الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-إعْزَيّزَة- عرض مسرحي يشاكس الخرافة

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2014 / 10 / 16
الادب والفن


لم تكن المجتمعات الغربية قادرة على تجاوز الإنتكاسات التي تعرضت لها بسبب الحروب العالمية المتعاقبة والتي أسهمت في تفكيك بنية المجتمع الغربي ، الأمر الذي أدى إلى تعزيز شعور الإنسان بالعزلة والإغتراب عن المجتمع/ المدينة ، فما كان منه إلا اللجوء إلى الطقوس والعادات القديمة باحثاً فيها عن كل مايمكن ان يعيد الطمأنينة إلى نفسه ويجعله قادراً على تجاوز الصدمة، ولم يكن المسرح بمعزل عن ذلك، فقد جاءت تجربة المخرج الفرنسي(أنطوان أرتو) للتعبير عن حجم الكارثة التي وقعت على الأنسان ، الأمر الذي دفع به إلى جزر بالي في أندونيسيا مستلهماً من رقصاتهم الطقوسية وعاداتهم القديمة مسرحاً مغايراً لما كان سائداً في اوروبا، وقد تنوعت التجارب المسرحية التي إنتهجت هذا الأسلوب ، لاسيما تجارب كل من (بيتر بروك) و (إيوجينو باربا) وغيرها، وعلى الرغم من إزدهار هذا النوع المسرحي في النصف الثاني من القرن العشرين - لاسيما مايتعلق بإعادة إنتاج الطقوس الدينية والعمل على تحويلها إلى طقوس مدنية وإجتماعية- إلاأنها ظلت تستهدف مشاركة الجمهور في صناعة العرض ،كما في تجارب (مسرح الخبز والدمى ، و مسرح الشارع ) في حين ظل المسرح في العراق يفتقر إلى هذا النوع المسرحي مع إستثناءات بسيطة لم تشكل ظاهرة يمكن رصدها، نذكر منها تجارب المخرج (سعدي يونس) في مسرح الشارع، وبعض تجارب (منتدى المسرح) ،إذ عمد بعض المخرجين إلى إيجاد صيغ غير تقليدية في منظومة التلقي تنسجم مع المعمار المكاني الذي تأسس عليه المنتدى أو اماكن اخرى مشابهة له ، وتأتي تجربة المخرج الراحل (كريم جثير) في مسرحية (الأقنعة) التي قدمها في منزل لاتتوافر فيه شروط العرض المسرحي.
إن العلاقة التي عمل المشتغلون في المسرح العراقي على تأسيسها مع المتلقي إقتصرت على تحويل مكان العرض ، وإضفاء أشكال مغايرة للتلقي ، بمعنى آخر فقد أفاد المسرح العراقي من تغيير شكل العرض وعمل على تطبيقه على نصوص مسرحية عالمية ، ذلك ان فكرة التعاطي مع الطقوس والمعتقدات محفوف بالمخاطر بوصفها (تابو) لايمكن المساس به، وذلك لإرتباطها بالمعتقدات الدينية ،الامر الذي دفع بالعديد من المخرجين إلى إعتماد الطقوس السومرية والبابلية التي تقع خارج حدود (السلطة الدينية)، إلا أننا اليوم امام تجربة مسرحية تغاير المألوف في مواضع عدة يأتي في مقدمتها الإفادة من الافكار المتوافرة في المعتقدات القديمة وتوظيفها في عرض مسرحي حمل عنوان (إعزيزة)، إخراج (باسم الطيب) ، تمثيل وكتابة كل من ( احمد سعدون ، احمد نسيم، امير ابو الهيل، أمير البصري، امير عبد الحسين، باسم الطيب، حيدر سعد، شروق الحسن، غسان إسماعيل، مصطفى الصغير، هند نزار) وقدم في بناية (منتدى المسرح) مؤخراً.
المعالجة النصية للمعتقدات الإجتماعية
تنوعت إشتغالات فريق العرض على المتن النصي إبتداءً من العنوان الذي يحتكم على مضامين متداولة في الذاكرة الجمعية، ذلك أن (إعزيزة) تعرّف في الميثولوجيا الشعبية بوصفها علامة دالة على (وجود النحس والشر في المكان) وبحسب المعتقد فإنها (تستخرج من عظام الماشية ويعمل المشعوذون والسحرة على نشرها في المكان الذي يراد تدميره) ، وقد افاد المخرج من الفكرة المتوافرة فيها وعمل على تحويلها إلى رمز للكراهية داخل المجتمع ، بمعنى آخر فقد تحولت (إعزيزة) من وظيفتها الميثولوجية إلى وظيفتها المدنية في محاولة من فريق العرض إلى ربط (النحس والشر) الواقع على المدينة إلى وجود (إعزيزة) في بيئتهم جعلتهم متصارعين وغير قادرين على التواصل مع بعضهم، الامر الذي إنتفت فيه فكرة (الشر الميثولوجي) وتحول فعل (إعزيزة) إلى سلوك جماعي تم إنتاجه داخل المجتمع بفعل الصراعات المختلفة التي أطاحت بالبنية الأجتماعية، وتأتي اهمية الإشتغال النصي على هذه الفكرة في إشراك جميع الأطراف في تبني (إعزيزة) خاصة بهم تحكم سلوكهم وتتبنى افعالهم الإجتماعية ، من جهة اخرى فقد أنتج الإشتغال المتعدد على المتن النصي إلى تباين في المعنى على مستوى اللغة أو الفكرة التي تم تقسيمها إلى أقسام عدة يكشف النص فيها على ان (إعزيزة) هي سلوك إجتماعي ينتهجه الإفراد فيما بينهم سعياً وراء تفكيك البنية الإجتماعية ، فضلا عن ذلك فقد تنوعت الحكايات داخل النسق النصي وتنوع أسلوب روايتها ، حيث إختار فريق العرض التعاطي مع منظومة سردية تنسجم مع الفكرة ، الامر الذي لم يقتصر فيه السرد على الملفوظ اللغوي بل تعداه إلى تعبيرات لالفظية من اجل ايصال الفكرة ، كما في مشاهد (المرآة، المشهد ثلاثي الأبعاد (3D ويعود ذلك إلى إشتراطات الكتابة النصية نفسها، فضلا عن ذلك فإن المرجعيات الحكائية تعود إلى أفكار نصية توافرت في شبكة التواصل الأجتماعي ( الفيس بوك) ونذكر منها فكرة (المرآة) التي تعود إلى حكاية منشورة في الفيس بوك لايسعنا ذكر تفاصيلها هنا، ومشهد (فتاة الاحلام)، وربما يعود ذلك إلى المعطيات التي تتوافر في فنون العرض (PERFORMANCE) التي تستفيد من جميع أشكال السرد ، إلا ان ذلك لايمنع من الإشارة إلى مصادر تلك الأفكار.

التعدد المكاني في العرض المسرحي :
لم يعد (منتدى المسرح) بوصفه معماراً مكانياً قادراً على إنتاج فضاءات جمالية متفردة ،ذلك ان التجارب المسرحية التي تم تقديمها منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي قد أرهقت فضاءاته وجدارنه ، وتأتي تجربة (باسم الطيب) الإخراجية لتدخل في منظومة عروض مسرحية سابقة عملت على تهشيم مركزية المكان والإفادة من التعدد المكاني الذي يتوافر في المنتدى ، ويحيلنا ذلك إلى تجارب عدة نذكر من بينها مسرحية (ترنيمة الكرسي الهزاز) إخراج الراحل (د.عوني كرومي) وليس إنتهاءً بمسرحية(أيضاً وايضاً) أخراج (انس عبد الصمد) التي إفتقرت إلى تنظيم فضاء التلقي بعكس ماذهب إليه المخرج (باسم الطيب) في تعاطيه مع المكان عن طريق تحديد عدد المتفرجين في كل مشهد ، كما أن فريق العمل لم يدخر جهداً في إكتشاف فضاءات جديدة تضاف إلى فضاءات المنتدى، إذ لم يقتصر الامر على الباحة الوسطية والغرف الجانبية والطابق العلوي بل تعداه ليشمل السلالم الجانبية التي إحتاج المتلقي إلى دليل يرافقه من اجل الوصول إلى منطقة العرض، فضلا عن ثبات المشهد وحركية المتلقي ، بمعنى أن مشاهد العرض ظلت مستقرة في مكانها ويقع على عاتق المتلقي الوصول إليها ، كما ان إعتماد المخرج على التعدد المكاني لم يكن بداعي النزوة السينوغرافية بل إرتبط على نحو قصدي ومنسجم مع النسق النصي المتشظي ، من جهة اخرى فإن إعتماد فريق العرض على توظيف مفهوم (التشاركية) الذي تنوع فيه الإشتغال على مستويات عدة هي ( الكتابة النصية، والاداء الجماعي ، ومشاركة المتلقي في العرض) الأمر الذي بدا فيه فريق العرض مستفيداً من تجربة المخرج (باسم الطيب) المسرحية في أوروبا، إذ يشكل مفهوم التشاركية مفصلاً مركزياً في عروض المسرح العالمي المعاصر.
الاداء الوظيفي والشكل البصري :
كشفت الإشتراطات التي ينتمي إليها (فن العرض) عن اساليب ادائية مختلفة ، تعتمد السلوك الوظيفي في الاداء اكثر من الإعتماد على جماليات الملفوظ اللغوي او التعبير الجمالي، الامر الذي بدا واضحاً في عرض (إعزيزة) إلا ان ذلك لم يمنع من توافر العرض على لمحات جمالية على مستوى الاداء الجماعي التعبيري ،لاسيما المشاهد التي توافرت في الفصل الاول من العرض وماتحتويه من مشاهد حركية كشفت عن الفكرة الاساسية للعرض وعن سيطرة (إعزيزة) على المدينة/ البيت، وقد بدا ذلك واضحاً عن طرق إحتكام الممثلين على سلوك تعبيري يتسم بالقسوة على الآخر من دون توافر سبب لذلك ، فضلا عن ذلك فقد إمتلك بعض الممثلين قدرات أدائية إمتلكت حضورها ، لاسيما الممثل (أمير عبد الحسين ) الذي إستطاع السيطرة على ادواته التعبيرية على الرغم من تكرار المشهد على جميع المتفرجين على نحو إنفرادي لم يكن الممثل فيه يمتلك حرية الحركة ، كما ان اداء الممثل (غسان إسماعيل) كان مثيراً من جهة قدرته على إختزال الحركة من اجل إثارة إنتباه المتلقي والسيطرة عليه ، وقد إمتلك الممثل (أمير البصري) سلوكاً أدائياً متميزاً في التعبير عن فكرة النازحين بسبب العنف الذي يجتاح البلاد، كما وتعد الممثلة (هند نزار) من مكتسبات هذا العرض الأدائية ، سواء في المشهد الحركي الإستهلالي إو في مشهد (الاحلام) الخاص بها.
من جهة اخرى فإن العديد من الممثلين كانت بهم حاجة إلى توظيف ادواتهم على نحو فاعل ، ذلك ان المشاهد التي قاموا بتجسيدها تحتكم على أفكار مثيرة ، إلا ان الاداء كان متواضعاً ، كما في اداء الممثلة (شروق الحسن ) وعلى الرغم من توافر المشهد على فكرة مهمة تتمثل في معاناة المرأة العراقية، إلا ان الاداء التمثيلي لم يرتق إلى مستواى الفكرة ، فضلا عن ذلك فإن مشهد (الكاريكاتير) لم تكن به بحاجة لممثل يشرح للمتلقي التعبيرات الكاريكاتورية الواضحة ، واعتقد ان (فن العرض) يسمح بالتعبير عن الفكرة من دون ضرورة لوجود الممثل ، كما ان المخرج لم يتفاعل مع قدرة الممثل ( أمير أبو الهيل ) الادائية التي عمد إلى تحجيمها في مشهد (3D ) الذي لم يكن يحتاج إلى ممثلين ، ويأتي المشهد (اللطم) الاخير تعبيراً مجازياً عن اوجاعنا واحلامنا المجهضة ومستقبلنا المجهول ، عبر اداء جماعي تعبيري يستحق الثناء.
لم يكن العرض منتظماً على مستوى التشكيل البصري ، بإستثناء المشاهد الجماعية في الفصل الاول والاخير ، إذ افتقرت العديد من المشاهد إلى توافر الرؤية البصرية كما في مشهد ( شروق الحسن) الذي بدا قبيحاً على المستوى البصري ، على الرغم من توافره على فكرة تستحق إهتمام المخرج .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟