الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعا عن العلمانية .. ليس الالحاد

صلاح اميدي

2014 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


في البداية يجب الاشارة الى المعنى اللغوي ثم الى المفهوم الاجتماعي لمصطلح ( العلمانية اوالعلمنة secularism´-or-secularization ) ، نظرا للخلط الدارج والشائع من قبل الكثيرين بين هذا المصطلح ومفهوم (الالحاد) .. اخرون كثيرون لا يملكون اصلا التعريف الصحيح لهذا المصطلح ..
العلمانية هي اطروحة Thesis التحول الاجتماعي ، من مجتمع تكون فيه ادارة الامور االحياتية وبخاصة السلطة السياسية ,وكذلك ( الاشخاص )المندوبون من قبل الشعب لملء تلك المواقع ، من مجتمع يكون فيه الامور هذه جميعها مربوطة ومرهونة بشروط وقوانين الدين والشريعة ,او الكنيسة ، الى مجتمع يسير ويحتكم الى القوانين الدستورية المدنية لتنظيم حياة الافراد والمجتمع على حد سواء ... مجتمع يحكم بقوانين متجددة وتشريعات ليس للشرع الديني فيها موقف الحكم اوالوسيط .

ليس هناك من ربط بين العلمانية في مفهومها الصحيح والالحاد كمقتنع فكري -ثيولوجي ... وللاختصار فالعلمانية هي عملية فصل الدين عن امورالدولة و ليس لها شان في نفي المعتقد الديني للاشخاص ...

لربما وكما سنرى ان العلمنة اوالعلمانية تضمن للشخص من بين ما تضمنها من الحريات الاخرى ، حرية الابتعاد عن تعاليم الدين ، فاصبحت بذلك يرمز لها عنوة , من قبل من قبل اصحاب فرض قانون الشريعة على المجتمع ، بالالحاد ... متناسين بانها تضمن ايضا للفرد المتدين حرية المعتقد والتعبير واقامة الطقوس والشعائر الدينية بدون تدخل , ربما بشكل افضل من مجتمع محكوم من قبل دكتاتورية سياسية متحالفة مع رجال الدين ..
اذن انها اي(العلمانية) تمثل حالة حياد Neutrality و ليس حالة الحاد Atheism ..

كان الانكليزي (1906 -1817 George Jacob Holyoake) اول من استعمل العلمانية Secularism كمصطلح عصري ، ولكن جذورالكلمة التاريخية كدلالة لغوية على "حرية الاعتقاد و التفكير" , كانت في المتناول عبر التاريخ . استعمله الرومان والاغريق وتطورت مفاهيمه مع ظهور المنظرين الاجتماعيين ,امثال (كارل ماركس و فولتير وماكس ويبر وفرويد) , وغيرهم , ومن خلال طرحهم فكرة ان العصرنة اوالتمدن في اى مجتمع يقابلها ، بل و يصحبها انحدار في درجة التعلق بالقييم الدينية .
انها ببساطة ظاهرة التحول من سيطرة التشريع الديني الى التشريع المدني,المبنى على الاستحداث وفق المتطلبات والمعطيات الزمانية, وليس البقاء في القالب المتكلس للقوانين والتعاليم الدينية التي تنفذ مفعولها بمرور الوقت .

الالحاد Atheism بالمقابل ,وهوالمصطلح المناقض اوالمضاد ( للتعصب الديني ) هو ايضا دين ! .. كلاهما مبنيان على الايمان بفكرة فلسفية مختلفة ,عن التكوين , ويدافع كل عن اعتقاده بضراوة دون التفكير في امكانية وجود احتمالات اخرى بين الاثنين .. احدهما مؤمن بصورة غير قابلة للشك والنقد ( حتى لولم يثبت بالبرهان) بوجود خالق للكون , والثاني يؤمن ويعتنق فكرة عدم وجوده ( وان لم يثبت بالبرهان ايضا ) .. اصحاب الفكرة الاخيرة ,عادة يستندون في فكرهم الى نظريات واثباتات علمية ااشهرها( اصل الانواع الداروينية) والتطورالنوعي البيولوجي وعلم الجينات وعلوم الفلك الحديثة .. اما الاول فمتأثر و كنزعة سايكولوجية بشرية, بوجود قوة ميتافيزيقية خارجة عن قوة البشر تحكم في الكون , وبذلك يسهل عليه الايمان بأفكار وتعاليم الاعجاز في الدين ( يسميها اصحاب الاخيرة افيونا ).. الاديان التوحيدية منها على وجه الخصوص هي التي تفرط في هذا الاعتقاد .
فلسفيا كلما تطرف الدين في "توحيديته " اصبح اقل تسامحا و تقبلا لمعتنقي الاديان الاخرى .. الملحد المتطرف يكون اذن , نموذجا ايضا لفكرة تطرف في التوحيد غير متقبل لافكار الاخرين .

الاصح اذن ان يكون مصطلح (الحكم المطلق للشريعة الدينية) ، ان يكون هو المناقض لكلمة العلمانية , وليس الالحاد ... لان في المقارنة الاخير ة, مغالطة جوهرية .. واذا كان التوجه العلماني لا يعني التدخل في امور الدين خارج ما هومتعلق بتدخل الدين في امورادارة الدولة ، فلماذا يروج اصحاب حكم الشريعة و يحاولون اظهار العلمانية على انها انكار للدين والايمان .. سنرى الغرض والسبب المخفي من وراء ذلك ..

الحقيقة ان العلماني الحقيقي يمقت فكرة الالحاد المفروض من السلطة, بقدرما يمقت ويعادي فكرة فرض قوانين الشريعة اوالقوانين الكنسية على المجتمع .

الاساس المنطقي من وراء التوجه العلماني هوالاساس المبني على حكمة و مقولة :

...." ان الاسوار المتينة تحسن العلاقة مع الجار "....

والفكرة هي في رسم الحدود بين مؤسستين مختلفتين دينية ومدنية , بحيث لا تتدخل احداهما في شؤون الاخرى , نتيجة سوء الفهم لحدود الاختصاصات الحصرية لكل منهما ..
كثيرون يتسائلون عن السبب في حقيقة ان الانظمة الاكثرعلمانية في اوربا اواستراليا او كندا ، في هذه البلدان , يتمتع فيها حتى المتطرفون الاسلاميون, الذين لو كانوا في بلدانهم الاسلامية , لكانوا قابعين في السجون اومعدومون بسبب تطرفهم .. تراهم يتمتعون بحرية مطلقة في الدعوة ونشر افكارهم الدينية , دون تدخل انظمة هذه الدول اوالاعتداء على هذه الحرية التي ضمنها لهم القانون وليس الاشخاص , في التعبير عن ارائهم ..
شي لن يحصل اطلاقا في دول رسمت قوانينها اجمالا على تعاليم الشريعة كالسعودية او باكستان او الجزائر و غيرها ,او محكومة بدكتاتوريات سياسية ...

انظر الى فقرة دستورية في بلد فقير ولكن توجهاته علمانية ..الفلبين .. و كيف ان فقرة الدستور في الحقيقة ، تعمل لوقاية و ليس الغاء حرية الاعتقاد الديني:

(No law shall be made respecting an establishment of religion´-or-prohibiting the free exercise thereof. The free exercise and enjoyment of religious profession and worship, without discrimination ´-or-preference, shall forever be allowed. religious test shall be required for the exercise of civil´-or-political rights."
"لايصدر أي قانون خاص (بإقامة دين من الأديان ، أو يمنع حرية ممارسته) ، هذه الممارسة الحرة والاستمتاع بمهنة الدين والعبادة ، دون تمييز أو تفضيل ، و التي يجب أن يسمح لها للأبد ... لن يشرع ايضا قانون يطلب اختبارا دينيا كشرط لممارسة الحقوق المدنية أو السياسية للفرد")...

هنالك ادلة دامغة على ان الاتحاد بين السياسة والدين يؤدي الى اضعاف الاثنين معا ..
كيف ؟
لكي لا نطول في الموضوع ، لنأخذ مناهج التعليم مثلا ..
كيف يمكن تعليم الطالب على نظرية اصل الانواع و التطور النوعي الدارويني ، لو ان المنهج يحذف هذا الموضوع اصلا من الدراسة بسبب تدخل وزارة الاوقاف و الشؤون الدينية ؟
كيف للمعلم المتزمت دينيا ان يدرس مادة البيولوجيا و يفهم الطالب ان المادة الجينية بين الانسان و قرود الشمبانزي متشابه 96% -98% ؟ .. اي اننا لا نمثل سوى( ابناء اعمام اعزائنا .. القرود ) ..
وكيف تمنع المعلم المتعصب دينيا من ان يعلم الطلاب , ان المسلمين قد اكتشفوا ان بول البعير, فيه مواد مانعة للسرطان ومقوية لجهاز المناعة!؟
اما اجتماعيا ، ففي المجتمع المحكوم حصرا بقوانين الشريعة الدينية (للتوضيح عندما تكون الشريعة هي المصدر الوحيد في وضع القوانين المجتمعية و الدستور )، فليس هناك ادنى شك بانها ( اي هذه القوانين ) ستؤدي الى تفضيل فئة على اخرى والى تفرقة مبنية على الولاء والانتماء الديني و هذا ما لا يتماشى مع التمدن و العصرنة , و من ثم تؤدي الى الشعور بالامتعاض لدى الاقليات الاخرى ؛ و حالة الاقليات الدينية في البلدان المسلمة من اليهود و المسيحيين ( كالاقباط في مصر واليهود سابقا و المسيحيين في جميع الدول المسلمة و الى يومنا هذا, افضل دليل على القول ) ..
ولماذا للذكر المسلم الحق ان يمتلك تعدادا من الزوجات ويحرم الحق نفسه على الانثى؟ .. و في المحكمة لها حق نصف الرجل في الورث؟ وو الخ ...
اما الاعتداء على حقوق غيرالمسلمين وغير الملتزمين دينيا لصالح الصائمين في شهر الصوم و منع فتح المحلات و منع تناول السوائل والاطعمة احتراما للصائمين ، فلا يمثل الا احدى المهازل للدولة الدكتاتورية الدينية و تزاوجا دينيا -سياسيا متخلفا و مخالفا للدستور المدني ، لا يخدم سوى اصحاب السلطة و شيوخ الدين والمتعصبين ، الذين يساهمون في ارجاع المجتمع الى الوراء و ليس العكس .

وهناك من الامثلة ما لا يمكن حصرها هنا ، تدل جميعها على انعدام حالة التكامل بين الدولة والدين ، هذا التكامل الذي يتغنى به و يزعمها دعاة وانصار فرض الشريعة على الدستور .. بان قانون الشريعة دستور متكامل لكل الاوقات ..
بالمقابل فان المجتمع العلماني :
-يرفض الالتزام كمجموع إلى أي رأي واحد لطبيعة الكون ودور الرجل في ذلك ..
-التركيبة المجتمعية ليست متجانسة و ذات لون واحد ، وإنما تعتمد على التعددية والتنويع واحترام الجميع .
-مجتمع يرفض الصور الرسمية المعدة مسبقا لهيكله ومنفتح للتغيير ، ويرفض فرض نوع من السلوك المثالي للتطبيق الشامل بدون استفسار.

رجال التعصب الديني يلصقون الالحاد بالعلمانية وهي منها براء .. ولكن يفعلوها قصدا و بنوايا شريرة لتحريض البسطاء على دعاة التنوير والتمدن , لانهم يدركون ان الالحاد ليست هي التي تنزع منهم سلطتهم السياسية , بل ان العلمانية هي التي تعمل ذلك...
حرضوا على قتل الدكتور( فرج فودة ) بحجة الردة .. ولكن الحق يقال ان الرجل لم يكن ملحدا .. اطلاقا , بل كان مدافعا عن الدين.. لوكان مرتدا او ملحدا لربما , ما قتلوه .. لم يكن منظرا فلسفيا ايضا بل ناشطا اجتماعيا و سياسيا .
قتلوه لانه اراد نزع سلطة الدين عن امور دولة مصر .. قتل لانه عرف كيف ينسج شبكة التطرف الديني خيوطه ..الاخوان المسلمون مثالا لاذعا .. كيف انهم ينسجون خيوطهم السياسية لفرض الحكم المتطرف , وحاول جاهدا فك نسيجهم العنكبوتي ..

يقول احد المفكرين ان ترياق Antidote التعصب الديني هو ليس الالحاد كما يتوهم البعض ... ترياق التعصب الديني هوالانسان العادي ,البسيط ,المعتدل ,المتدين الذي تفتح عينه على امور التمدن والتخلص من قيود الدين في حياته اليومية.
الاسلام السياسي باجنحته المتطرف والثوري والمتحفظ ,لا يرضى بمقولة (الدين ان يكون لله والدولة للجميع) , بل يسعى جاهدا في فرض اجندته السياسية بغطاء واستحسان الدين ,لانهم يعلمون اين يكمن الخطر على اجنداتهم .. يعرفون اين يكمن الترياق .
ترياقهم في التمدن , بعبارة اخرى في العلمنة والعلمانية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة