الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب الحسد

فؤاد وجاني

2014 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لا يكاد الواحد يصدق أسماعه وهو يصغي لما جاء على لسان الملك أمام مجلس النواب. لم يقتصر السادس على ادعاء الانتساب إلى الرسول كما عودنا على ذلك أبوه، بل وضع حديثا جديدا لا وجود له في كتب الحديث التسعة لأهل السنة، فلم يرِد الحديث في صحيحيْ البخاري ومسلم، ولا في سنن الترمذي والنسائي وأبي داوود وابن ماجه والدارمي، ولا في مسند أحمد، ولم يذكره حتى موطأ مالك.
"اللهم كثر حسادنا" قال الملك، ونسب قوله إلى حديث نبوي. وكأن المغاربة كانوا على موعد مع خِطاب عرّاف أو مُنجم أو قارئ للطالع أو كاهن لم ينقصه سوى التزود ببخور ومجمر وطلاسم وتعويذات، فقد كان سوقيا مبتذلا لا يليق بالمتعلمين من العامة فما بالك بأعلى سلطة في البلاد .
كعادتها، لم تجرؤ الهيئات والمجالس الدينية أن تتطرق للحديث الموضوع، فما بالك أن تستنكر الكارثة المذاعة على شاشات التلفاز والمنطوقة أمام من يسمونهم بنواب الأمة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصح وتقويم الاعوجاج. وكيف للمجلس العلمي الأعلى – وهو أعلى مؤسسة دينية حكومية بالبلاد- أن ينبس ببنت شفة حول الموضوع والملك المخطئ إما عمدا أو سهوا رئيسه الفعلي.
ولم يخلُ الخطاب من نظرة استعلائية تجانب الواقع في قوله: "نحن نعرف من نكون، ونعرف إلى أين نسير".
فإلى أين نسير حقا إذا كان المتحكم في كل السلط لا يميز بين قول العرافات وقول جده النبي كما يزعم، إلى أين نسير حقا؟
وعلامَ يحسدوننا، أولئك الحساد المحدقون المتربصون بأعينهم بالمغرب؟
هل على المرتبة 129 من بين 187التي انحدر إليها المغرب في مؤشر التنمية العالمي، أم على نصف طبيب لكل ألف مواطن ، أم على الدين الخارجي الذي بلغ أعلى مستوياته ، أم على الاقتصاد الهش المعتمد على تهاطل الأمطار، أم على إجمالي الناتج المحلي الذي انخفض إلى 4%؟
أم سيحسدوننا على التعليم حيث الأطفال بالجنوب مازالوا يتخذون صناديق الخضار طاولاتٍ بأقسامهم المدرسية، أم على البنية التحتية الهشة التي ما زالت تعتمد في مجملها على ما أنشأته فرنسا المستعمرة؟
علامَ سيحسدوننا يا جلالة المحسود؟ هل على الوضع الصحي المتردي للمواطنين والمستشفيات الخالية من التجهيزات الطبية، أم على نسائنا اللواتي يلدن على الأرصفة وبأبهاء المستوصفات؟
هل سيحسدوننا على حرية التعبير المنعدمة باستثناء ما لا يمس بقداسة شخصكم ولا ينتقد منهجكم ولا يسألكم : من أين لكم كل ذلك وكل هذا؟ أم سيحسدوننا على مئات المعتقلين السياسيين القابعين ظلما بسجونكم العامرة، أم على القضاء الفاسد الذي ترأسونه وتستعملونه سلاحا كاتما لصوت الحرية؟
هل سيحسدوننا على نسبة 13% من السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، أم على دور الصفيح المنتشرة عبر أرجاء المملكة السعيدة، أم سيحسدوننا على 30% من الشباب المتعلمين والمعطلين عن العمل؟
لن يحسدوا إلّاك، أنت وأهلك وحاشيتك، المتنعمين المتمرغين في خيرات الشعب، الراتعين في أمواله وأرزاقه، سيحسدونك لأنك المستحوذ على كل السلط: التشريعية بالظهائر المولوية الشريفة والتوجيهات السامية، والتنفيذية بتحكمك في الداخلية والجيش والقوات بأصنافها، والقضائية بترأسك المجلس الأعلى للقضاء، والدينية بترأسك المجلس العلمي، والإعلامية بتقييدك لحرية الصحافة وقص أقلام الأحرار باستعمال الترهيب والقضاء الفاسد.
فلنميز يا جلالة الملك بين من كَثُر حُساده فعلا ومن قل أو انعدم حسادهم، بين سموكم الذي ارتفع بِغناه في التصنيف العالمي لأصحاب التجارة والمال، وبين الشعب الذي أفقرتموه بسياستكم الناهبة السالبة.
هذا ما تبين للشعب وللحاسدين الذين زعمتم من خطابكم : رغم منصبكم بالبلاد، ورغم كل ما وصلتم إليه من غنى، فإن جلالتكم تستحقون الشفقة وليس الحسد؛ فلغة المنطق مغيبة لديكم تماما وأما السوقية ولغة الكهنة فحاضرتان بكل ثقلهما الفارغ! وهذا لا ينم عن اعتقادكم المشين فقط بل عن طبيعة البيئة التي نشأتم فيها!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح