الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بغل عقيم

صفاء سلولي

2014 / 10 / 14
الادب والفن


... يا ولدي...اسمع صرخة أمّ ضاقت بها الحياة...
تعلّم يا ولدي أنّ المرأة صوت أرادوا إخراسه...
تعلّم يا ولدي أنّ المرأة عالم ينبغي أن تحسن السّباحة في أمواجه العالية والمنخفضة...
سأعلّمك ما لم تُعلّمني إيّاه أمّي...

أمّي كانت عدوّتي كما كانت أمّها عدوّتها في لحظة قديمة...
لا تنظر لي هكذا...لا تخمّن أنّي لا أحبّها...بلا، أنا لا أحبّ إنسانا مثلها...لكن أمقت ما علّمتني...
تريد أن تعرف؟

لا تتعجّل...سأقول لك...سألفظ كلّ ما قالته لي...
قالت إنّي دون الرّجل مرتبة...

الرّجل كان أبي وأخي في البداية...أنا من كانت ترتّب دفاترهما دون قراءة...أنا من كانت تنظّم فوضى أفضيتهما ومن كانت تعدّ حقائبهما دون أن تسأل أين الرّحيل...


الكؤوس كان يملأها أبي بسائل يتلوّن أحمرا وأبيضا وأصفرا...لا أحد يشرب هذه السّوائل في بيتنا إلاّ أبي...وأنا وأمّي علينا أن ننظّف هذه الكؤوس دون تذوّق بقايا السّوائل العالقة بالزّجاج...

هو الوحيد الذّي كان يدخّن السّجائر وينفخ دخانا كثيفا...ونحن نزيل بقايا سجائره...
يا ولدي...أمّي جعلتني مثل بقايا سجائر أبي...

كانت تخيفني من رائحة الذّكر...لست مثله...هو السيّد وأنا من ينبغي أن أحفظ سيادته...أنا شرفه...ولا يجب أن يتلوّث شرفه...

اللّيل زمن الرّجال...زمنهم وحدهم...
الشّارع...شارعهم...كانت تمنعني أن أخرج بمفردي خوف أن يترصّد بي أحدهم فيلحق بي ضررا...
ما هذا الضّرر؟
تصوّرت في لحظة أنّ الرّجل ذئب سينهشني ويمزّقني إربا إن وجدني في فضائه...ربّما كلّ الأفضية له...هكذا قالت لي...الأزقّة والأنهج والشّوارع والأحياء الأماميّة والخلفيّة...كلّها له وحده...

كبرت وكبر عدائي لها...وحان وقت تزويجي...جاء الرّجل الذّي كثيرا ما جعلتني أخافه... جلسوا معه جميعا، دوني...

سمعتهم من خلف الباب، تكلّموا عن عمله وعن منزله وعن العرس كيف وأين سيكون وحدّدوا تاريخه...ضبطوا المهر...لم ينسوا الحديث عن الحلي فهو زينة المرأة...لم ينسوا شيئا...بل نسوني... لم يطلبوا رأيي...وهل للمرأة رأي في بلدنا؟؟

حديثهم كان جافا...شعرت أنّهم يريدون التخلّص من قطعة بدأت تثقلهم في البيت...عندما يرسلونها إلي سيّد جديد ستفرغ غرفتي المؤقتة جدّا... سيتزوّج أخي الذّي اختار من سيتزوّج بمفرده ولم يسأل رأي أبي وأمّي..

أخي درس سنوات كثيرة...وعرف البطالة...وأخيرا وجد عملا متواضعا...لكنّه يعمل على الأقل...والرّجل يبغي أن يعمل كما تقول أمّي ويتزوّج ليواصل نسل العائلة...هو الحافظ لاسم عائلتنا..

أمّا أنا كان من المفروض أن أضيف نسلا لاسم غير اسم أبي...لذلك ربّما لم يسعد بقدومي،حسب ما روت أمّي، بقدر ما فرح عندما كان أخي وكان نسله الأوّل ذكرا وهذا مصدر فخر في بلدنا...الرّجل الفحل ينجب ذكورا...

لم يختلف درس أمّي عن دروسها القديمة...بدأت تعدّني للزّواج...ومن ملامح الإعداد، الجهاز الكثير الذّي تأخذه معها العروس إلى بيت زوجها دون أن تستعمل أغلبه.
وكنت أتساءل لماذا نشتري أشياء لا تستعمل...فأمّي مازلت تحتفظ بجهازها...تخرجه بين الفينة والأخرى لتنفض عنه غبار الزّمن...لعلّها ستمنحني بعضه.
الجهاز في بلدنا عادة أكرهها...مثل الحياة التّي نقضيّها نفكّر في غد دون أن نعيش اللّحظة الرّاهنة.
الجهاز هو الغد ربّما...
لا أعرف...
وفي الإعداد كانت تعلّمني أن أحفظ سرّ زوجي وماله وشرفه...وأن أطيع كلّ ما يأمر به...والابن هو رمز استقرار بيت الزّوجيّة...

تزوّجت أباك...وبقيت كعادتي الموروثة عن أمّي...أغسل كؤوسه...أزيل بقايا سجائره...أرتّب حقائبه دون سؤال...لا أقرأ دفاتره، لا أرفض طلباته...لا أنسى مواعيده...لا أقترب من هاتفه...

لم يسألني أباك يوما عن رغاباتي ...عن شوقي... عن حلمي...عن طموحي...
لعلّ أمّه مثل أمّي...
كان يمزّق جسدي متى أراد...يخفيني في البيت وكأنّي القبح...لا أحضر حفلاته التّي يعود منها ضاحكا مخمورا...

لن أكون مثل أمّه...يا ولدي...
أنت جئت من رحم أنثى ينبغي أن تحترم...الرّحم الذّي لفظك لفظ أختك...أختك ليست لعنة الربّ لتعذّبها...بل هي سندك وأنت سندها...تعينها وتعينك...اللّيل لكما معا...الأفضية كلّها لكما...
الزّواج خيار لن أتدخّل فيه...لن أبيعكما كما بعت...
إن تزوّجت فلا تجعل زوجك تزيل سوائل كؤوسك ولا بقايا سجائرك...
إن تزوّجت...اجعل الزّواج رقصا...فلا ترقص دون زوجك...
... اجعله جنونا كثيفا...لا تخجل اسألها عن رغباتها...عن الفساتين المفتوحة التّي تشتهي ارتداءها...عن الأغنيات...عن الورود...عن علبة السّجائر النّاقصة...
تحدّثا عن الأبناء ومستقبلهم...كما أحدّثك الآن...
لا تتذكّر أبدا دروس جدّتك...

يا ولدي...لماذا لا تأتي...اشتقتك كثيرا...أريد أن أعلّمك دروسا جديدة...
لو أتيت لأنرت ظلام غرفتي...
لكنّ أباك فحل كالبغل لا ينجب...لا أستطيع أن أقول ذلك إلاّ لك...فعدم الإنجاب قبح يجب أن يسند للمرأة...هكذا علمتني أمّي...وهو أمرني أن لا أقول...فلا تخن سرّي كي لا يصرخ في وجهي...فهو الفحل..بل لعلّه البغل...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عوام في بحر الكلام - الشاعر محمد عبد القادر يروي قصة البطل ا


.. كواليس ولقاءات من مهرجان الموسيقى العربية في يومه الثاني




.. رسالة اليوم الثاني من مهرجان الموسيقى العربية


.. أبطال وفنانين وفنانات الحرانية.. في #معكم_منى_الشاذلي ?? #مع




.. بعض الأعمال الفنية للراحل رمسيس ويصا واصف #معكم_منى_الشاذلي