الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنعدام فرص الديمقراطية في العالم العربي

منعم زيدان صويص

2014 / 10 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الديمقراطية لن تنجح في العالم العربي. هذا كان رأي جزء ليس بالقليل من المحللين العرب والأجانب قبل إندلاع الإنتفاضات العربية الحديثة واستفحال الفوضى التي تلتها. غير أن المؤمنين بهذا الرأي تضاعفوا أكثر من مرة بعد هذه الإنتفاضات، لا بل إن الذين يؤمنون بالديمقراطية العربية إنعدموا تقريبا، ومن ضمنهم الذين يكررون المقولة بأن حل المشاكل الناتجة عن تطبيق الديمقراطية يكون بمزيد من الديمقراطية، والذي يعني، عند الحديث عن الديمقراطية العربية، معالجة الفوضى بمزيد من الفوضى.

إن من أهم مبادىء الديمقراطيه هو السماح لكل الناس، على إختلاف معتقداتهم وخلفياتهم الإثنية، أن يعبروا عن آرائهم بشكل سلمي وبحريه منضبطة بالقوانين، وأن يكون هناك معارضة حره يحميها نظام الحكم ويدعمها ويمنحها مخصصات مالية لكي تنمو وتقوى لأن قوتها جزء من قوة البلاد واستقرارها وغناها الثقافي. متى وأين نستطيع أن نطبق هذه المبادىء بنجاح، وما هي الشروط التي يجب توفرها لذلك؟

هناك سببان رئيسيان لانعدام فرص الديمقراطية في العالم العربي. السببب الأول والأهم هو الإسلام السياسي الذي تتمسك به غالبية الشعوب العربية. كيف يمكن أن يكون هناك ديمقراطية عربية إذا كانت الشعوب العربية بوجه عام تهتم بدين المواطن، أو بمذهبه، وليس بوطنيتة، مهما كان هذا المواطن مخلصا لبلده و مضحيا في سبيلها؟ فالحروب الأهلية، أوبعبارة أصح المذهبية، في العراق وسوريا واليمن، تُظهر بوضوح أن المتحاربين لا يمانعون في تدمير وطنهم وتقطيعه إرَبا قبل أن يحكمه الفريق الذي ينتمي للمذهب الآخر.

الحكومة الدينية لا تستطيع أن تتعامل مع مبادىء الديمقراطية التي تنص على حرية الفكر وتعدد الآراء، والتي لا يعترف بها الحكم الثيوقراطي. إن الدين شيء مقدس في ضمائر المتدينين، وإذا طُبّقت المبادىء الدينية على المسائل السياسة ستصبح السياسة مقدسة، فكيف يستطيع المواطن أو السياسي أن يناقض أو يغير أو يعدل المبادىء السياسية المبنية على هذه القداسة ويتعامل، في نفس الوقت، بمرونة مع الدول على أساس المصالح المتبادلة الخاضعة للتغيير والتبديل؟ فأساس الدين هو الإيمان واليقين وأساس كل ما عداه هو الشك والتطور.

لم يكن الإخوان المسلمون يؤمنون بالديمقراطية، ومعظمهم إعتبرها غريبة عن الدين، لا بل معادية له، لأنها، كما يشير إسمها، معناها حكم الشعب، وهذا مبدأ لا ديني لأن الحكم، كما يقولون، هو لله. وكان الإسلاميون يصفون الديمقراطية بأنها من مخترعات الغرب "وكذبة من أكاذيبه." وكثير منهم كانوا مقتنعين أن الغرب المتنفذ لن يسمح لأي حزب إسلامي أن يربح أي إنتخابات عامة، وبرروا موقفهم على أساس ما حصل في الجزائر عام 1992 عندما اشترك الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية، وقبل أن تقفل صناديق الاقتراع، وعندما تيقن نظام العسكر الحاكم أن الإسلاميين سيكتسحونها، ألغوها وقمعوا الإسلاميين.

في عام 2006 جرت انتخابات في الضفة الغربية وغزة، وفازت حماس، ونستطيع أن نقول أن نجاح حماس في هذه الإنتخابات أحدث انقلابا في تفكير الإسلاميين الذين بدأوا منذ ذلك الحين يؤمنون بأن شكلا من أشكال الديمقراطية، كوسيلة للوصول إلى الحكم والبقاء هناك، مفيد لهم. والحقيقة أن فكرة الإسلاميين عن الديمقراطية خاطئة إذ أنهم يعتقدون أن الديمقراطية معناها ببساطة حكم الأغلبية. وهذا يعني دكتاتورية حزب، أو طائفة، وليس حكم الشعب. ولو أن حكم الأغلبية معناه ديمقرطية لكان حكم هتلر ديمقراطي، فقد إنتخب حزبَه الشعبُ الألماني الذي كان بشكل عام يتبنى مبدأ تفوق العنصر الألماني، فنظامه إذن عنصري. ولو أن حكم الأغلبية معناه ديمقرطية لكان حكم حماس في غزة ديمقراطي ولكان حكم الملالي في طهران ديمقراطي أيضا، وهو حتما ليس كذلك. لقد فشل الإسلام السياسي في حكم مصر وتونس، رغم نجاح الإسلاميين في الأنتخابات، وفشله ليس بسبب معاداة الغرب له بل لأسباب ومعارضة داخلية، فالغرب عموما أيّد ما أسماه "الإسلام المعتدل،" معتقدا أن هذا الإسلام سيقضي على الحركات الإسلامية المتطرفة.

سبب آخر يحول دون نجاح الديمقراطية في العالم العربي هو التعصب الشديد للعروبة أو ما يسمى الشوفينية العربية. فهناك تمييز بين الغالبية العربية والأقليات الإثنية في العالم العربي، وهذا التمييز، الذي يُضعف البلاد ويقوّض وحدتها، يأخذ أشكالا عديدة، وأهمها التمييز من ناحية اللغة والثقافة وفرص التعليم والوظائف. في العراق مثلا، أيام حكم البعث، شجعت الحكومة العائلات العربية على السكن في كركوك وبعض المناطق الكردية الأخرى لمنع الأكراد من تشكيل غالبية في تلك المناطق، وفي سوريا، على سبيل المثال، أطلقت الحكومة السورية إسم "عين العرب" على المدينة الكردية "كوبانى" التي تحاصرها هذه الأيام قوات الدولة الإسلامية. الأنظمة والشعوب في العراق وسوريا - وفي إيران وتركيا أيضا - تشك في ولاء الأكراد ولا تثق بهم. وها هي تركيا تقف متفرجة على كوباني المهددة باجتياح قتلة داعش. ومورس التمييز ضد الأيزيديين في شمال العراق قرونا طويلة قبل أن يهجّرهم ويشتتهم محاربو الدولة الإسلامية. وها هم الأمازيغ، في شمال إفريقيا، يعاملون كأنهم غير موجودين. وكمثال على وضع الأقليات في الدول الديموقراطية الحقيقية، يجدر بنا أن نذكّر بما حصل في سكوتلاندا الشهر الماضي.

بالإضافة للأسباب التي ذكرت، هناك معيقات أخرى مثل إنعدام ثقافة التسامح، والإصرار والتشجيع على الثأر ومحاولة الأفراد تنفيذ القانون بانفسهم، والعصبية القبلية أو العشائرية، ورفض الإمتثال للنظام العام، واعتبار ذلك ضعفا، وعدم الإعتذار عن الإساءة للآخر، وانخفاض المستوى الثقافي والإجتماعي.

الذين يؤمنون بالديمقراطية العربية هذه الأيام تتزعمهم قطروقناة الجزيرة، التي القت بثقلها خلف الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي، وكانت، قبل تكوين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، المتحدث الرسمي لجبهة النصرة التي تمثل القاعدة، ونصّبت نفسها متحدثا باسم الإخوان المسلمين المصريين، علما بأن قطر، ككل دول الخليج، يحكمها نظام عائلي ولا يمكن في يوم من الأيام أن يتحول إلى نظام إسلامي -- على الأقل ليس قبل 2022.

وفي ختام هذا المقال أود أن أُذكّر بأنه في أيام الحرب الباردة أعلنت عدة أنظمة دكتاتورية نفسها ديمقراطيات، مثل جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وجمهورية اليمن الديمقراطية والجزائر الديمقراطيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يصوت الناخبون يوما لذكاء اصطناعي؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ما تداعيات إلغاء إسرائيل -المحتمل- للإعفاءات المقدمة للمصارف




.. الانتخابات الأوروبية.. صعود اليمين | #الظهيرة


.. مارين لوبان تعلن استعداد حزبها لتولي السلطة إذا منحه الفرنسي




.. استقالة غانتس.. مطالبه وشروطه | #الظهيرة