الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مظلة من الكلمات

علاء جاسم المهندس

2014 / 10 / 13
الادب والفن


بعد اكثر من عشرين عاما كانت غير كافية لان تستوعب هذا الكم الهائل من الدمار الذي حل بالعراق ببنيته التحتية وبالنفس العراقية وماشابها من مشاكل عدة ,فكانت الحروب المتتالية التي لامبرر لها سوى انها استنزفت من الطاقات والارواح مااستنزفت ليعقبها مالايقل عنها دمارا وبشاعة من الجوع والفاقة ابان فترة ماسمي ب(الحصار الاقتصادي)..وماتلاها من عملية تحول جذري في هيكلية الدولة العراقية بحلوها ومرها ,ذاك التحول من النظام الدكتاتوري القمعي الذي حرق الاخضر واليابس الى نظام ثيوقراطي غير متوقع وغير محلوم به..بعد تلك الفترة الطويلة التي تجاوزت العقدين وبالذات منذ عام1991 غادرنا فارس عدنان ذلك الشاعر ابن الديوانية الذي ماكاد ان تتبناه مدينة البصرة ليدرس فيها ويدخل جامعتها فتكون البصرة هي معشوقته الجديدة ومدينته الروحية ..حتى مازالت عبارته التي يكررها دائما والتي سبق بها احلام مستغانمي عالقة في ذاكرتي منذ ذلك الوقت وهو يقول (المدن كالنساء وهل هنالك امرأة اجمل من البصرة )..غادرنا لينأى بجسده نحو الطرف البعيد عنا من هذا العالم ليكون لاجئا بجسده في اميركا ولتبقى كل جوارحه وروحه معلقة على ابواب الوطن المثخن بالجراح والاهات..
ها انا وبعد كل تلك السنين التقي به هنا وهو عائد الى معشوقته التي راها قد فقدت بريقها المعهود لتجمعنا من جديد افكارنا المشتركة فهو اليساري التوجه والمنبت وهوابن الشهيد الشيوعي عدنان حسين الذي عانقته حبال مشانق الدكتاتورية الفاشستية للبعث الحاكم انذاك..ليكون بعدها فارس حبيس غضبه وحزنه الذي من الصعوبة ان يستدركه احدا غيره او المقربين جدا منه ,بل على العكس كان من يراه يراه ذو وجه ضاحك مبتسم وصاحب طرفة يختبأ خلفها غيض مكظوم قسرا للحيطة والحذر من بطش نظام مجرم .
عاد فارس وهو يضع بين يدي ديوانه (مظلة من الكلمات ) والذي نشر في بيروت عن دار الفارابي في عام 2009 ليكتب لي الاهداء بعبارة الية غير محضرة مسبقا حسب اعتقادي ((لعل هذه القصائد ترمم سنوات فراقنا)) وها انا اقرأها لعلها ترمم الكثير..
الصور التي استشفيتها لم تكن بغريبة عما استشعره من اغوار تلك النفس الغائمة الاجواء ,تلك القريحة المتفتحة ,لتمطر من الكلمات الشفافة التي تلامس شغاف الروح والقلب فتثير في الاعماق الماً استطيع ان اسميه ب(الم الروح)..
مظلة من الكلمات هي المجموعة الشعرية الاولى للشاعر فارس عدنان محتوية على احدى وسبعون قطعة شعرية رسم من خلالها الشاعر صور شعرية تجسد معاناة الشاعر في رحلة سفره الطويلة وبعده عن وطنه الذي اقصى نفسه عنه قسرا بعد ان شارك في انتفاضة الشعب العراقي ضد صدام حسين عام 1991 لتكون حياته بعدها في خطر شديد احدق بحياته وحياة اخيه بصورة خاصة وامه التي فارقت الحياة فيما بعد وهي لم تنعم بلحظاتها الاخيرة ان تكحل عيونها برؤية ابنها المغترب فارس لتموت من غير ان يودعها وتودعه لينتكس فارس بعد فراقها وليعلن نفسه يتيما من الاب المعدوم والام الميتتة قهرا ومن الوطن الضائع في قبضة حاكم جلاد فكان الاهداء لمجموعته الشعرية هذه الى الاب والام وباشارة الى رحيلهما المبكر..
يوماً اخذوا الاب الى جدار ِ الاعدام
ووضعونا قسراً في جبهة حرب
رؤوسنا ,بأسم رب بعيد,كانت هدفاً
لقناص ٍ ما
وجلودنا منفضة سكائر لسجان ما
لقد احكموا المنافذ كلها
زنزانة صار بيتي
لم اقترف ,في تلك السنوات
غير الحلم والهذيان احياناً
لقد رسم فارس بصوره الشعرية الوانا ً قاتمة لايام ٍ صعبة سوداءواحلام وردية محرمة ,يحاكم من يحاول ان يقتنيها من عالم الخيال والوجدان النقي ..
فارس كرس اكثر قصائده في رثاء وطنه المذبوح ورسم صورا عديدة للجرائم التي ارتكبت في عهد الطاغية وللجرائم التي ترتكب اليوم ..كثيرا مااعطى دلالات وصور لعمليات التفخيخ والقتل الممنهج لابناء وطنه اليوم وهذه صور عديدة اختار منها النزر القليل.
من (حدث عادي)ص 12 هذه السطور
كان المقهى هادئاً جداً
المقهى الذي كان هادئاً
حتى...
حتى طارت في الهواء ,مع السيارة المفخخة
سيقان ورؤوس
الى الصفحة الاولى
ومن قصيدته (قرب المسرح الوطني) ايضاً
الرجل الذي تناثر في الهواء
فجأة
لم يجرب الرقص في حياته
ولم يحلم بالطيران
قرب المسرح الوطني
في التاسعة صباحاً
لكنها السيارة المفخخة
التي علمته كل هذا
في لحظات قليلة
انه غالبا مايرسم هذه الاحداث بصورة قاتمة وتراجيدية نازفة بشكل هزلي اسود...رغم تلك السنوات الطويلة بقي الوطن وذكرياته الاليمة واحداثه المتسارعة والتي بقي يعيشها معه عن بعد هي الهاجس المقلق والمحفز الذي يستفز قريحته ليستمر في البوح من خلالها عن موقفه تجاهها ,فتراه في اغلب قصائده يضع تلك المحنة في طياتها ويمزج بصورة دراماتيكية فيها ذكرى حبيبته فاطمة التي غادرت الحياة في باكورة شبابها تاركة وراءها العاشق يصارع اوجاع الذكرى ..وهاهو لايكاد يميز بين الوطن والحبيبة فكلاهما بات مفقودا من قاموس الوجود بالنسبة له ,فكلاهما غائران في عوالم بعيدة..
هاهو يخاطب البصرة البعيدة وفاطمة بنت البصرة في قصيدته (في شرفة مدرس التاريخ) والتي من خلالها افصح بشكل واضح وغير مرمز الى توجهه الاشتراكي الشيوعي
لاتسألي,اين كنت كل هذه الاعوام؟
لا تسألي سفري المفاجئ؟
تذكري-فقط-
الشاي المثلج
في فندق بابل
-قبل عشرين عاماً-
بينما كانت الحرب
تشاركنا الطاولة
لاتقولي شيئاً-اللحظة-
وهات يدك
لنسكن
- بأرادتنا هذه المرة-
على حبل غسيل
في شرفة مدرس تأريخ
كمنجل ٍومطرقة
من زمن ٍاخر.
.....
لم يكن فارس سعيدا في غربته رغم انها كانت بالنسبة له جنة ..فمازالت الكوابيس تطارده والصداع النصفي الذي لازمه ما أنفك عنه هناك ..ذكرى حبيبته الميتة..الحروب..الوطن ..الام والاب والاصدقاء ..معاناة الفكر الاشتراكي في بلد يرعى ويقود الراسمالية..لكنه رغم كل ذلك يتمنى السعادة وهو بعيد عن السجان..........
(اسم اخر لغيابك)
مطر بطعم
دموع الحمام والغريب
مساء ٌ يؤثث وحدتي
بأحزان حروب قديمة
مدنٌ طارئة
تدخل أيامي دون ان تطرق الباب
نساءٌ خلف اضواء الليل
يستذكرن حبا ً قديما ً
ويتركن الدموع في كأسي الاخير
أواه فتاتي البعيدة
لِمَ كل الشوارع في هذا العالم
أسم اخر لغيابك؟
...........
فارس الشاعر الثمانيني لم تزل فوبياه واضحة المعالم في الكثير من نتاجاته الشعرية تلك الفوبيا التي هيمنت على كل فرد عراقي نتيجة قمع واضطهاد الحكومة انذاك ,وهو في غربته وابتعاده عن عيون الجلادين لم يخف ذلك الرعب المتجذر والذي ليس من السهولة استغفاله او محوه بسنين ..ولكن رغم ذلك فلا احد يستطيع ان ينكر بأن فارسأ كان صوت حر من تلك الاصوات التي كانت تصرخ باسم الشعب المضطهد والمنادية له بالحرية والخلاص تلك الاصوات التي كانت تنطلق من خارج قضبان السجن وحدود الوطن لتوصل للعالم صور عدة من الاضطهاد والقمع والتنكيل الذي كان يستمتع به النظام البعثي وهو يسلطه بكل قواه على الشعب الاعزل..هذه صورة تعكس واقع مؤلم لفرد عراقي وهو خارج وطنه وبعيد عن سوط الجلاد ومازال اثر الخوف يعتريه ليترك تساؤلا مهما وهو كيف الحال اذن لمن هو باق هناك تحت هيمنة النظام ..فارس وكأنه يشتكي ويرفع دعوى قضائية وهو في عالم حر يصغي ويعي ضد نظام حاكم مستبد...
كل ليلة
ما أن أقترب من باب الشقة
وقبل ان اعالج المفتاح
أنصت,من خلف الباب, بخوفٍ
وأهجس
ربما ينتظرونني
أو ستفاجئني, حالما أفتح الباب,
رصاصة ٌ ما
كل ليلة
رجل بملامح قاسية وشوارب كثة
يحاورني
بالصفعات
بال....
كي...
كي أصحو على أسرة الفزع
يغمرني العرق الحار
لأفتح النافذة
لنسيم بحيرة متشيغان البارد
كل العمر
اهرب من سجان هناك
سجان يسرق ,كل ليلة,فاكهة النوم
أواه ..
هي كوابيس لابد منها
كي أعيش كأي عراقي سعيد
في جنة المنفى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بسبب دهس سيدتين


.. كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال




.. هنا صدم الفنان عباس ا?بو الحسن سيدتين بسيارته في الشيخ زايد


.. إيران تجري تحقيقا في تحطم المروحية.. وتركيا تتحدث عن رواية ج




.. ضبط الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في الشيخ