الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسس المعرفية لمحاربة الارهاب

ئارام باله ته ي

2014 / 10 / 11
الارهاب, الحرب والسلام


الأسس المعرفية لمحاربة الإرهاب
يتفق جل الباحثين في مجال مكافحة الإرهاب، أن الأمر يعدوا توجيه الضربات العسكرية واتخاذ الإجراءات الأمنية، بغية القضاء على آفة التطرف والإرهاب، إذ أن للموضوع أبعاد اجتماعية دقيقة لابد من التعامل معها على قدر كبير من الاحترافية المتعلقة بعلوم إنسانية بحتة على صلة مباشرة بالفلسفة والاقتصاد وعلم الاجتماع ككل متكامل . إن هذه الأمور يجب أن تدرس وفق طريقة بنوية شاملة حتى يتسنى الوقوف على الظروف المكونة للإرهاب وخلق الحواضن .
إن التنشئة المجتمعية لأية فكرة انتقامية ثأرية أو أية وسيلة عنفية متبعة من قبل مجموعة معينة، تحتاج إلى مجموعة من العوامل والتراكمات التي تهيئ البيئة الملائمة لنشر هذه الفكرة وجمع الأتباع لها . ومن أهم العوامل التي تخلق العنف، سواء العنف الثوري المبرر أو حتى الذي يوصف بالإرهابي هي:
1- الايديولوجيا 2 – الظروف المعاشية والنفسية 3 – الترويج لقضية ما
فعلى صعيد الايديولوجيا، لا يمكن لأية جماعة أو حركة أن تقوم بعنف منظم دون وجود نوع من الايديولوجيا التي تضفي الشرعية وتخلق القناعة، لأجل كسب الأنصار والمؤيدين، ذلك أن إستحضار القيم والمعتقدات والرموز التراثية تؤدي دورا عميقاً في النفوس وتجعلها مهيأة للإنغماس في أية جماعة . وإن أخطر نقطة في هذا المجال هي عندما تنجح الجماعة العنفية في خلق هوية خاصة لمجموعة من المهمشين والأفراد الذين يعيشون في ظروف متأزمة، إذ أن ما يفسر ظاهرة انبعاث الهويات داخل المجتمع هو الاضطهاد والشعور بالحرمان النسبي وعدم الاعتراف الذي يلقاه أبناء جماعة ما أو فئة ما أو أناس يشتركون في قضية ما، من قبل الجماعات المسيطرة، وحيث أن الإنسان يحكمه نزعة البقاء والحفاظ على الذات، فإن ذلك يبعث على الصراع مع الطرف الذي يشعر بظلمه، وأستذكر هنا قول العلامة (علي الوردي) الذي يؤكد على أن الشعور بالظلم أكثر تأثيرا من الظلم نفسه، أي أنه ليس بالضرورة أن يكون الظلم قائما بحد ذاته، بل يكفي الشعور به لكي يكون ذلك محرضا على الصراع واستعمال العنف . وفي حالة الدولة، فإن قصورها عن توفير الأمن والحفاظ على النظام وانتهاج العدالة الاجتماعية، يؤدي بالأفراد إلى اللجوء للجماعات التي سبقت وجود الدولة بحثاً عن وضع حالم (يوتوبيا) مغروس في الذاكرة الجمعية .
أما الظروف المعاشية والنفسية، فهي تمثل الحاضنة الحقيقية للايديولوجيا، إذ بدون توفر ظروف مواتية لنشر فكرة أو عقيدة، فلن تكون أكثر من صدى في وادي، حيث أن أية بذرة تحتاج إلى بيئة ملائمة للنمو، ومثل هذه الأحداث مثبتة في التاريخ على مر العصور، ويكفي أن نشير إلى أن الدعوة المحمدية أعقبت حركة الأحناف الموحدين في شبه الجزيرة العربية، أي أنه لابد من فكرة ممهدة أو ظروف معينة تسبق الفكرة الرئيسية . من أجل ذلك كله، فإن الظروف الاقتصادية السيئة والحالة الاجتماعية المزرية والمعاناة النفسية جراء واقع صعب، يدفع بالناس إلى البحث عن ملاذ آمن يعوضون به إخفاقهم في مجالات الحياة المختلفة، فيقعون فريسة سهلة بيد إيديولوجيا تعطيهم الأمل في الحياة من جديد أو تمنحهم القدرة والمبرر على الانتقام ممن تسبب بما يشعرون به من خلال غطاء من القناعة والرضى الوجداني .
وبالنسبة للترويج لقضية ما، باعتبار ذلك أيضا عاملاً مهماً في خلق ثقافة عنفية ضد الآخر . فإن الايديولوجيا والظروف المعاشية، قد تكونا غير كافيتين لانطلاق شرارة العنف، إذ لابد من الترويج لقضية مركزية في أي صراع عنفي حتى تكتمل مسببات العنف، حيث أن الترويج لعدم اهتمام النظام بالتنمية العادلة هو الذي يفسر للناس سوء أحوالهم المعاشية، ويتسلحون بالايديولوجيا لتغيير تلك الأحوال . وهكذا أستغل الاحتلال السوفيتي الشيوعي (الكافر) كقضية مركزية لاستقطاب (الجهاديين) من خلال ايديولوجيا دينية تشجع على محاربة كل من يعتدي على المسلمين، في حين اسُتعِمل الترويج لمسائل (الهوية) كقضايا محورية في معظم صراعات القرن الماضي .
إن محاربة الإرهاب أو التطرف أو التشدد يستوجب الوقوف على هذه النقاط التي ذكرناها، وإلا فإن الحلول لن تكون ناجعة على المدى البعيد حتى وإن قللت أو خفت من آثار العنف، لأن الأمر يتطلب حلا جذريا يتعلق بنزع أوراق القوة لدى الأطراف التي تستخدم العنف، إذ أن شعور الناس بمبدأ المواطنة والمساواة وعدم الإضطهاد، وعدم ترك قضية جوهرية تستخدم كمبرر، سوف يقلل من تأثير الايديولوجيا التي تروج للعنف لعدم قناعة الناس بها مادامت مصالحهم محفوظة واحتياجاتهم مضمونة . وهنا مربط الفرس، ولا أتفق أبداً أن محاربة التطرف بالفكر والايديولوجيا المضادة تمثل حلاً نهائيا لإستئصاله، بل أنها يمكن أن تكون جزءاً من المشروع الذي تطرقنا له، أي أنه يتوجب البحث عن تغيير ظروف الناس أولاً وقبل كل شيء ثم المطالبة بتغيير أفكارهم ومعتقداتهم .
دعونا نختم هذه المقالة بما حدث مؤخراً في العراق من سقوط الموصل وعدة مناطق أخرى على يد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ، وكيف أنها استخدمت ايديولوجيتها الدينية المتشددة في ظل تذمر العرب السنة من الحكومة المركزية، وتعرضهم أو شعورهم بالتعرض للتهميش والغبن والاضطهاد، وسوء أحوالهم المعاشية في شتى مجالات الحياة من جراء ممارسات حكومة (شيعية) تحكم بغداد، هذا في ظل ترويج (داعش) لرفع راية الدفاع عن قضية (السنة) ونصرتهم . وهكذا وجدت (داعش) لنفسها الحاضنة الاجتماعية وجندت في صفوفها المزيد من الشبان اليائسين من ممارسات الحكومة التي رأوا فيها إقصائية وطائفية، وسواء صح ذلك أم لم يصح، فإن ظروفهم وظروف البلد دفعتهم ليقتنعوا بايديولوجية (داعش) التي تضرر منها كل من ينظر إلى نفسه كإنسان، ولكن بعد فوات الكثير من الأوان .
ئارام باله ته ي
باحث في مجال دراسات السلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟