الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشيّة عيد الحب -1-

كريمة مكي

2014 / 10 / 22
الادب والفن


وأنا عائدة بابني من المعهد مساءا، طلب مني أن نذهب إلى مكتبة "ورق الورد" الفاخرة لشراء رواية فرنسية طلبها أستاذ المادة منذ أسبوع. دعوته أن ينتظر إلى نهاية الأسبوع حتى أنزل إلى وسط العاصمة و هناك أقتنيها له بسعر أنسب، لكنه ألح على شرائها فورا لأنها موضوع الامتحان ليوم الغد و يتوجب عليه أن يقرأها في الحين ثم أن زميله أعلمه بأنها لا تتوفر إلا بهذه المكتبة.
لم أطنب كعادتي في اللوم و التأنيب لعدم تذكّره لأمر الرواية إلا ليلة الامتحان فيها و وجدتني- كاتمة غيظي- أعرّج بالسيارة على حي المنزه الراقي.
كانت مكتبة على غاية من الجمال و الذوق العالي حتى لتخالها مصاغة للدرر النفيسة و القطع النادرة و هي بفوانيسها المعلقة المتلألأة و باللوحات الجميلة التي تطالعك في واجهتها البلورية الشاسعة و بالموسيقى الصافية التي تنبعث من وراء جدرانها لتدفعك دفعا لشراء كتاب و لو كنت نافرا من القراءة كافرا بها.
أعرف المكتبة منذ أن افتتحت منذ سنتين تقريبا فكثيرا ما مررت بها في طريقي إلى أشغالي و لكنني لم أكن يوما من مرتاديها رغم حبي للكتب و ربما بسبب ذلك، فمعروف عنها أسعارها النارية التي لا يمكن بتاتا أن تتلاءم اليوم مع مرتبي المنهك الذي وجد نفسه منذ خمس سنوات بين فكّي ثلاث قروض بنكية تلتهم كل أول شهر أكثر من نصفه لخلاص أقساط الشقة و السيارة الشعبية.
و لأني أعرف ضعفي أمام العناوين الأدبية المغرية فاني صرت أكتفي بالذهاب إلى "البوكينيست" القريب من عملي لأروي ظمئي من حب الكتب حتى إذا ما خيّبني كتاب حمدت الله أنني لم أخسر فيه كثيرا كما كنت أفعل في سنوات عملي الأولى قبل أن يتفتت مرتبي بين القروض.
تركت ابني في السيارة و أوصيته بألا يلحق بي حتى لا يتذكر مشتريات أخرى أو تغريه المكتبة بشراء ما لا يحتاجه حقا.
دخلت المكتبة فوجدتها قد لبست حُلّة "السان فالونتان" البرّاقة و اصطبغت بلونه الأحمر الفتّان فاليوم هو يوم الرابع عشر من شهر فيفري و الذي يوافق قدوم عيد ليس كباقي الأعياد، عيد اسمه عيد العشاق ‼-;-. هذا العيد الجديد الذي أصبح له منذ عقد أو أكثر محتفلين أوفياء في أرض تونس الخضراء و ها أن هذه المكتبة تحتفل به كأجمل ما يكون الاحتفال: ديكور فنّي أخاذ لم أعهده من قبل في المكتبات و ظننته حكرا على المراكز التجارية الراقية: بالونات حمراء و بيضاء تملأ المكان، و قلوب ورقية لمّاعة معلقة في شرائط ذهبية ممدودة على امتداد الفضاء، و على الطاولات القصيرة المبعثرة على الأرضية بعناية، مجموعات من الكتب في شكل هدايا بأغلفة شفافة و مشدود عليها دببة صغيرة رمزا للحنان الموعود في هذا اليوم العزيز على قلب كل عاشق و عاشقة.
أخذت الكتاب و هممت بدفع الثمن حين تذكرت أن أسأل البائعة عن كتاب لأبي حيان التوحيدي أعياني البحث عنه. تبِعتها إلى حيث الرفوف التي تحوي كتب الأدب العربي القديم و شرعنا نبحث معا عن الكتاب المفقود و لمّا لم نجده طلبت مني أن أنتظر قليلا حتى تنزل لصاحبة المكتبة في الطابق السفلي لتسألها عنه بما أن درايتها بترتيب الكتب أكبر.
بعد لحظات ظهرت لي سيدة جميلة شقراء بملابس رياضية غاية في الأناقة و لم يكن من الصعب عليّ أن أفهم بأنها هي صاحبة الذوق فلمساتها واضحة في كل ركن من المكان و ما أظن جمال المكان إلا من جمالها.

- يتبع-
مارس2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل