الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحدة اليسار المقسوم على عشرة! حوار مع نادية محمود

أسعد الخفاجي

2005 / 8 / 23
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


قرأتُ للكاتبة الفاضلة ، نادية محمود متفائلاً عنوان مقالتها : "السؤال هو مالعمل؟" ، فحصل لدي أول الأمر ، إنطباع إيجابي مفاده أن الموضوع ، أريد له أن يساهم في توحيد القوى اليسارية والعلمانية والديمقراطية العراقية ، في جبهة صلدة بإمكانها التصدي لجحافل التحديات السياسية والإجتماعية والثقافية ، التي ماإنفكت تعصف بالعراق منذ أربعة عقود ونيف. وسرعان ما خاب ظَنّي لدى الإنتهاء من القراءة ، لأني لم أجد فيها حلاً ناجعاً ، ولا خطة عمل شافية ، لأوضاع الوطن الكارثية.

في البداية تُعَرّفُنا الكاتبة بمضمون الدستور المقترح ، بموجب مسودته المعلنة ، فتصفه بأنه "دستور يدفع البلاد والناس إلى جهنم وبئس المصير" ، وهو مرفوض من الجماهير ، لذلك "يجب أن يذهب إلى المزبلة". وفي ختام المقالة ، وبدلاً من قرائتنا الإستنتاج الذي يلخص "العمل" المطلوب ، تطالعنا العبارة الشاملة الموسوعية الآتية: "كعضو في مؤتمر حرية العراق أوجه الدعوة للعمل المشترك معاً وأدعو كل الرافضين للدستور الإسلامي الطائفي الرجعي ، الى العمل بدأب وبمواظبة معاً وكل في مكانه من أجل إنهاء الإحتلال والإرهاب الإسلامي وإعادة المدنية إلى العراق." ، وكأني بالكاتبة تضع وثيقة برنامجية متكاملة ، لحزب طليعي جماهيري ، يزيد عدد أعضائه على المليون مناضل ، من النخبة الإقتحامية على النمط الكلاسيكي!

في الواقع لم نجد في المقالة عبارة واحدة واضحة تدلنا ، صراحة ، على "العمل" الوطني الفاعل ، الذي سيمكننا من تصحيح الأوضاع ، والخروج بالعراق من عنق الزجاجة. تبدأ الكاتبة مقالتها بذكر المشاكل السياسية المتفاقمة في البلاد ، وتنهيها بذكر وصفة هي أقرب إلى شَعْرِ البنات (تلك الحلوى العراقية المتيسرة ، لأطفال فلاحينا الفقراء ، والتي ما أن يمسكوا بها ، حتى تتلاشى بين أصابعهم الغضة!) منها إلى البرامج الجماهيرية الجادة.

وفي سياق مصفوفة المشاكل ، التي رصدها يراع الكاتبة النقدي بمهارة فائقة ، ولم يلمسها ولو بريشة رقيقة من المعالجة الموضوعية ، أو الحل الواقعي الملموس ، نقرأ ما يأتي:

"لجنة كتابة دستور مشكلة على أساس طائفي" و " غلق محلات التسجيل الى تصفية المسيحيين ، من تحجيب النساء الى التهجم على طلاب الجامعات" و "الشباب الذي لا يذهب الى الجامع يضربون نوافذ بيته". ثم يتنبأ البحث بالصورة الآتية: "حينها لن يرى المجتمع الأمن والسلام ، سيكون الجوع والتعذيب وحرمان البشر مظاهر يومية معاشة ، ستمتلئ السجون بكل معارض وحمامات الدم المسفوح بسيوف الاسلام ستبدأ في العراق؟!".

وقد سمحت لنفسي إضافة مشكلة أخرى ، نراها كبيرة وخطيرة ومتنامية بشكل مخيف ، إلى تلك المشاكل الواردة في المقالة ، معتقدين أنها سقطت سهواً ، ألا وهي مسلسل العنف الدموي الذي يحصد آلاف الأرواح البريئة من الأطفال والنساء يومياً ، في الشوارع والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس ، ومنظمات المجتمع المدني ، وغيرها. أضف إلى ذلك إشكالية مضايقة طلبة الجامعات ، وذبح الحلاقين العصريين ، ومنع لبس الجينز ، وقتل بائعي البيرة ، بحجة النهي عن المنكر.

ولكن ، هل يمكن إستنباط خطة "العمل" التي يدعو إليها العنوان الجيد ، بالإستناد إلى الإفتراضات الآتية المذكورة في المقالة هنا وهناك؟ ولنقرأ مع الكاتبة بعضاً منها:

"لقد طرحنا مبادرة تأسيس مؤتمر حرية العراق ، تحدثنا عن تنظيم ديمقراطي يضم القوى التحررية ، العلمانية ، المناهضة للإحتلال الإسلامي ومن أجل إعادة المدنية للمجتمع في العراق" ثم نقرأ في مكان آخر من المقالة: "إبتدأ مؤتمر حرية العراق اعماله بتنظيم الجماهير بعقد الاجتماعات في بغداد والبصرة والفلوجة."

بعبارة أخرى ، تدعو الكاتبة إلى قيام تنظيم ديمقراطي ، يضم القوى اليسارية ، التحررية ، العلمانية ، المناهضة للإحتلال "الإسلامي". نؤيد الكاتبة فيما تقترحه ، ونرى أن أغلبية الشعب العراقي تؤيدها في ذلك المشروع الوطني الخلاق. لكننا نلفت إنتباه الكاتبة إلى إعادة النظر في عبارة "الإحتلال الإسلامي" ، لأن الإحتلال الحالي في العراق ، كما يفهمه الأخضر الإبراهيمي ، وأشرف قاضي ، وكوفي عنان ، هو إحتلال أمريكي. كما وتنظر الكاتبة بشدة ، لتنظيم الجماهير ، بعقد الإجتماعات في "بغداد والبصرة والفلوجة" ، لغرض التحريض ضد الإحتلال والتطرف الإسلامي. ونود هنا الشد على يد الكاتبة ، في مشروعها هذا ، مع تقديم مقترح لتوسيع الساحة الجماهيرية ، التي تريدها الكاتبة منطلقاً للتحرير ، من "بغداد والبصرة والفلوجة" إلى جميع أنحاء الوطن العراقي. لأننا نرى أن إقتصار التنظيم الجماهيري على البصرة ، "التي ما يفعله الإسلاميون فيها يبدو متطرفاً في إيران" ، والفلوجة (المدينة الملقبة بأم المساجد ، والتي تشتهر بكونها أول مدينة عراقية حكمت بالشريعة الإسلامية للفترة من نيسان 2004 ولغاية تشرين الثاني 2004) ، معناه حرمان سائر أرجاء الوطن من هذه الفرصة ، مما قد يثبط عزائم الشعب العراقي في كردستان والوسط والجنوب.

أود الإعتراف بأني وجدت ردة فعل الكاتبة على مسودة الدستور ، وجدتها أمراً منطقياً ، أثلج صدري ، حيث لمستُ بالفعل في المسودة سيئة الصيت ، تجاوزات رهيبة على الحقوق المدنية للإنسان العراقي ، ولاسيما المرأة ، التي تحولت بموجبها ، إلى كائن بائس مضطهد ، ومستسلم لإرادة وهيمنة الرجل.

وبهذه المناسبة أستميح الكاتبة العذر ، فإذا كانت تطمح في مقالتها ، مخلصة ، إلى صياغة دستور ديمقراطي علماني ، بعيد عن التطرف الديني ، وإلى إنهاء الإحتلال الأمريكي ، وإنهاء معاناة آلاف العراقيين من الإرهاب الذي يقتل على الهوية ، ومحاربة الفساد الإداري ، وتدني مستوى الخدمات ، فكيف يتسنى لها أن تنجح في دعوتها تلك ، إذا لم تستند إلى قاعدة جماهيرية عريضة؟. لقد إستثنت في مقالتها الأحزاب الإسلامية القادمة من "المنفى في إيران" ، وحزب الدعوة الإسلامي القادم من لندن ، وأحزاب الأكراد الذين "يقايضون الدين بالفدرالية" ، والوفاق العلماني لأياد علاوي القادم من لندن ، والمؤتمر الوطني العلماني لأحمد الجلبي القادم من لندن ، والحزب الشيوعي القادم من روسيا ، والحزب الإسلامي السني ، ومجموعة الشيعة المستقلين ، ومجموعة الياور السنية المستقلة ، وغيرهم. من الذي بقي إذن من قوى الشعب العراقي ، التي "تعمل" الكاتبة على زجها في حرب تحرير شاملة للوطن ، من براثن الإحتلال الأمريكي ، أكبر قوة دولية غاشمة ، منفردة بصنع قرارات العولمة الكونية؟!

تكتب الأستاذة نادية في مقالتها عن الإسلاميين ، واصفة إياهم بأنهم تمكنوا من "تأسيس وفرض حكمهم في كل حي في كل شارع" ، وأنهم "فرضوا حكمهم على كل إنسان". ولتسمح لنا بطرح السؤال الذي نراه مشروعاً: كيف يتسنى لليسار العراقي ، ذلك التيار المغلوب على أمره ، والمقسوم على عشرة ، أن يكتسح الإسلاميين المُوَحَّدين ،الذين "فرضوا حكمهم على كل إنسان" ؟ ، كيف يستطيع اليسار العراقي ، الممزق ، المتناحر ، المتشرذم إلى تيارات ، وأحزاب ، تعادي بعضها البعض ، تحويل "هاتين السنتين إلى معركة له"؟ ، وكيف يكون بمقدوره أن "يشكل قوته على الأرض"؟ ويضع "نصب عينيه الإستحواذ على السلطة؟". وعن أية "فرصة أخيرة" تتحدث الكاتبة في مقالتها؟ ، من جانب آخر ، إذا كان العراق بالفعل معروفاً "بيساريته على إمتداد قرن بأكمله" ، فكيف أفلح إذن ذلك "الإرهاب الإسلامي" (وأتوقع أن الكاتبة في مقالتها ، تعد شبكة الزرقاوي والقاعدة وأنصار السنة وجيش محمد ، أجزاء منه) ، في فرض "حكمهم على كل إنسان"؟!!!

شئ أخير نود الإشارة إليه ، ماذا تعني عبارة: "من أجل إعادة المدنية للمجتمع في العراق"؟ الواردة في المقالة؟ أهي دعوة للعودة إلى المجتمع ، الذي كان قائماً في ظل نظام صدام؟ ومتى كان مجتمع صدام العسكري الشوفيني الطائفي الفاشستي ، مجتمعاً مدنياً يتغنى به اليساريون المعاصرون؟! أكاد لا أصدق عيني فيما أقرأ! فهل تجدين قارئتي العزيزة ، وهل تجد قارئي العزيز ، بعد هذه الجولة السريعة في مقالة "السؤال هو مالعمل؟" مشروعاً يسارياً جاداً ، أم مجرد شَعْر بنات؟!

********************************
السؤال هو.. ما العمل؟
نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 1281 - 2005 / 8 / 9
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=42773









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي