الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليالي المنسية (رواية) جزء 34

تحسين كرمياني

2014 / 10 / 15
الادب والفن


22آب/1981

(صلاح)وجد عذراً مقبولاً،رافقته إلى(البصرة)مسكون بالحلم،ويسكنني الهم،سيتصل بالفرح،مشتولاً أنتظر،لم يتكلم،كنت أقتنص السعادة ترفرف في عينيه،الطريق محفوف بالقصف،عند سيطرة(أبي الخصيب)منعونا من المرور،جلسنا ننتظر الأوامر،كان القصف متواصلاً على منطقة البتروكيمياويات،أمرنا جندي السيطرة أن نلتجأ إلى الملاجئ القريبة،دخلنا ملجئاً مليء بالقمامة..قال(صلاح):
((ماذا لو حرموني اليوم))
((لم لا تؤجل هذا ليوم الغد؟))
((أكاد أن أنفلق))
((ربما القصف سيتواصل))
((حتى لو جاء الليل لابد لي أن أزورها))
صمت.
سمعنا أصوات،مرر(صلاح)رأسه..قال:
((نساء!))
((قل حساء))
مددت رأسي،كان على حق،امرأتان تذودان وعلى رأسيهما أكوام أشواك،كانتا قرب السيطرة.
وضعتا حمليهما وجاءتا إلينا،تصاعدت حمى الرغبة فينا،لحظة وصلتا تراجعتا بهلع..تكلم(صلاح):
((هربنا من القصف))
ترددتا قبل أن تدخلا،كانتا في الخمسين،تعرقنا،كانتا تنظران بحيرة..قال(صلاح):
((هل عرفوا بكما))
قالت واحدة:
((الجندي أبو السيطرة أرسلنا لكما))
واضح كلامها،في العيون سؤال والقلبان ينبضان..تكلم(صلاح):
((بكم تبيعان))
((نريد راحة فقط))
تمددنا لصقاً،كل واحدة تحت واحد،وسط الغبار والعرق سافرنا عميقاً وعدنا يائسين،خرجتا قبل أن نخرج،راقبناهما تغيبان وسط النخيل،خرجنا..قال الجندي أبو السيطرة:
((مللت عفونتيهما))
تكلم(صلاح):
((جئت من ـ الفاو ـ من أجل هذا))
لم يعد هناك مبرر للذهاب إلى البصرة.
عدنا..قال:
((سنقول لهم الطريق مقطوعة))
((عذر مقبول))
منتصف الظهيرة وصلنا،كانت المفاجأة أن الجندي(شهاب خانقيني)أصيب بشظية وتم إخلاؤه إلى وحدة الميدان الطبية،تناولنا غداءنا قبل أن نستحم ونرتمي على أسرتنا.
نام(صلاح)،بقيت أسترجع اللعبة،لم تكن فاكهة تدلع النار،وتنضج الأحلام،لكن التخلص من فيضان العزلة مطلب لحوح،أنها الحرب،((عليك أن تستثمر كل فرص العواطف قبل أن يباغتك الموت))،تذكرت جملة عابرة من كلام البصراوي(صباح).
***
((ما الذي يهدر في هذا الفناء؟/ضوء/خوف/أحلام/أممركبٌ يضج بالآلام))
***
((ما الدمع؟/ما الحزن؟/بريد أشواق/تنضج حرب العشاق/من غير إحتراق))
***
((في الغربة/في العناق/تحارب العيون/بلا فراق))
***
((وهج العيون/احتراق الثغرين/حرائق القلبين/مهرجان أشواق))
***
((الحب بيننا حزمة مشاعر/الحب بيننا/قصائد لا تستوعبها الأوراق))
***
((الحب بضاعة تبحث عن أسواق/الحب أشواق/الحب عناقٌ وفراق/الحب نماء وأحتراق))
***

28آب/1981

حقيبتي بيدي،عيناي تطفران،لا رغبه لها تصفح الأشياء المتحركة،الجنود أكوام قمامات تدفعها الرياح،الكل يركض،صياح،أنها الحرب،في الحرب يتذكر العبد خالقه،يريد أن ينتقل إلى ساحة العرض الأخير،خالي الجسد من شهوات الدنيا،أمشي،صف نساء متلفعات بالسواد،أنها الحرب،القنابل تطارد الأشياء الجميلة، الألوان أهداف واضحة ومغرية،الأسود يليق بنسائنا،صف جالس،ما بين واحدة وأخرى متران،في الحرب تتفتق المخيلة،فتنفتح سبل العيش على ألوان جديدة،لا أحد يموت من الكسل،أو يدركه وباء العطالة في ظل الحرب،واحدة قنصتني..صاحت:
((أبو تحرير!))
لا أحد يتبعني أو يشبهني،وجدتها تشير بيدها..مشيت وجلست في حضرتها،مرعبة هي نظرات النسوة،عالم صادم يدلق أمواج الحيرة،ظلّت تخترق أغواري،لم أعرف كيف ومتى مسكت يدي،عصرت أناملي،جفلت على زوبعة فرح..قالت:
((قل أن شاء الله))
((على ماذا؟))
((يا بو..أنت ولد تعبان))
((أتعبتني الحرب))
((يا بو..أمامك بيت الراحة))
((كلكن لن تخرجن تعبي))
((يا بو..أنت تفكر وين))
((في الراحة))
((يا بو..أنت ولد غير عاقل))
((عندما أنزف تعبي يرجع عقلي))
((يا بو..عندك زوجة))
((لا))
((يا بو..قل أن شاء الله))
((أن شاء الله))
((أنت حائر))
((كيف عرفتِ)
((يا بو..أنت عاشق))
((من أين لكِ أسراري))
((يا بو..قريباً تدخل عليها))
((لو حصل هذا سأرقص كما ولدتني أمي))
((يا بو..حلمك يريد الصبر))
((صبري مات في الحرب))
((يا بو..أنت ولد شاعر))
((أنتِ ساحرة يا سيدة))
((يا بو..قل أن شاء الله))
((أن شاء الله))
((تحتاج إلى الراحة))
((هل عندكِ راحة؟))
((الثمن غالي))
((أنتِ لا تستحقين ثمناً مرتفعاً))
((يا بو..أنا..ومن قال أنا..لا..لست أنا))
((وهل عندكِ صغيرة))
((بعد الدفع يمكنك أن ترتاح))
((أمامي طريق بعيد،لا وقت لدي أضيعه))
((هات خمسة دنانير))
((أين السمكة))
((هات اولاً وبعدها أرمِ الشبكة))
أخرجت المبلغ،اختطفته بمكر..قالت:
((أنظر إلى خلفك،تلك أم الثوب الأحمر سمكتك))
وجدتها ماثلة،سمراء،ثغرها مصبوغ،أومأت برأسها،تبعتها،داخل البيت وجدت جملة فتيات،شعرت بخوف،مسكتني من يدي وأدخلتني غرفة بائسة،على الأرض منام مرهق،يفصح عن عرق أجساد ناموا ومضوا،بدأ رأسي يدور،رائحة بغيضة تقلب أحشائي..قالت:
((كلهم يخجلون في البداية))
((لا أحتمل هذا المكان))
((هذه غرفتي وأنت نصيبي))
((هل يمكننا أن نجد مكاناً آخر؟))
((يمكننا ولكن ثمنه مكلف))
((بكم؟))
((كل واحدة لها غرفتها الخاصة،يمكننا أن نبيعها للزبائن عند الضرورة))
((يمكنني أن أؤجر واحدة أفضل))
خرجت وعادت..قالت:
((عشرة دنانير للغرفة))
((حسناً))
((وعشرة للمعاشرة))
((دفعت ثمنك))
أطلقت ضحكة عاهرة،هزت رأسها..قالت:
((ذلك ثمن الدلالية))
أخرجت العشرتين،اختطفتهما..قال:
((بعدما ترتاح ستدفع خمسة دنانير لحارس البيت))
((وهل لديكن حارس أيضاً؟))
((المهنة مكلفة،وصعبة،لابد من حارس قوي يؤمن لنا الهدوء))
لا أعرف كيف تمكنت من شراء راحتي،كانت متعفنة،أغلب الظن أنني فعلت ذلك ثأراً للمال الذي سلبوني،منتصف الراحة،توقفت..قالت:
((أنت ولد تعبان))
((لا..هذا الزقاق لا يعجبني))
ضحكت..قالت:
((أنت ولد متهور))
((أريد الجانب الآخر))
((هذا مكلف))
((ألم أدفع ثمنك))
((أنت دفعت ثمن واجهتي))
((وهل لظهرك ثمن أيضاً))
((هذا يتوقف على رغبة الزبون))
((بكم تبيعينه))
((حسب سلاح الزبون))
((حسناً هو فيك الآن))
((عشرون ديناراً))
((ما دفعته يمكنني أن أفعل بكل نساء زقاقكم))
((لكل فندق سعره))
((أنت لستِ خمس نجوم))
((حسناً..أنت ولد لطيف،سأرضى بثلاث خمسات))
((لن أدفع سوى خمسة مقابل خمسة))
((لن أرضي بأقل من ثمانية))
دفعت وقلبتها وسافرت.
ما أن خرجت،صاح صوت:
((أبو تحرير))
كان رجلاً مفتول العضل،يضع(شماخ)على رأسه..قلت:
((ناديتني))
((ثمن حراستي))
نقدته ومضيت.
***
((أوراقي تدفعها الريح/حقيبتي شهدت قيامة موتي/طريقي مزرعة أسلاك/تجرجرني المركبات/نحو مقبرة السخرية))
***
((واحدة باعتني بقيح دقائق/بين أعضاء فلتت من عابرين/دفنت كنوزي/عندما عدت من رحلة الجنون/
فقدت درب العافية))
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل