الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحاديث مع فتاة نت: 2 (الراوي)

يوسف المساتي

2014 / 10 / 12
الادب والفن


تقدم الي ببطء، وقد نحل جسده، وثقلت خطوته على غير عادته، ذلك أنه كان معروفا بخفة حركته وسرعة خطواته، ما كان مبعث مداعبتي له أحيانا كثيرة، وكثيرا ما كان معارفه ينادونه "بالقطار"، بيد أنه هذه المرة يبدو على نقيض ما اعتدته منه، بوجه شاحب كالقمر، ولحية كثيفة كسته كأشجار غابة استوائية لم تمتد إليها يد البشر بعد لتفتض بكارتها، كان منكسرا انكسارة جندي منهزم في معركته الأخيرة، وفي الآن نفسه يحاول ان يخفي ما يعتريه لكن جسده وحركاته يتمردان عليه ليقولا نيابة عنه انه يحتضر صامتا.
نظر الي نظرة يتيه المرء داخل ما تحمله من معاني، وما تحتويه من أسرار ومن أحزان، وابتسم ابتسامة ميت في جنازته، ثم صافحني بيد ثلجية، وإن أحسست به وقد علته حرارة غير طبيعية، قبل أن يمد إلي رزمة من الأوراق وقد سرت في يديه ارتعاشة غريبة، وشعلة حزن لمعت في عينيه منكسرة
- خذ، هذا انا، لقد عرفتني، لكنك لم تعرفني، وهنا ستعرفني، وان كنت لا زلت اسال نفسي هل عرفتها؟؟ ام عساي لم افعل؟؟
كان صوته متهدجا، يملؤه الحزن، كأنما يحمل جبلا من الاحزان على ظهره، او لعلها صخرة سيزيف كما كان يحلو له ان يقول عن نفسه في لحظات مكاشفة قليلة، حاولت ان استوعب كلامه، اعدت ترتيب جمله، واعتقدت في البداية انها لوثة قد اصابته من فرط عزلته عن الناس، حتى صار غريبا عنهم وربما عن نفسه، وقبل ان انبس بكلمة، عاد ليبتسم ابتسامته الميتة، كما لو ادرك ما يدور بخلدي وتلك الزوابع التي خلفها كلامه
- اعلم انك لا تفهم، عندما تقرا ستفهم كل شيء، قد تشفق علي، قد تسخر مني، لا اعرف؟؟ كل ما اعرفه اني اترك معك مضغة مني، اصنع منها شخصا اخر، يكون انا ولا يكونه في الان ذاته، يكونني بأفراحي، بذكرياتي، بآلامي، بانكساراتي، بنجاحاتي، لكن لا تجعله بنهايتي، انا الان راحل قد اعود، وقد لا اعود، لكن ارجوك لقد فشلت في كل شيء فلا تجعل الفشل يطاردني قدرا ملازما لي، اعد تشكيلي من جديد، اخلق شيئا مني لا يكونني في الان نفسه
قبل ان استوعب كلامه او افهمه، صافحني بيده الباردة، واستدار ليغيب وقد ترك زوابعا في راسي لا تعرف الهدوء، ويم من الظنون يلقيني بين امواجه العاتية في كل اتجاه، وبين يداي رزمة من الاوراق، احسستها تحمل من الاسرار ما ناءت به الجبال، واسطرها قد تكشف بعضا من اسرار هذا الكائن.
صحيح اني عرفته منذ مدة طويلة، لكني احيانا كثيرة كنت احس اني لا اعرفه، فهو قليل الكلام لا يتجاوز ابتسامة خفيفة، وبضع كلمات، يظهر حينا، ويختفي احيانا، وبداخله علبة مغلقة من الاسرار التي لا يعلم كنهها الا صاحبها، مهما حاولنا اقتحامه كنا نجد امامنا جدار اسمنتيا يأبى ان يسمح لاحد بالعبور له.
عوالم دارت في راسي، وتهت في خرائطها المبتورة، وجغرافيتها المفتقدة لأي عوالم، فقررت ان اخوض غمار التجربة واعتكفت على تلك الرزمة علي اقرا خارطة صديقي واعيد اكتشافه من جديد، كانت اوراقه متنوعة، مختلفة، كأنما كتبها اشخاص عديدون، او هي ذوات كانت تسكن صديقي، لا رابط بينها الا الاحمر القاني، اللون الذي كتبت به الاوراق.
خاب ظني، فقد ظننت تلك الرزمة تفك بعضا من شفرات صديقي، فاذا بها تدخلني في متاهات لا تنتهي، دب الياس قلبي واستنكفت عن قراءتها او اكمالها، لكن تذكرت رجاءه، تساءلت ايكون كل ذلك مجرد لوثة ام ان في الأمر ما فيه، قررت المحاولة من جديد، اعدت تركيبها من البداية، وفجأة، بدأت سحب الحيرة التي خلفها في راسي تنجلي، واقتربت صورته مني حتى بدأت اتقمصه احيانا، وانطق بلسانه احيانا اخرى، وافكر بعقله، كأنما حلت في، او انا من حللت في رزمة اوراقه، مكتشفا عوالما تجول بداخلي قبل ان تكون بداخله.
اني اعترف، وانا اعيد ترتيب اوراق صديقي، اني اجد نفسي تنسل اليها رغما عني، او لعلها رغبة دفينة كانت تتطلع الى الانعتاق، فجاءت فرصتها لتنعتق في رزمة صديقي، وقد وعيت آنذاك لماذا تركها عندي، وقررت ان اصنع من مضغته شخصا اخر، انا هو، وهو صديقي، وصديقي هم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو