أناسا أغنياء وأناسا فقراء ؟ لماذا تختلف الشعوب في مقدار ما تمتلكه من الثروات فنجد شعوبا غنية وشعوبا فقيرة ؟ واذا كانت ثروات الشعوب تنبع أساسا مما تمتلكه من ثروات طبيعية , فلماذا تختلف قيمة هذه الثروات الطبيعية ؟ ما هي العوامل التي تحدد قيمة المادة الخام المستخرجة من الطبيعة ؟ لماذا لا تحتفظ المواد الخام المستخرجة من الطبيعة بأسعار ثابتة ؟ لماذا لا يتم ربط الاجور في كل بلد بأسعار الثروة الطبيعية التي ينتجها , فترتفع بارتفاعها وتنخفض بانخفاضها؟ هذه الاسئلة كلها تدور في الذهن وسنحاول الاجابة عليها .
الثروة للفرد هي كل ما يملكه الفرد من الاموال النقدية او العينية المنقولة وغير المنقولة , والتي يمكن ادخالها في العمليات التجارية كالبيع والشراء أو التأجير أو المقايضة بشرط توفر حق الملكية لتكون العملية قانونية . أما الثروة للمجتمع فهي كل ما يمتلكه البلد من الثروات الطبيعية المادية والزراعية والحيوانية ومن الطاقات البشرية المنتجة , والتي يمكن ادخالها في العمليات التجارية المذكورة آنفا. ونستطيع ان نصنف ثروات الشعوب الى ثلاث اصناف رئيسية وكل منها يصنف الى اصناف فرعية:
1) الثروات الطبيعية المادية : وتشمل أ ـ الثروات في باطن الارض ( النفط , المعادن , الاحجار الكريمة , الاملاح) ب ـ الثروات فوق سطح الارض ( تربة صالحة للزراعة , مياه صالحة لارواء المزروعات , مواقع سياحية , مواقع جغرافية استراتيجية ) ج ـ الثروات في البحار والمحيطات
2) الثروات الطبيعية الحية : وتشمل جميع الكائنات الحية من النباتات والحيوانات البرية والمائية والجوية التي يستفاد منها كغذاء او لاغراض أخرى
3) الثروة البشرية : وتشمل أ ـ الايدي العاملة المنتجة او الخدمية . ب ـ العقول المبدعة في الابتكارات اوالتصاميم .
ان المصدر الوحيد للثروات هو هذا الكوكب الذي نحيا عليه , لن يأتينا الذهب من خارج هذا الكوكب , ولن نحصل على النفط في الكواكب الاخرى , ولا وجود للزراعة خارج كوكبنا , ان هذا الكوكب الذي نحيا عليه هو كل ثروتنا نحن البشر , وبفضل العقل الانساني المبدع الخلاق استطاع الانسان ان يستفيد من هذه الثروات من خلال اكتشافه للزراعة ومن خلال اكتشافه تحويل الخامات الى معادن وكان تحولا عظيما في مسيرة الحضارة البشرية عندما استطاع الانسان القديم ان يصنع ادواته من البرونز فسمي عصره ذاك بالعصر البرونزي , ولكن الثروات الطبيعية التي يحتويها هذا الكوكب ليست موزعة بالتساوي او بالعدالة على شعوب الارض , الطبيعة لم تمنح ثرواتها بالعدالة على ابنائها لا من حيث مقدار هذه الثروة ولا من حيث القيمة المادية لها , فالدولة التي تمتلك طن واحد من الذهب تعتبر أغنى من الدولة التي تمتلك مائة طن من الخارصين ولا تمتلك شيء من الذهب ,ان القيمة السعرية لاي ثروة طبيعية تتحدد استنادا الى جملة عوامل متغيرة زمانا ومكانا , من هذه العوامل مقدار الحاجة لها ومقدار الجهد المبذول في استخراجها ومقدار مقاومتها لتأثيرات الزمن دون حصول تغييرات في مواصفاتها . ولكننا نعتقد ان ليس بالثروة الطبيعية فقط تغنى الشعوب , الثروة الطبيعية لها اهميتها ودورها في تسهيل البناء الحضاري لاي شعب من خلال توفير المستلزمات المادية لهذا البناء , ولكنها ليست بمفردها تصنع الحضارة , الحضارة يصنعها العلم والعمل حتى وان لم توجد الثروة الطبيعية , العلم والعمل ليسا من منح الطبيعة وانما نتاج جهد الانسان ذاته . ان قيمة البشر متساوية حتى وان اختلفت ثرواتهم , لا تقاس قيمة البشر بما يمتلكون من ثروات لان ذلك لا يستند على أي اساس من العدالة , نعم الثروة لها اهمية في حماية القيمة الانسانية ولكنها لا تغير من هذه القيمة , الثروة وسيلة حماية وليس معيار قيمة , ان القيمة الانسانية ترتكز على ثلاث ركائز وهي ( الفضيلة ـ المعرفة ـ العمل ) فكل ركيزة من هذه الركائز هي معيار قيمة انسانية , والمعايير الثلاثة مجتمعة تمنح الانسان قيمته الانسانية كاملة , فلا قيمة للعلم ولا قيمة للعمل ان كانا معدومين من الفضيلة والاخلاق , واما الثروة فهي وسيلة الحماية لهذه المعايير , بدون المال تصبح الفضيلة مهددة بالسقوط ويصبح العلم مهدد بالانحراف ويصبح العمل مهدد بالتوقف وعندما تحدث البطالة تولد الرذيلة . واستطيع ان اشبه من يمتلك معايير القيمة الانسانية الثلاثة ولا يمتلك ثروة كانسان يسكن في بيت جميل ونظيف ولكن هذا البيت خال من الابواب والشبابيك , ومن يمتلك الثروة ولا يمتلك معايير القيمة الانسانية الثلاثة كانسان يمتلك قطعة ارض محاطة بسور ( سياج ) لغرض حمايتها ولكن لا يوجد فوق هذه الارض مبنى للسكن .
ـ الثروة قابلة للنضوب مع الزمن , والنضوب هنا لا يعني التحول الى عدم وانما يعني التحول الى شكل آخر او الانتقال الى مكان آخر , فهي هنا كالطاقة في تحولها من شكل لاخر وهي كالمادة في انتقالها من مكان لاخر , ولكي نحافظ على ممتلكاتنا من الثروة ولا نفقدها يجب ان نحولها الى كائن حي يتمتع بالحركة والنمو والتكاثر , وهذه العملية تسمى الاستثمار , الاستثمار هو جعل الدماء تجري في عروق الاموال فتنمو كما تنمو الاشجار , الاستثمار يشبه عملية الزراعة , من يزرع حبة واحدة يحصد حبوب ولكن بشرط ان يحرص على مزروعاته من عوامل الضرر او الهلاك , فلا يبذر البذور الا في التربة المناسبة وفي الوقت المناسب وعينيه دائما على حقله لتوفير العناية والحماية . ان الاموال هي كائنات حية من صنع البشر وهي قابلة للولادة والموت , الربح هو ولادة والخسارة هي موت , وكلاهما الربح والخسارة احتمالين قائمين في العمليات التجارية , في الطبيعة موت الكائن الحي يعني عودة مادته الى الطبيعة لتنتقل فيما بعد الى كائن حي آخر استنادا الى دورة المادة في الطبيعة , وفي التجارة موت المال يعني انتقاله من مكان الى آخر استنادا الى دورة المال في المجتمع .
ـ القرض هو مبلغ يعطى لأجل معين ثم يسترد كل او على أجزاء عند انتهاء الاجل المحدد , قد يكون القرض بفائدة او يكون بدون فائدة حسب الاتفاق , اما المنحة فهي مبلغ يعطى ولا يسترد . الربا مفهوم تجاري قديم ورد في الاديان يقصد به الفائدة المترتبة على المبلغ المقترض ويكون مقدار هذه الفائدة حسب الاتفاق بين الطرفين المقرض والمقترض , اننا نرى ان الفائدة التي تفرض على القرض هي حق منسجم مع قوانين الطبيعة اذا كان القرض يستخدم لاغراض صناعية او زراعية او خدمية تجارية , ولكن اذا كان القرض يستخدم لاغراض ذات طابع انساني خيري فلا يجوز فرض فائدة عليه , والفائدة التي تفرض على القروض نوعين , فائدة ثابتة بنسبة مئوية محددة , وفائدة متغيرة ايجابا أوسلبا حسب مقدار الربح او الخسارة , النوع الاول يكون بين طرفين ينعدم وجود الثقة بينهما والنوع الثاني وهو الافضل ولكن يشترط فيه وجود الثقة بين الطرفين . المال كائن متحرك قابل للنمو وقابل للموت , الربح هو نمو للمال أوتكاثر أوانتشار , والخسارة هي موت للمال أو تناقص أو اندثار, ومن هنا نعتبر الربا كفائدة تستوفى عن القروض التجارية والاستثمارات هو أسلوب مقبول ومنطقي وينسجم مع قوانين الطبيعة . ان المكانة الكبيرة والمحبة العظيمة التي يتمتع بها المال في قلوب البشر وفي عقولهم تجعلنا نحذر من خطورته التي تكمن في انه قد يكون فتنة ويكون سببا في هدم العلاقة بين الابن وأبيه أو بين الاخ وأخيه أو بين الزوج وزوجته وهذا يؤدي الى تفكك الروابط الاسرية وبالتالي تمزق النسيج الاجتماعي ومن هذا المنطلق نحن ننصح بان يكون الاقتراض من الدولة مقابل الفائدة التي تضعها الدولة على قروضها بدلا من اقراض الناس بعضها لبعض حفاظا على سلامة البناء الاجتماعي .
ـ المال بحد ذاته ليس غاية وانما هو وسيلة لتحقيق سعادة الانسان وحماية الكرامة الانسانية وتحقيق رفاهية المجتمع , نحن لا نحب الفقر لاننا نراه اذلال لكرامة الانسان ولا نحب الغنى الفاحش لاننا نراه افساد لضمير الانسان ,ان للمال تأثير على الانسان كتأثير الماء على المزروعات , فالجفاف يهلك المزروعات والفيضان يفسد المزروعات , اننا نعتبر مكافحة الفقر والحرمان في المجتمع هو بحد ذاته حماية للمجتمع وهو من مسؤولية الدولة , وحتى تتمكن الدولة من الاضطلاع بهذه المسؤولية الضخمة فانها بحاجة الى الثروة , بالثروة تتمكن الدولة من تحقيق برامجها التنموية والخدمية وتتمكن من القضاء على البطالة والقضاء على المرض والقضاء على الجهل والامية ,ان السياسة الاقتصادية لاي حكومة يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة العلاقات الاجتماعية في مجتمعها , فالعلاقة جدلية بين الاقتصاد والمجتمع , ونحن نعتقد ان سياسة الاقتصاد الحر تناسب طبيعة العصر الذي نحن فيه , وهذا يدفعنا الى تبني سياسة تشجيع ودعم القطاع الخاص وفسح المجال له ليقود عجلة النشاط الاقتصادي , ولكن في نفس الوقت تمارس الدولة دور الراعي لحقوق الفقراء في العيش الكريم من خلال توفير العمل لهم وتأهيلهم ورفع كفائتهم ومنحهم القروض وتوفير كل مستلزمات انعاش حياتهم الاقتصادية , وعلى الدولة ان تشرع القوانين الضريبية المناسبة لمنع النمو السرطاني لثروات الاغنياء في المجتمع حماية للمجتمع قبل ان تتحول هذه الثروة الى اداة افساد للذمم والضمائر . المال وسيلة مزدوجة الاستخدام فيجب ان نحسن استخدام هذه الوسيلة فنجعلها في خدمة مفاهيم وقيم الحق والخير والانسانية فلا نجعل حب المال يمنعنا من رؤية الحق او يحرمنا من سماع صوت الضمير او يبعدنا عن الاحساس بالخير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسبوع وما بعد | قرار لبوتين يشير إلى تحول حرب أوكرانيا لصر


.. بنحو 50%.. تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل




.. العربية ويكند الحلقة الكاملة | الاقتصاد مابين ترمب وبايدن..و


.. قناطير مقنطرة من الذهب والفضة على ضريح السيدة زينب




.. العربية ويكند | 58% من الأميركيين يعارضون سياسة بايدن الاقتص