الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداع العروبة

جورج كتن

2005 / 8 / 24
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


بعد مرور ست سنوات على صدور كتاب "وداع العروبة" للكاتب المبدع حازم صاغية*, لا يزال مفيداً العودة إليه خاصة لنخب عربية مستمرة في التعلق بشعارات قديمة.
يؤبن الكاتب "الوحدة العربية" التي لفظت آخر أنفاسها مع الاجتياح العراقي للكويت، ويوضح مدى الضرر الذي أحدثه الشعار لمواطنين تركوا حائرين بين انتماء عربي خيالي "لأمة واحدة"، وانتماء لدولة يحملون جنسيتها ولكنها مرفوضة من "الوحدويين" بصفتها ثمرة تجزئة استعمارية اصطناعية, علما بأنه لم تكن هناك دولة عربية موحدة فتفتت, والاصطناع في إقامة الدول يشمل معظم دول العالم, وكل "اصطناعي" يصبح مع مضي الزمن طبيعياً فمفاعل الزمن كبير التأثير على واقع الدولة، أما الاستعمار فهو لم ينشئ دولاً من فراغ بل اعتمد على معطيات قائمة في الواقع "ولو ترك الأمر للسكان لربما كانوا اختاروا كيانات أصغر من التي نشأت".
يسعى الوحدويون خلف أوهام أيديولوجية لتقويض "الدول" القائمة، "فالدولة شر والأمة خير". وكنتيجة لضياع الانتماء فإن الدولة القطرية مهزوزة, وما يجري تعزيزه هو "سلطة" الدولة التي تستمر بالقمع, وليس بتوافق مواطنيها, وعند انهيارها تتحلل مكوناتها الغير مندمجة إلى العشائرية والطائفية والإثنية، فيما إن الديمقراطية والتركيز على الهوية الخاصة بالدولة ضمن حدودها الراهنة وبناء توافقات دستورية للتعايش المشترك هي الأقدر على إبقائها، حيث الانتماء والمواطنة يحددهما القانون والجنسية وليس اللغة أو الطائفة.
تقاربت الدعوة للوحدة العربية مع الدعوة للوحدة الإسلامية بعد فشل أصحاب الدعوتين خلال نصف القرن المنصرم، ليتبنى القوميون عروبة إسلامية ويتبنى الإسلاميون إسلام مطعم بالعروبة, وهما دعوتان تعودان للماضي فتبتعدان عن تقديم انتماء حديث وواقعي وحلول للمشكلات القائمة آنية ومستقبلية.
العدو المشترك "الإمبريالي الصهيوني" كان أحد أسباب نمو الدعوة للوحدة, فقد سيطرت أوهام أن الدولة الأكبر هي الأقوى, بينما قوة الدولة من حرية مواطنيها واندماجهم الطوعي وارتباطهم بدولة محددة, بالإضافة لقوة اقتصادها وتطور علومها وصناعاتها.
على ماذا يعول الوحدويون بعد ضمور العداء للغرب وإثر المسيرة السلمية التي أنهت الحروب مع العدو وهي في طريقها للاستكمال في المجال الفلسطيني والسوري؟ يمكن اختراع عدو جديد هو "العولمة" التي تستهدف العرب والمسلمين, والشعار الجديد الدعوة للتوحد لمكافحتها بدل الانخراط فيها والاستفادة من إيجابياتها, إلا أن محاربتها لم تعد ممكنة إلا على طريقة القاعدة، وهو ما تحاول أن تستوحيه "لجان نصرة الإرهاب في العراق" كممارسة عملية للنشاط التوحيدي.
ومنذ تأسيس منظمة التحرير لم تعد المسألة الفلسطينية القضية المركزية التي يتوحد العرب حولها، بل قضية تهم شعبها مع تأييد عربي يتقلص باستمرار لا يتخطى دعم ما يريده الفلسطينيون, وتثبيت للقرار المستقل في مواجهة محاولات التدخل من قبل أنظمة النضال القومي.
فإذا انهار شعار الوحدة السياسية العربية يمكن اللجوء إلى أوهام شعار "الوحدة الاقتصادية العربية" فيما أثبتت الوقائع أن "الاقتصاد من أكثر مساحات العالم التي سجلت هزائم الاستخدام الأيديولوجي"، ولا يفوتنا الإخفاق الكبير لاستخدام الأيديولوجيا في "هندسة" اقتصاديات الدول التي زعمت بناء الاشتراكية.
عقدت اتفاقات اقتصادية, مثل "اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية", فشلت في رفع أرقام التجارة البينية العربية التي لم تتجاوز كنسبة متوسطة 8% من الصادرات العربية. ولا تعود ضآلة التجارة البينية لإرادات الأنظمة والفعاليات الاقتصادية بل للوقائع العنيدة حيث الأنظمة الاقتصادية العربية مختلفة, والمنتجات متشابهة، وهي خارجية التوجه، فالاستيراد من العالم المتقدم وتصدير المواد الأولية إليه لا يمكن استبداله رغم الشعارات الوحدوية المدوية، والترويج القسري للتجارة البينية العربية يتعارض مع مصالح المستوردين والمصدرين والمواطنين.
وإذا كان لا بد من تكتلات اقتصادية إقليمية، فشمال إفريقيا لا تتلاقى مصالح دوله مع المشرق بل مع أوروبا، ودول الخليج مع آسيا والسودان مع إفريقيا... وربما يسهل مشروع الشرق الأوسط الكبير المرفوض من النخب الوحدوية, قيام تكتل اقتصادي مشرقي أخفق التمسك باللفظية الأيديولوجية القومية في تحقيقه.
المسار العالمي لا يتجه نحو توحد الدول بل إلى نشوء المزيد منها ففي العام 1870 لم يكن هناك سوى 15 دولة ذات سيادة أصبحت 25 مع الحرب العالمية الأولى ثم 51 مع الثانية لتصل في بداية القرن الحالي لما يزيد عن 200 دولة، ومسار العولمة لم يتخط حدود الدول سياسياً بل اقتصادياً فلم يمنع تشكلها المتزايد, والإمبراطوريات متعددة القوميات, العثمانية والنمساوية والسوفييتية, تناسلت دولاً كثيرة وكذلك الاتحاد اليوغوسلافي، ودول أخرى مثل الهند وإثيوبيا وتشيكوسلوفاكيا وقبرص...، وهناك تفككات محتملة في دول أخرى...
أما في مجال الوحدات فقد فشلت وحدة أميركا الجنوبية رغم اللغة الموحدة ولم يصبح التكتل الاقتصادي ممكناً إلا بعد إسقاط 13 نظاماً ديكتاتورياً في الثمانينيات والتسعينيات وتركيز كل دولة على التنمية وليس على التوسع القومي. كما فشلت الوحدة الإفريقية في زمن نكروما وسيكوتوري واستبدلت بمنظمة "وحدة" إفريقية نص ميثاقها على عدم تدخل بعضها بشؤون البعض الآخر فالتعاون هو الحد الأقصى الممكن. ولم تنجح الوحدة الألمانية لولا وجود دولة ألمانية ديمقراطية غربية مستعدة لصرف 56 مليار دولار سنوياً لدمج الاقتصاد والمجتمع الشرقي.
كما فشلت الإعلانات عن اتحادات عربية والاستثنائين: وحدة مصر وسوريا لم تدم أكثر من ثلاث سنوات ثم انهارت بعد استعداء متصاعد بين شطريها, ووحدة اليمنين تمت بعد صراع دموي بين "الرفاق", وانهيار الماركسية والاتحاد السوفييتي الذي كان يضمن بقاء اليمن الجنوبي، ولكي تستمر احتاجت لحرب طاحنة.
أما مصر فكانت بعيدة عن العروبة قبل الناصرية "التي جرتها إليها بتعطيل الحياة السياسية وإسكات التيار الوطني المصري الوفدي", ولم تعش العروبة النضالية القسرية بعد عبد الناصر إذ أخرجها السادات منها. وكان هم القوى الوحدوية –البعث والناصرية- في سوريا بعد 8 آذار الانفراد بالسلطة كهدف أهم من استعادة الوحدة مع مصر، كما رضخ البعث على رأس السلطة في العراق وسوريا للوقائع المتناقضة في البلدين، فالشعارات الوحدوية غير قابلة للتطبيق في السلطة، وبديلها صراع حاد بين الوطنية العراقية والسورية رغم وجود حزب واحد في الدولتين.
كما فشل إنشاء حركة عربية واحدة, ففي شمال إفريقيا تحولت إلى ثلاث حركات تحرر ثم ثلاث استقلالات وثلاث دول تلاها صراعات حدود، وفي المشرق القيادات القومية كانت شكلية، فضلاً عن نشوب النزاع الفلسطيني الأردني والفلسطيني اللبناني في السبعينيات والفلسطيني السوري في الثمانينيات، والنزاع القطري البحريني والسعودي اليمني والسعودي العماني والسعودي القطري حول الحدود والمصري السوداني حول حلايب والحرب الحدودية المصرية الليبية والصراع العراقي الكويتي منذ قاسم حتى صدام...، كلها أثبتت أن النزوع الوطني ضمن الحدود الواقعية للدول القائمة أقوى بما لا يقاس من أي نزوع قومي مزعوم.
لذلك لا نستغرب انتشار شعارات: الأردن أولاً والعراق أولاً والكويت أولاً ولبنان أولاً وسوريا أولاً ومصر أولاً... فهي أقرب للوقائع المعاشة من الشعارات القومية, "الحلم العربي" الجميل المحلق في الخيال، والمستخدم كذريعة لاستمرار الاستبداد على حساب بناء الديمقراطية وتأمين حقوق الإنسان والتوجه للتنمية وتحقيق السلام في المنطقة بدل الحروب العبثية باسم القومية. فإذا أنجزت هذه المهام يمكن الانتقال لتكتلات اقتصادية أو سياسية تقوم على أساس أولوية مصالح المواطنين وليس على أساس الهوية والانتماء.
لا نعتقد أننا أوفينا كتاب صاغية حقه في هذه العجالة، التي ربما تدفع بعض المهتمين للحصول عليه وقراءته، رغم صعوبة ذلك لأنه كتاب ممنوع في الدول "الثورية" التي لا تزال تغسل أدمغة مواطنيها بأوهام "التربية" القومية المناقضة للوقائع.
* حازم صاغية– وداع العروبة - دار الساقي – بيروت 1999 – الطبعة الأولى 191 صفحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ويكيليكس يعلن أن جوليان أسانج -حر- وغادر بريطانيا بعد إبرامه


.. الاتحاد الأوروبي يوافق على فرض عقوبات جديدة على روسيا بسبب ا




.. عاجل|10 شهداء بينهم شقيقة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل


.. اللواء فايز الدويري: إذا توفرت أعداد من سلاح القسام الجديد ف




.. العربية تحصل على فيديو حصري لمحاولة قتل طفلة برميها في مياه