الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادوارد سعيد والقضية الفلسطينية.

أماني أبو رحمة

2014 / 10 / 17
مواضيع وابحاث سياسية




اتساع مقاربات ادوارد سعيد في النقد الأدبي واهتمامه الكبير بمواضيع أخرى في الوقت ذاته فهو : ناقد الأوبرا، وعازف البيانو، نجم التلفزيون الشهير ، والسياسي، والخبير الإعلامي، والكاتب والمحاضر، والشخصية الثقافية العامة ، أقول هذا الاتساع جعل الرجل عصيا على التصنيف السهل، الا أنني سأتناول في هذه المداخلة بعضا من الأفكار الاشكالية خصوصا ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية التي أولاها الراحل اهتماما كبيرا .
كتابه الأكثر تأثيرا، الاستشراق (1978)، وأهمية الكتاب وطروحاته تكمن في أنه ساعد في تغيير اتجاه العديد من التخصصات من خلال الكشف عن تحالف غير مقدس بين التنوير والاستعمار. كان نقده منصبا على ما يطلق عليه حقبة التنوير الغربي. فكرة الكتاب الأساسية كان التعريض بعجز الثقافة الغربية عن تحديد نفسها إلا من خلال (آخر ) وكان الآخر كما قال سعيد هو الشرق الذي لا بد أن يخشاه الأوروبي وأن يسعى للسيطرة عليه. كان من السهل بعد ذلك استنتاج أن كل ما يقوله الأوروبي عن الشرق هو عنصري وامبريالي وموجهة إثنيا . نال الكتاب أوسع شهرة ممكنة في الشرق والغرب ولا زال ،وربما أنه سيبقى لفترة طويلة مرجعا في تفسير العلاقة بين الشرق والغرب . ومن وجهة نظري وعلى الرغم من قوة الفكرة وما بذله سعيد من جهد كبير في اثباتها بالأدلة والأمثلة إلا أنها ستعطل لحين مقاربات أُخرى للعلاقة بين الشرق والغرب والذي لا يجب ان تكون حصرية في العلاقة التي وضعها سعيد . وأود أن اختصر هنا فأقول إن سعيد هاجم المسحة الانسانية التي غلف التنوير الغربي بها نفسه انطلاقا من مدخل انساني أيضا ، ولكن للقضية مداخل واشكاليات أخرى قد تكون أهم وأعمق . شكل قبول الثقافة الغربية ، التي أرى ان سعيد ينتمي اليها أساسا ، للفكرة مدخلا ، وإن نسبيا ، للتصحيح واعادة النظر بحيث مكن الكثير من الدارسين والباحثين بل والأدباء الشرقيين المقيمين في الغرب من الاستفادة من فكرة (سرديات القهر والظلم) لتفسير ومناقشة تمثيلات (الآخر) غير الغربي في الثقافة الغربية او عند المستشرقين .
في كتابه سياسة التجريد: كفاح شعب فلسطين لتقرير المصير 1994, سأل سعيد ما وصفه بـ "السؤال الذي يتعين طرحه"، وهو : الى أي حد والى متى يمكن لتاريخ معاداة السامية والهولوكوست أن تُوظف بوصفها سياجا لإعفاء إسرائيل من العقوبات التي تستحقها لممارساتها تجاه الفلسطينيين، العقوبات ذاتها التي وظفت ضد حكومات قمعية أخرى، مثل جنوب أفريقيا؟ الى متى سنستمر في إنكار أن صرخات أهل غزة ... ترتبط مباشرة بسياسات الحكومة الإسرائيلية وليس بصرخات ضحايا النازية؟ ". كان أذكى من أن يتورط في إنكار الهولوكوست ولكنه أيضا كان بارعا في طرح القضية بهذه الصورة في الأوساط الفكرية والسياسية الغربية ، تماما مثل عبارته الشهيرة في السبعينيات حين تصاعدت حكايات تشابك الروايتين الفلسطينية والاسرائيلية على أرض فلسطين فقال عن الرواية الاسرائيلية " "أنا لا أنكر مطالباتهم، ولكن مطالبتهم تنطوي دائما على الحرمان الفلسطيني". وهنا أود أن أنوه الى أن الروايتين المتشابكتين هما الرواية التوراتية لليهود الشرقيين وسكان البلاد الاصليين الفلسطينيين وليست بحال الرواية الاستعمارية للصهيونية العنصرية التي تدثرت باليهودية التوراتية لتبرر توطين الذين جاءوا الى فلسطين مستعمرين وليس في اطار عودة تاريخية كما يزعمون ، الأمر الذي لم تفنده عبارة سعيد السابقة . هذا فضلا عن طرح اشكالي آخر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وهو تأكيده على ضرورة العمل على اشراك الاسرائيليين في النضال الفلسطيني وان لا سبيل آخر لتحصيل حقوقهم (بجانب حقوق الاسرائيليين ) ضاربا أمثلة عن فيتنام والجزائر وسواها ، متجاهلا ضرورة اسناد الفكرة بأشكال أخرى من المقاومة ، ومتجاهلا أيضا الاختلافات المتأصلة بين القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا (1998) .
عارض إدوارد سعيد أُوسلو بقوة ، وأكد على أن مهمة منتقدي اسرائيل ليس إعادة انتاج صورة فلسطينية طبق الأصل من الايدلوجية الصهيونية عن الداياسبورا والعودة وإنما العمل على صياغة رؤية علمانية ديموقراطية قابلة للتطبيق على العرب واليهود معا. ولا بد من التذكير أيضا أن سعيد نفسه كان من أهم مؤيدي حل الدولتين الأمر الذي يعني ضمنا الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود ورفض سياسة الكفاح المسلح ووصفه بالمحظور - بسبب إرث المحرقة والظروف الخاصة للشعب اليهودي كما قال - علما بأنه حق مشروع كفلته كل الأعراف والمواثيق الانسانية والدولية، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة حول توجهاته السياسية وتقلباتها وما عده فلسطينيون تنازلات سياسية بل وثقافية وفكرية لصالح الصهيونية دون مقابل يذكر . في الوقت ذاته تعرض سعيد لهجوم المناصرين للصهيونية وداعمي اسرائيل والجناح اليميني عموما في الغرب بسبب ما عدوه أفكاراً وسياسات ضد اليهود عموما واسرائيل. مع ملاحظة ان سعيد لم يتعرض أو يناقش حق اسرائيل في الوجود من أساسه كما أن طروحاته عن حقبة ما بعد الاستعمار تثير التساؤل عن نظرته لإسرائيل التي تجسد الاستعمار الغربي في اصغر بقعة ممكنة . يمكنني أن اختصر ما سبق لأقول أن سعيد كان مفكرا غربيا متعاطفا مع الشرق وقضاياه ، اشكالي في كل طروحاته ، وأن الافكار التي جاء بها جاملت – في احسن الأحوال – الغرب ، دون أن تحقق أي تغير يذكر في سياسات الأخير في المنطقة سيما ما يتعلق بإسرائيل المستعمرة الغربية التي تؤكد ان الاستعمار الغربي لم يخرج من المنطقة، بل أنه يعود الآن بشكل مباشر و غير مباشر معاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي ينصح بتعلم البرمجة لكسب 100 ألف دولار شهريا!


.. تونس.. رسائل اتحاد الشغل إلى السلطة في عيد العمّال




.. ردّ تونس الرسمي على عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات


.. لماذا استعانت ليبيا بأوروبا لتأمين حدودها مع تونس؟




.. لماذا عاقبت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تونس؟