الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الثقافية فى مصر والصين

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2014 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


كيف نهضت الصين فى الأربعين عاما الماضية، وتحولت من دولة نامية الى دولة متقدمة، تناطح الولايات المتحدة، بل تقدم لها المعونة لتنقذها من أزمتها المالية كما ترفض، رفضا باتا، تدخل الولايات المتحدة فى شئونها الداخلية، أو استغلال مظاهرات هونج كونج الأخيرة لضربها وعرقلة نهضتها تحت اسم الديمقراطية.
يوم 25 سبتمبر 2014 فى جامعة بكين، دار الحوار بينى وبين الأساتذة والطلاب والطالبات، وكانت مظاهرات هونج كونج مشتعلة، ولا أحد فى القاعة الجامعية يشك فى أن الشعب الصينى يعالج مشاكله بنفسه، ولن تستطيع أمريكا أو غيرها أن تفرض إرادتها عليهم.
تخيلت بلادنا وقد ارتفعت رؤوسنا بالكرامة والاستقلال، كما حدث حين طردنا الاستعمار البريطانى وتأميم قناة السويس عام 1956، وبداية النهضة الاقتصادية والثقافية، التى لم تصل إلى اقتلاع جذور التخلف والتبعية, وظلت الحركة الوطنية تعوم على السطح، لا تجرؤ على التغلغل الى عمق القيم الموروثة السلبية، ومنها الخضوع للسلطة المطلقة فى العائلة والدولة، والتبعية للاستعمار الخارجي، وتحقير المرأة والإنسان الفقير، لهذا سقطت مصر فى الهزيمة الكبرى عام 1967، وتوالت هزائمنا على مدى الأربعين عاما الماضية، تضاعفت فيها السيطرة الخارجية والجماعات الدينية، تدهور الاقتصاد والتعليم والأخلاق، تم ضرب الإنتاج المصرى واستشرى استهلاك البضائع المستوردة والفساد، ازداد الفقراء فقرا، والنساء قهرا، والأطفال البنات فرض عليهن النقاب والزواج بالعجائز مقابل المال، حتى قامت ثورة يناير 2011 وثورة يونيو 2013، وبدأنا نرفض الاستبداد السياسى والديني، والهيمنة الأمريكية ومعونتها الزائفة، لم تكف القوى الاستعمارية عن تدعيمها للقوى الإرهابية المدمرة لنا، كدولة إسرائيل اليهودية النووية، وتنظيمات إسلامية عسكرية كالقاعدة والطالبان والإخوان وداعش وبوكو حرام وغيرها.
سألتهم فى الصين كيف نجحتم فى تحقيق النهضة والاستقلال؟
قالوا: إنها الثورة الثقافية، لأن الثورة السياسية والاقتصادية إن لم تدعمها ثورة لتغيير القيم الموروثة فإنها تفشل، وتصعد للحكم قوى أكثر استبدادا تقضى على الثورة والثوار، وأكدوا أن النظام الراسخ فى التاريخ منذ العبودية، يقف ضد الثورات الشعبية إن لم تصاحبها ثورات ثقافية تعليمية تضرب جذور القيم الطبقية الذكورية.
فى الصين نجحوا فى تحرير تراثهم الدينى والسياسى من القيم السلبية، التى قهرت الفقراء والنساء تحت اسم المقدس كونفيوشيوس الذى ولد قبل ولادة المسيح بخمسمائة وواحد وخمسين عاما.
كان كونفيوشيوس لأهل الصين كالمسيح والأنبياء فى بلاد أخري، لم يتخلص كونفيوشيوس، كغيره من الزعماء من القيم الطبقية الأبوية، وكان كارل ماركس نفسه طبقيا ذكوريا فى أعماقه، وقد استغل صديقه فردريك إنجلز، للتغطية على اغتصابه حقوق الخدم فى بيته، والنساء اللائي أقام معهن علاقات سرية.
فى ثورة الصين "4 مايو 1919" نزعت الثورة الثقافية عن كونفيوشيوس الأوهية، وعن جميع الأباطرة والحكام المقدسين، وكان الرجل الصينى عبدا، والمرأة عبدة العبد، والبنت تقتل لأنها أنثي، وتوضع قدماها منذ الطفولة فى حذاء حديدي، لفرض الخضوع وقانون الطاعة، والسير بخطوات ضيقة متعثرة، تنكفئ بعدها المرأة فوق وجهها، ساجدة لسيدها الحاكم، الزوج أو الأب أو الإله.
لم أجد أحذية حديدية إلا بمتاحف الصين، تحررت المرأة الصينية من العبودية، من الأنوثة المزيفة والجمال القبيح والفضيلة الأسوأ من الرذيلة، قضت الثورة الثقافية على الازدواجية الأخلاقية، والاستعمار الأجنبي، أصبحت القوانين والقيم تحكم الرجال والنساء بالتساوي فى الدولة والعائلة، لا يمكن لرجل صيني، وإن كان رئيس الدولة، أن يهدم أسرته من أجل نزوة، لا يمكن لامرأة صينية أن ترتدى النقاب واعتبار وجهها عورة، لا يمكن بناء دولة مستقلة ناهضة ونصفها جاهلات تابعات.
فى بلادنا لا يزال التعليم والفكر خاضعا لمفاهيم وقيم مزدوجة، لا تزال المرأة منقبة وإن كشفت وجهها، لا تزال الدولة "بعد ثورتين" تتخبط بين الاستقلال والتبعية، بين رفض المعونة الأمريكية وقبولها، بين تنقية التراث من السلبيات والإبقاء عليه.
لا يزال قطاع كبير من الفقهاء والسياسيين، يؤمنون بتقييد حرية الفكر والإبداع بحجة منع الكفر والإلحاد، لم تتخلص الثقافة من تحقير المرأة، أكبر شتيمة للرجل أن يقال له أنت امرأة، بل إن شاعرا ثوريا "نجيب سرور مثلا" لم يتخلص من ثقافته الذكورية، وفى إحدى قصائده المنشورة "بالأهرام 9 أكتوبر 2014" يشبه العدو الإسرائيلي الجبان بالمرأة التى تحيض، النهضة لا تحدث إلا بثورة ثقافية وأخلاقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اصل الداء
على سالم ( 2014 / 10 / 15 - 14:10 )
مقاله رائعه تشرح سبب التخلف والجمود العقلى والفرق بين مصر والصين ,اعتقد انك لم تلمسى الوتر الحساس والذى هو اصل المصائب والكوارث فى بلاد عربان واسلام الا وهو الاسلام وابجدياته وتوغل الشيوخ والمؤسسات الدينيه الاسلاميه فى مفاصل الدوله واصابتها بالشلل والجمود واصابه الفرد المسلم بالعوار العقلى والنفسى والاجتماعى والتربوى ,هذا فى اعتقادى هو السبب الرئيسى وراء هذا المشكله المعقده


2 - الثورة
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 10 / 15 - 23:12 )
العرب ظاهرة إستثنائية يا سيد تي
ولا مجال للمقارنة بين الصين ومصر
الصين أمة لا علاقة لها بالدين فكما قلت أنت في مقالك بأن كونفوشيوش كان بمثابة النبي بالنسبة للصينيين
وتعلق الصينيين بالشيوعية التي تنكر وجود الله كان أمرا طبيعيا وبديهيا
وهناك خلفيات أخرى لا مجال لاستعراضها في هذا الرد الذي لا يحتمل التطويل
بينما العرب ظاهرة شادة
أولا لأن وجود الآلهة في حياة العرب كان وجودا ثابتا لا يتغير
والتغيير لم يأت سوى بالتوحيد
فكأن شيئا لم يتغير
فالتغيير فقط إنتقل من عدة آلهة إلى إله واحد
وحياة الصحراء حياة قاسية لابد من أن تعتمد الله هو أساس
كل شيء بالنسبة للعربي البدوي في بنيته الشاملة
والأنثى قبل الإسلام كانت تدفن وهي حية من طرف أقرب الناس إليها
والإسلام حررها من القتل لكنه لم يحررها من العبودية
العقلية الصينية عقلية مختلفة عن العقلية العربية بشكل مطلق
وهنا تنعدم المقاربة


3 - الثورة
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 10 / 15 - 23:25 )
العقلية العربية تستمد وجودها من الدين
تستمد منطقها وأسسها التي بنيت عليها من الدين
فالعربي مثلا لن يقبل بالتغيير لأن دينه يمنعه عن ذلك
العقلية العربية لا تقبل مناقشة وجود الله من عدمه
في الصين هناك مسلمون لكنهم يختلفون جذريا عن مسلمين العرب
في حين لا يصطدمون بإخوانهم الصينيين الذين هم شيوعيون ولا يؤمنون بوجود الله
في الصين لا يمكن أن نسمع عن داعش صينية أو بوكو حرام صينية
لأن ذلك لا ينسجم مع ثقافتهم الأصلية
العرب يوجد فيهم أغلبية العرب دواعش
فما يقوم به الدواعش يقوم به الناس في السعودية بشكل عادي فهناك أيضا تقطع الرؤوس وتبتر الأطراف وتتزوج القاصرات وإلى ما هنالك من السلوك الغير المقبول مثلا في تونس أو المغرب أو الجزائر أو مصر
لدينا أيضا في المغرب شيوعيون حجاج فهل يخطر على بال أن يكون الإنسان شيوعيا وهو حاج ؟ ويؤمن بوجود الله ؟
إن العرب لديهم مشكلة كبيرة في عقولهم
لماذا لهم مشكلة عقلية ؟


4 - الثورة
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 10 / 15 - 23:36 )
أنت عندما تناقش الإنسان العربي في مسألة وجود الله مثلا
ستصبح في نظره مجرما لأنك تجرأت على الحوار في هذا الخصوص
حينما تقارن بالمنطق بينه وبين الإنسان الذي لا يعتنق الإسلام
أو يعتنق دينا غير الإسلام فإنك هنا تثير غضبه وحنقه وإذا ما أوضحت الفارق بينه وبين الآخر كإنسان متفوق ومتحضر فإنه سيجعل نفسه متفوقا بدليل واحد فقط وهو دينه كأفضل الأديان
وسيقول لك بأنه سينعم بحياة أخرى في الآخرة ويلغي الحياة الواقعية
الموجودة على الأرض ويصفها بالتافهة وهو المتعلق بها أكثر من غيره
حينما تواجهه بالعلوم والإكتشافات المبهرة والتقدم والقوة الخ
فهو سيقول لك كل هذا موجود بكتابه المقدس
بمعنى أن العربي لا يقبل بالحوار البناء أو الحوار المستكشف للحقيقة وللمنطق
منطق العربي باختصار شديد وهو منطق
طارت معزة نزلت معزة كما يقول المثل المغربي الدارج
العقلية العربية لا تتحول ولا تتغير ولا تخضع للتطور


5 - ثورة التغيير
انتصار الانصاري ( 2014 / 10 / 21 - 10:25 )
التغيير لايتم يادكتوره الا بالقضاء على الانظمه الجاثمه على الصدور منذ عقود وحصر الدين بالمساجد والكنائس وابعاده عن الشوارع والمدارس

اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل