الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطرف الديني وضعف الثقة في التخطيط للسياسات العمومية

سامر أبوالقاسم

2014 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


على الرغم من كل تلك "العراقة المتأصلة" في العديد من الطروحات ووجهات النظر والآراء والمواقف تجاه المنحى المغالي في التشبث بالمرجعية الإسلامية. وعلى الرغم من كل تلك "الأصالة المتجذرة" في منطق التعامل مع تمظهرات وتجليات الغلو والتطرف الديني والمذهبي. وعلى الرغم من "الحنكة السياسية" المعبرة نسبيا عن نوع من "الواقعية السياسية" في التعاطي مع مخاطر الظرفية السياسية.
على الرغم من كل ذلك، لابد وأن نسجل بأن تيار التحديث والدمقرطة لم تتضح بعد ملامحه الفكرية، بالشكل الذي يسعفه في الوصول إلى تقديم صياغات تحدد طبيعة وشكل ميله ونزوعه نحو تكريس مركزية الإنسان بالنسبة للإنسان ذاته في التفاعلات السياسية الجارية.
فالتاريخ الثقافي الذي يسجل أن لا مناص للإنسان من أن يستمد معاييره القيمية والمبدئية من مرجعية تتماهى مع ذاته كإنسان، لأنه واع وقادر على الإدراك من جهة، ولأنه مستطيع للإحاطة والتغير من جهة أخرى، سيسجل أننا لم نصل بعد إلى أن نجعل من "الكينونة الإنسانية" مركز تفكير الإنسان وجوهر تحركاته وعلاقاته وتفاعلاته، وغاية تدخلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ورغم ذلك "العبق العقلاني" القديم المتجدد، لم يكن تيار التحديث والدمقرطة واضحا من حيث هويته ومقوماته وخصائصه، ولا جليا من حيث معالم طرحه الفكري والسياسي، ولا بينا من حيث اختياراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا واضحا من حيث ملامح منظومته القيمية والمبدئية.
لقد أمعن التيار المحافظ/الديني في التعبير عن خلفيات ومنطلقات تبنيه "للمرجعية الدينية"، بحيث يكاد يستحيل التبرير لهذا التعبير الصارخ والمدوي عن الرغبة في تأسيس "مرجعية فكرية دينية" للجرائم التي ترتكب اليوم على مرأى ومسمع العالم كله لأجل العقيدة أو المذهب. ويصعب على الجميع اليوم الدفاع أمام من يعتقد أن الدين أو المذهب هو "الفكر الشرير" الذي يُقَعِّدُ لهذه المرجعية، ذات الخلفية الكامنة في تبرير ارتكاب كل هذه الجرائم الدموية. بل ويضعف أي خطاب أمام من يعتبر أن الدين ذاته أو المذهب هو الذي يسمح بارتكاب هذه المجازر في حق الإنسان والبشرية.
فالإنسان المتدين المثالي، أي "المؤمن" "التقي" "الورع" الذي يترفع عن الصغائر، ولا يفعل إلا الخير بفعل سريان مفعول المشيئة الإلهية في خلقه، لم يعد له وجود في الواقع. وقد بدا الإنسان على حقيقته بخيره وشره، بعجزه وجبروته، بل وقد أظهر جليا قدرته على ارتكاب أكبر المجازر والحماقات في حق أخيه الإنسان فقط بسبب الاختلاف معه في العقيدة أو المذهب.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كشف "تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام" وقبله تنظيمات السلفية الجهادية، عن الوجه القبيح لتوظيف الدين في الصراعات السياسية، أثناء الحروب القائمة اليوم والمدمرة، وبدا من خلال ما تناقلته وسائل الإعلام والتواصل أنه قادر على ارتكاب أبشع الأعمال والمجازر.
فهل يمكن أن يطرأ شيء من التحول على تيار التحديث والدمقرطة فيما يخص موقفه من جماعات التيار الديني/المحافظ؟ وهل يمكنه أن يتعايش مع هذا النوع من الإنسان بمثل هذه المرجعية؟
ولنقلها بوضوح: إن مثل هذه التنظيمات، وكل هذه المجازر والجرائم التي تقوم بها قد وضعت حدا لأي ميل نحو التفاؤل من قبل الحداثيين والديمقراطيين، وضربت في العمق مزاعم المحافظين/الدينين المتمحورة حول وَهْمِ "الاعتدال"، وأضعف حظوظ الثقة بالنوايا المرتكزة على جعل الإنسان محور الاهتمام فيما يتعلق بالفعل السياسي والتخطيط للسياسات العمومية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة