الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الأديب الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف العضوي الفاعل- من - بؤرة ضوء- - الحلقة الثانية عشر - الجزء الأول

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2014 / 10 / 17
مقابلات و حوارات



حوار مع الأديب الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف العضوي الفاعل- من - بؤرة ضوء- - الحلقة الثانية عشر - الجزء الأول

14. ما كرنولوجيا مفهوم فن البرهان والإقناع عند فلسفة ماركس "المادية الجدلية " ؟
الجواب :
لعل من المفيد - في معرض الحديث عن التطور التاريخي لفن البرهان الماركسي - التطرق أولاً لوصف معالم شخصية ماركس الشاب و المحطات المهمة في تطوره الفكري ، و ثانياً : سرد موجز لتطور علم المنطق ، و ثالثاً : العرض لطبيعة المنطق الماركسي ، و رابعاً : التفصيل في أسلوب البحث العلمي الماركسي .
ماركس الشاب و محطات تطوره الفكري
إنماز ماركس الشاب ، مذ أن أصبح طالباً جامعياً في بون و من بعدها برلين بخصلتين شديدتي الأهمية بقيتا ملازمتين له منذ عام 1835 حتى وفاته سنة 1883: العشق العميق الذي لا قرار له أبداً للعلم و المعرفة ؛ و التكريس التام لكل قدراته في خدمة البشرية بنكران ذات منقطع النظير . يصف ماركس شعراً عشقه الدائم للعلم بالقول ( أعتذر للقارئ الكريم من ترجمتي النثرية لهذا النص و التي أفقدته أريجه الشعري ) :
" أبداً لا أقْدَرُ الأداءَ بسكون
لِذاك الذي أسِرَ روحي بقوة ،
لي السعيُ و النضالُ قُدُماً
في تحليقٍ دائمٍ لا يَهْدأ .

كلُّ النِعَمِ المُقدَّسة الحافِزة
أجعلها جزءاً من الحياة ،
مُخترقاً مملكةَ العلوم
لأدرك أفراحَ الغِناء و الفن . "

أما ميزته الثانية ، فيلخصها ماركس الشاب في رسالته عام 1835 لأبيه ، يقول ماركس :
" إذا ما اخترنا ذلك الموقف في الحياة الذي نستطيع من خلاله أن نعمل ، أكثر من أي شيء آخر ، من أجل البشرية ، عندها لا يمكن لأي حِمْل أن يَحنينا ، لأن تضحياتنا ستكون لمصلحة الجميع ؛ و عندها لن نعود نجرب أي متعة أنانية تافهة محدودة ، بل ستكون سعادتنا ملكاً للملايين ، و ستبقى أعمالنا حية بهدوء ، و لكنها فاعلة ، و على رمادنا سيذرف نبلاء البشر الدموع السخينة ."
في جامعة برلين ، خلال عامي (1836-7) ، كرَّس ماركس كل وقته - ليل نهار - لدراسة الفلسفة و فقه القانون و التاريخ و الأدب و تاريخ الفن و العلم و الجغرافيا .. إلخ ؛ مستثمراً في ذلك إتقانه للغتين اللاتينية و الإغريقية ، و عادة تلخيصه بالألمانية لزبدة قراءاته في كراسات شخصية ؛ كما أنتج ثلاثة دواوين شعرية . و ما أن حل عام 1837، حتى كان ماركس قد غادر المثالية التجريدية لفيختة و كانط ، ليعانق جدل العملاق هيجل ، المتوفي في برلين عام 1831 دون أن يتسنى لماركس الشاب مقابلته .
في رسالته لأبيه المؤرخة في العاشر من تشرين الثاني ، 1937 ، يصف ماركس تلك المرحلة المفصلية في تطوره الفكري بالقول :
أبي العزيز

هناك أوقات تصبح هي المعالم البارزة في حياتنا ؛ و هي لا تكتفي بإسدال الستار على طَوْرٍ قد مضى ، و لكنها ، في ذات الوقت ، تؤشر بوضوح لتوجهنا الجديد . عند مثل نقاط التحول هذه ، نشعر بالإندفاع للمسح النقدي للماضي و الحاضر بغية التوصل للاستيعاب الواضح لوضعنا الفعلي . كلا ، إن البشرية بالذات ، مثلما يبين لنا كل التاريخ ، تود الإنغماس في استرجاع الأحداث و التأمل ، و لهذا فهي تبدو في وضع المتراجع أو المتوقف في مكانه ؛ في حين أنها ، بعد كل شيء ، لم تلجأ إلا لإسناد نفسها خلفاً على ظهر كرسيها لكي يتسنى لها فهم نفسها على نحو أفضل ، و لتستوعب أفعالها ، و لتتوغل في عمل الروح .
غير أن المرء يصبح غنائياً في مثل هذه الأوقات ؛ لأن كل تحوّل إنما هو جزئياً مرثاة للماضي ، و هو المستهل لقصيدة جديدة عظيمة تكافح بغية نيل تعبيرها الدائم وسط فوضى الألوان المتألقة و العابرة . و مهما كان الأمر ، فسيسرنا اقامة نصب تذكاري لتجاربنا السابقة ، لتستعيد في الذاكرة أهميتها المفقودة وسط زحمة مشاغل الحياة : و هل نجد وسيلة أكثر ملائمة لفعل ذلك أفضل من جلبها و وضعها أمام قلوب أبوينا !
و الآن ، عندما أعمل جرداً للسنة التي أمضيتها مؤخراً هنا ، في معرض الإجابة على رسالتكم المرحب بها كثيراً المبعوثة من "إيمز" ، اسمحوا لي أن أعتبر أن موقفي ، مثلما هي نظرتي للحياة كلها ، هو التجسيد للقوة الروحية التي تسعى للتعبير في كل الإتجاهات : في العلم ، و في الفن ، و في ذاتي الشخصية .... حال وصولي برلين ، قطعت كل ارتباطاتي السابقة ، و توقفت عن الزيارات إلا نادراً و راغماً ، و سعيت لدفن نفسي في العلم و الفن .... و طبقاً لتصوراتي وقتذاك ، فقد كان لا بد أن يصبح الشعر همّي الأول ، أو على الأقل أنسب إهتماماتي ، و الذي أهتم به أكثر من غيره . غير أن الشعر ، مثلما هو متوقع في ضوء ميولي و التوجه الكلي للتطور عندي ، كان مثالياً بحتاً . و بالتالي ، فقد تعين علي أن أدرس فقه التشريع ، و فوق ذلك ، فقد شعرت باندفاع قوي للتعامل مع الفلسفة . إلا أن هاتين الدراستين كانتا متواشجتين ، بحيث أنني كنت أشتغل على أعمال المحلِفين القانونيين " هاينوشيوس " و " تيبو " و على مصادر التشريع إشتغال المتطلع للمعرفة دون كثير نقد ، فترجمت ، على سبيل المثال ، الكتابين الأولين من المجموعة الكاملة لقوانين "جستنيان" ، و في الجانب الآخر ، فقد حاولت تطوير فلسفة للقانون في حقل التشريع . و على سبيل المقدمات ، فقد دوَّنت بعض المبادئ الميتافيزيقية ، و واصلت هذا العمل الباعث على الأسف حتى بلغت موضوع "الحقوق العامة" ، لأسوّد حوالي ثلاثمائة ورقة .
هنا ، أكثر من أي شيء آخر ، برز أمامي مزعجاً و بأنصع ما يكون ذلك التناقض بين ما هو كائن و بين بما يجب أن يكون ، و هو ما يميز (الفلسفة) المثالية . فقد كان هناك أولاً ما قد أسميته تلطفاً بـ "ميتافيزيقا القانون" ، أي : المبادئ الأولية و التصورات و التعريفات ، و هي تقف لوحدها معزولة عن كل فقه للتشريع و عن كل شكل من أشكال الممارسة الحقوقية . كما أن الشكل غير العلمي للدوغمائية الرياضية الزاخر باللف و الدوران حول الموضوع ، و الزاخر بالمجادلات المبعثرة ، دونما أي تطور مثمر أو خلق حيوي ، منعني منذ البداية من بلوغ "الحقيقة" . بوسع عالم الرياضيات أن ينشئ مثلثاً و أن يبرهن عليه ؛ و لكن المثلث هو مجرد مفهوم مكاني ، و هو ليس بحد ذاته عرضة لأي تطور إلى حد أبعد من ذلك ؛ و يتعين ربطه بشيء آخر ، كلما تطلب مواصفات أخرى ، و هكذا عِبْرَ وضع الشيء نفسه في علاقات متنوعة يصبح بمقدورنا إستنتاج علاقات جديدة و حقائق جديدة . في حين أن التعبير الملموس للحياة الفكرية التي نمتلكها في "القانون" و في "الدولة" و في "الطبيعة" ، و في كل الفلسفة ، يستلزم دراسة الموضوع في تطوره .... يجب على فكر المرء أن ينطلق من تناقضه الذاتي حتى يكتشف وحدته الخاصة ....
و نتيجة لهذه النشاطات المتنوعة ، فقد أمضيت عدة ليال من السهر خلال فصلي الدراسي الأول ، خائضاً غمار عدة معارك ، و أضطررت لتحمل الكثير من الإجهاد الفكري و الجسدي ، و في خاتمة كل هذا لم اجد نفسي أفضل حالاً ، بعد أن هجرت الطبيعة و الفن و المجتمع ، و ازدريت المتعة : ذلك هو ، في الواقع ، التعليق الذي بدا أن جسدي يقوله . نصحني طبيبي أن أجرّب السفر للريف ، و هكذا ، و فيما كنت أجتاز للمرة الأولى الطول الكلي للمدينة ، فقد وجدت نفسي أمام بوابة شارع " شترالاو ".... و من المثالية التي تعلقت بها طويلاً ، حدبت على البحث عن المثال داخل واقعي ذاته . و في حين كانت الآلهة تقطن فوق الأرض ، فقد أصبحت الآن هي مركز الأرض ذاته .
و كنت قد قرأت أجزاء من فلسفة هيجل ، و لم يكن لحنها الغريب الوعر ممتعاً لي . مرة أخرى ، رغبت في الغوص إلى أعماق البحر ، عازماً بحزم هذه المرة على العثور على طبيعة روحية جوهرية و ملموسة و تامة تضارع المادية سواء بسواء ، و بدلاً من الإنغمار في البهلوانيات الفكرية ، أردت جلب الدرر الصافية تحت ضوء الشمس .
كتبت زهاء 24 ورقة لمحاورة أسميتها " كليانثيس ، أو : حول المصدر و التطور الحتمي للفلسفة " . و فيها مزجت إلى حد ما بين الفن و العلم ، اللذين أبقيا منفصلين عن بعضهما حتى ذاك الحين ، و لكوني مغامراً جسوراٌ ، فقد عكفت حتى على مهمة تطوير فلسفة تفسر جدلياً طبيعة "المعبود" حسبما تتجلى في المفهوم المجرد و في الدين و في الطبيعة و في التاريخ . و كانت آخر أطروحة لي هي البداية لنظام هيجل ؛ و هذا العمل ، الذي دفعني للإستزادة من العلم و من " شيلينغ " و من التاريخ ، و الذي جعلني أمضي أوقاتاً لا تحصى في التفكير العميق ، سلمني كصفارة إنذار كافرة بأيدي العدو ....
و لاضطرابي بسبب مرض (خطيبتي) جيني ، و بسبب العقم و الفشل التام لجهودي الفكرية ، و لتمزقي بغيض إضطراري لاعتناق وجهة نظر كنت كارهاً لها فيما مضى ، فقد سقطت معتلاً ، مثلما كنت قد أخبرتك في رسالة سابقة . و حالما بللت من المرض ، أحرقت كل أشعاري و المادة التي كنت قد جمعتها لمشروع القصص القصيرة المستقبلي و ذلك في غمرة تصوري سدى بإمكانية التخلي عن كل ذلك ، و من المؤكد أنه ليس لدي لحد الآن أي سبب يحملني على نكران ذلك .
و طوال فترة مرضي ، فقد تعرفت على هيجل من البداية حتى النهاية . و من خلال اللقاءات المتكررة مع أصدقائي في "شترالاو" فقد حصلت على تقديم لـ "نادي الخريجين" الذي يوجد فيه عدد من الأساتذة و الدكتور "روتنبيرغ" ، و هو من أقرب أصدقائي البرلينيين . و في النقاشات التي دارت ، جرى عرض العديد من وجهات النظر المتضاربة ، و ازداد أكثر فأكثر تورطي بثبات في شباك الفلسفة الجديدة التي كنت قد أزمعت الإفلات منها ؛ و لكن كل شيء مفوَّه عندي سَكَتْ ، و تملكني غضب حديدي حقيقي ، مثلما قد يحصل بعد كل هذا الكم الهائل من النفي " (نويه تسايت ، السنة 16 ، المجلد الأول ، العدد 1) .
*
*
يتبع ، لطفاً .
________________
انتظرونا والأديب ، المفكر الماركسي حسين علوان عند ناصية رواق - ج . من الشؤون الفلسفية - والجزء الثاني من سؤالنا :
14 . ما كرنولوجيا مفهوم فن البرهان والإقناع عند فلسفة ماركس "المادية الجدلية " ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التقدير والإعجاب
فؤاد النمري ( 2014 / 10 / 19 - 03:46 )
أعجبت كل الإعجاب بتقديم السيدة فاطمة لشخصية ماركس التي لم أكن على معرفة دقيقة بها
كل التقدير لهذا التقديم الدقيق والعميق بذات الوقت

وبالمتاسبة أستسمح السيدة فاطمة الفلاحي لأقول ..
العبور من المجتمع البورجوازي إلى المجتمع الشيوعي لا يحتاج إلى شيوعيين فقط بل إلى شيوعيين ينكرون ذواتهم مثلما أنكرها ماركس وإنجلز ولينين وستالين

اخر الافلام

.. رئيس الوزراء أتال يقدم استقالته للرئيس ماكرون الذي يطلب منه


.. مدير الشاباك الإسرائيلي يتوجه لمصر لمواصلة المحادثات بشأن وق




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على جنوبي غزة وسط توغل بري وإطلاق ل


.. قراءة عسكرية.. فصائل المقاومة تكثف قصفها لمحور نتساريم.. ما




.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي أمر بتفعيل بروتوكول -هانيبال- خلال ه