الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة السريالية

يحيى البوبلي

2014 / 10 / 12
الادب والفن


عرض موجز

أنشئت الحركة السريالية في باريس بواسطة مجموعة صغيرة من الكتاب والفنانين الذين حاولوا إيجاد منفذ لللاوعي كطريقة لتحرير قوة المخيلة. عبر ازدراء العقلانية والواقعية الأدبية، وبتأثر كبير بسيغموند فرويد، آمنت السريالية بأن العقل الواعي يكبت قوة المخيلة، من خلال إثقالها بهاجس المحرمات. وبتأثر السرياليين أيضاً بكارل ماركس، رجوا بأن يكون للروح القوة للكشف عن التناقضات في العالم الذي نعيش فيه والدفع نحو الثورة. تركيز السرياليين على قوة المخيلة يضعهم في خانة الرومانطيقية، لكن على العكس من أسلافهم الرومانطيقيين، آمن السريالييون بأن الإلهامات يمكن أن توجد في الشارع وفي الحياة اليومية. الدافع السريالي للاستماع لللاوعي، والاهتمام بالأسطورة والرموز البدائية، اتجه لتشكيل التعبيرية التجريدية، وبقيت السريالية مؤثرة إلى اليوم.

أفكار مفتاحية

*تعتبر السريالية أكثر حركة مؤثرة في فن القرن العشرين. أعلام مثل سلفادور دالي ومان راي كان لهم تأثير كبير ليس فقط على الفن المعاصر، بل ساهموا أيضاً في جلب الطراز السريالي لجمهور ضخم، من خلال أعمالهم الدعائية في الأزياء والإعلانات والأفلام. بعد موت الحركة الأدنويّة(1 )في الستينات، عاد تأثير السريالية للفن، ومنذ السبعينات حازت اهتماماً كبيراً من مؤرخي الفن.
*تأسست السريالية رسمياً عام 1924، عندما كتب أندريه بريتون بيان السريالية. عرّف في هذا البيان السريالية على أنها "التلقائية النفسية في حالتها النقية، التي ينوي من خلالها الفرد التعبير -بالكلام، أو عبر الكلمة المكتوبة، أو أية طريقة أخرى- عن الدور الفعلي للفكر." يقترح بريتون بهذا التعريف أن على الفنانين السعي للنفاذ للاوعيهم حتى يخلقوا فناً مستوحى من هذه المملكة.
*في البداية كانت السريالية حركة أدبية. ساد التردد عند العديد من السرياليين حول إمكانية الرسم السريالي، لكن في النهاية تبنى أندريه بريتون الرسم وروّج له. أعمال الرسامين السرياليين مثل خوان ميرو سيكون لها تأثير هام على التعبيريين التجريديين في الأربعينيات.

البدايات

على الرغم من أن الحركة السريالية أنشئت رسمياً عام 1924، إلا أن مصطلح السريالية صيغ لأول مرة عام 1917، عندما استخدمه غيوم أبولينير خلال كتابته الملاحظات التعريفية لعرض الباليه "الموكب" الذي اشترك في كتابته بابلو بيكاسو وليونيد ماسين وجان كوكتو وإريك ساتي. بدأت السريالية كمجموعة أدبية متحالفة بقوة مع الحركة الدادائية(2)، وبرزت في أعقاب انهيار الدادائية في باريس، عندما اصطدمت حماسة أندريه بريتون لجعل المجموعة ذات غاية، مع أفكار تريستان تزارا. سيكون بريتون – الذي يوصف أحياناً بأنه "البابا" للسريالية – أهم شخصية في الحركة، المدير الذي أعطت قيادته القوية التماسك للحركة خلال العديد من التحولات حتى وفاته عام 1966.

المفاهيم والأساليب

شاركت السريالية الحركة الدادائية بكثير من أفكارها الضد-عقلانية. مع هذا، أراد بريتون –الذي كان جزءاً من المجموعة الدادائية- أن يؤسس حركة يستطيع الفنانون من خلالها الاتحاد للاحتجاج على الحرب عن طريق النفاذ للأفكار في اللاوعي. نظم السرياليون الباريسيون الأوائل أنشطة جماعية لمحاولة إنقاذ للأوضاع السياسية العنيفة ولمعالجة ما أحسوا به من قلق تجاه الشكوك في هذا العالم. كان السرياليون مهتمين بكشف العوالم الداخلية للجنس والرغبة والعنف بما فيها من تعقيد، وعزز الاهتمام بهذه المواضيع سلوكاً متجاوزاً للخطوط الحمراء. خضع العديد من الفانين للتحليل النفسي لدراسة واستئصال مشاعرهم وسلوكاتهم الكامنة كعلاج من القوانين والأخلاقيات المقيِّدة والمكبوتة في المجتمع، حسب اعتقادهم.

أنشأ السرياليون أعمالاً إبداعية كشفت عن الأفكار الداخلية للفنانين بطرق غريبة ورمزية، لرفع الغطاء عن مكامن القلق وعلاجها تحليلياً عبر وسائل بصرية. رسم السرياليون صوراً مستمدة من الأحلام ورموزاً مشتقة من لاوعيهم. كان الفن التلصيقي(3) مهماً للسرياليين، حيت اعتقدوا أنه يتطرق لللاوعي عبر خلق تقاربات غير ممكنة بالاعتماد على مخيلة الثقافة الشعبية. وظف السرياليون الفن التلصيقي في كل الأوساط ومنها الأفلام.

صعود السريالية وهبوطها

على الرغم من أن السريالية نشأت في فرنسا، يمكن التعرف على سلالات منها في مختلف أنحاء العالم. في فترة الثلاثينات والأربعينات تحديداً، انجذب الكثير من الفنانين لفلك السريالية، حيث عزز ازدياد الاحتجاجات السياسية واندلاع الحرب العالمية الثانية المخاوف بأن الحضارة الإنسانية أضحت في حالة أزمة وانهيار. ساعدت هجرة الكثير من السرياليين إلى أمريكا خلال الحرب الثانية على انتشار أفكارهم أكثر. إلا أن أفكار المجموعة بعد نهاية الحرب قد تعرضت لتحدٍ بصعود الوجودية. وفي الفن، حازت المدرسة التعبيرية التجريدية على السيطرة من خلال إبداع تقنيات ريادية للتعبير عن اللاوعي. أصبح بريتون مهتماً بشكل متزايد بالنشاط السياسي الثوري كهدف أساسي للحركة. كانت النتيجة تشتت الحركة الأصلية إلى أجزاء صغيرة من الفنانين. الفنانون أمثال بريتون، كروبيرتو ماتا، اعتقدوا بأن الفن سياسي بطبيعته. آخرون مثل إيف تانغي وماكس إرنست ودوروثيا تانينغ بقوا في أمريكا لينفصلوا عن بريتون. وبالمثل، عاد سلفادور دالي إلى إسبانيا، متمسكاً بفكرة مركزية الفرد في الفن.

التطورات المستقبلية

*التعبيرية التجريدية

في عام 1936، نظم متحف الفنون الحديثة في نيويورك معرضاً بعنوان "الفن الخيالي، الدادائية، السريالية"، وتأثر به العديد من فناني أمريكا. بدأ البعض مثل جاكسون بولوك بتجريب التلقائية في أعماله، وبمخيلة بدا أنها مستقاة من اللاوعي. هذه التجارب سوف تؤدي لاحقاً إلى رسوماته التنقيطية. وبشكل مشابه، قيل إن روبرت ماذرويل قد علق بين العالمين، إشارة إلى التجريد والتلقائية.
سرقت نيويورك بسرعة الأضواء من باريس باعتبارها المركز الناشئ للأعمال الجديدة، التي فضلت التطرق لللاوعي من خلال التجريد بدلاً من "الأحلام المرسومة باليد" لسلفادور دالي. أكد معرض بيغي جوغنهايم عام 1942 للفنانين المتأثرين بالسريالية (روثكو، غوتليب، ماذرويل، بازيوتيس، هوفمان، ستيل، بولوك) بجانب فنانين أوروبيين مثل ميرو وكلي وماسون، أكد على السرعة التي انتشرت بها المبادئ السريالية في مجتمع نيويورك الفني.

*النسوية والنساء السرياليات

كان ينظر إلى السرياليين عادة على أنهم مجموعة مقتصرة على الرجال، وتصوّر فنهم النساء كآخَر جامح على عالم الرجال المتحضر. صححت أعمال مؤرخات الفن النسوي هذا الانطباع، ليس فقط من خلال الإشارة إلى عدد من النساء السرياليات اللواتي كنّ ناشطات في المجموعة، خاصة بالثلاثينات، بل أيضاً من خلال تحليل الصور النمطية المتعلقة بالهوية الجنسية في الأعمال الفنية السريالية. وقد كرّست مجموعة من الناقدات النسويات العديد من الكتب والمعارض لهذه الغاية (نذكر منهن داون إيدس وماري آن كاوز وويتني تشادويك).
وبينما قام معظم السرياليين الذكور، خاصة هانز بيلمر ومان راي وسلفادور دالي بتحوير هيئة المرأة وتصويرها كمصدر للوحي، بطريقة مشابهة لما قام به الفنانون الذكور لقرون، بحثت مجموعة من الفنانات السرياليات عن علاج لإشكالية الاعتماد على التحليل النفسي الذي غالباً ما ينظر للمرأة بصورة مشوهة. وبالتالي خاضت مجموعة من السرياليات تجارب مع لبس ثياب الجنس الآخر، وتصورن أنفسهن كحيوانات أو مخلوقات أسطورية.


1 الأدنوية(Minimalism): ظهرت الأدنوية في الستينات استجابة للفائض الإيمائي والأوتوغرافي للتعبيرية التجريدية. أنشأ ممارسوها الأوائل أجساماً هندسية ضخمة وهياكل متسلسلة و مستويات متشابكة مبسطة.
2 الدادائية (الدادا Dada): ظهرت الدادائية في بداية العشرينات كحركة أدبية وفنية احتفلت بالصدفة العشوائية، والأعمال الفنية الجاهزة، والعروض الفاضحة. سخر ممارسوها من التقاليد البرجوازية، خاصة تقدير الهدف من وراء العمل الفني.
3 الفن التلصيقي(Collage): فن بصري يعتمد على قص ولصق العديد من المواد معاً، وبالتالي تكوين شكل جديد.


ترجمة: يحيى البوبلي
المصدر: موقع قصة الفن
TheArtStory.org








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعات وفاته




.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع


.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله




.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك