الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استدعاء العدالة (2)

عائشة خليل

2014 / 10 / 13
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


المشاركة المجتمعية بين العائلات المقبلة على المصاهرة والارتباط لها تقاليد تختلف من بلد إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى. ففي الهند كما رأينا يتحمل أهل العروس الجزء الأكبر من التكلفة، بينما يتحمل الزوج المستقبلي الجزء الأكبر من تكلفة الزواج في مصر، ويتحمل كل تكاليف الزواج في بلاد الخليج العربي الرجل المقبل على الزواج. وفي الغرب يقوم الزوجان بتحمل تكاليف تأسيس عش الزوجية بالإضافة إلى بعض المساهمات العينية من الأهل والأصدقاء، فيكتب الزوجان المقبلان على الزواج قائمة بما يحتاجانه من أثاث وأدوات عبر الإنترنت ويوزعانها على الأهل والأصدقاء، ويتم تحديثها تلقائيا عندما يعلن أحد الأصدقاء رغبته في شراء أحد المواد المطروحة في القائمة، بحيث لا يتكرر شراءً أي منها، ثم يقوم العروسان بدعوة الجميع على حفل صغير (يحضر استعدادًا له كل من المعازيم بعض الطعام) فيتلقى العروسان الأدوات والأثاث وعادة ما يكون الأثاث مستعملا فلا غضاضة هنا، ولا احتفاء بالأثاث فما هو إلا أشياء للاستخدام، يقوم الزوجان باستخدامه لسنوات ثم بيعه لمحلات الأثاث المستخدم وشراء ما يرغبان فيه عندما تتحسن أحوالهم المادية وينتقلان إلى منزل يملكانه.

ولا يختلف تأسيس عش الزوجية من مكان إلى آخر فقط، وإنما يختلف أيضًا من زمن إلى آخر. ففي الآونة الأخيرة أصبح تأسيس عش الزوجية في مصر عبئا تتحمله أسرةً العروسين معا. فكما أشارت أحدى الدراسات تتحمل العروس 5% من التكلفة، بينما يتحمل أهلها 25% من التكلفة، ويتحمل أهل الزوج حوالي 40%، بينما يتحمل الزوج 30% فمازالت جل تكلفة الزواج تقع على عاتق الزوج وأهله، ولكنها انخفضت نسبيا مقارنة بالأجيال الماضية لتعكس دخول المرأة معترك الحياة العملية.

وبالرغم من المشاركة الفعالة للمرأة في تأسيس منزل الزوجية، ثم مساهمتها المستمرة في مصاريف الحياة بعد الزواج، فمازال الزوج هو الآمر الناهي، وكأنه صاحب رأس المال الذي يحكم
ويتحكم، ولكن الأهم أن مشاركة المرأة في الحياة الزوجية انقلبت خلال هذا الجيل من مساهمة إضافية لا يعول عليها، ويتم تقبلها على استحياء كإضافة محمودة، إلى جزء أساسي من مصاريف الحياة اليومية. وإذا اكانت الزوجة لا تعمل وجب على أهلها سد العجز في بيت الزوجية. فالعروس في الريف المصري يجب أن تتلقي من أهلها هدايا في المواسم والأعياد أو ما يصطلح عليه باسم "الموسم" أي أن كينونته غير محددة، وإنما مرتبطة بالموسم الذي تقع فيه.
وبالطبع لا عيب في ذلك إلا الترهيب، فمن الجميل أن يهدي الأب ابنته وزوجها في المواسم وفي غيرها، ولكن الظاهرة انقلبت إلى ترهيب، فقد يطال الفتاة أذى إن لم تتلق "الموسم" من بيتَ أهلها في المناسبات. كما أنهه لا عيب في أن يساعد الأب زوج ابنته إذا لم يستطع الوفاء بالتزاماته، ولكن انتقال المساعدة إلى باب الإلزام هو المشكلة التي باتت تؤرق الكثيرات.

وكما تحدثنا في المقال الأول عن العنف ضد الزوجات في الهند والذي قد يصل إلى القتل حرقا، أصبحنا نتكلم اليوم في مصر عن ظاهرة غير صحية وهي العنف ضد الزوجات (لم يصل بعدً إلى القتل) لأن أهل الزوجة غير راغبين أو غير قادريين على مساعدة الزوج في مصاريف منزل الزوجية. تعاني الكثير من السيدات المتزوجات منها، ويشتكين إلى بعضهن البعض مما يلاقينه على يد الزوج أو أهله من أهانة أو إيذاء بسبب ذلك. لم يلتفت علماء الاجتماع لدينا إلى هذه الظاهرة بعد، وبالتالي لم يلق الضوء الكافي على أسبابها وتجلياتها المختلفة، كما لم تطرح الحلول الموضوعية لها. وبالطبع فإن التغييرات المجتمعية الكثيرة التي شهدها المجتمع المصري خلال الثلاثين عاما الأخيرة هي انعكاس للاضمحلال الفكري والثقافي، والتردي الاقتصادي والأخلاقي ولها تجليات عديدة ما هذه إلا إحداها. ولكنها تستدعي مع غيرها التفكير في مفاهيم الذكورة والأنوثة على ضوء الظواهر الاجتماعية الناشئة في مجتمعنا من أجل استدعاء عدالة شاملة للجميع.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زواج القاصرات يشعل المغرب.. وحملة رقمية لإيقافه | #منصات


.. الحركة قيدت النساء ب70 تشريعا.. أول تقرير أممي عن الأفغانيات




.. الاستشارية الأسرية حنين بطوش: لابد من تعاون الأهل مع الشباب


.. امرأة تواجه متظاهرين يهود مؤيدين لفلسطين في نيويورك




.. اختتام أعمال مهرجان القصة القصيرة الكردية التاسع