الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شتّان ما بين الإيبولا وداعش

يعقوب بن افرات

2014 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ثمّة موضوعان أساسيّان يشغلان الإدارة الأمريكيّة في هذه الأيّام: تفشّي ڤ-;-يروس الإيبولا وتفشّي مرض من نوع آخر وهو دولة الإسلام في العراق والشام. إلاّ أنّ ڤ-;-يروس الإيبولا ينحصر في دول غرب أفريقية، بينما الإسلام المتطرّف توسّع حتّى طال أغلب الدول العربيّة من اليمن جنوبًا وحتّى سورية شمالاً وصولاً إلى خطوط التماس مع الڤ-;-يروس الفتّاك في شمال نيجيرية، حيث ينشط تنظيم بوكو حرام الذي أعلن أيضًا الخلافة الإسلاميّة في المناطق التي يسيطر عليها. ڤ-;-يروس الإيبولا ليس جديدًا وعمره عمر تنظيم القاعدة؛ فالأوّل نشأ في زائير والثاني في السعوديّة دون أن يهتمّ أحد بإيجاد تطعيم ملائم لمكافحته. تحوّل تنظيم القاعدة إلى أداة في يد الأمريكان في صراعهم ضدّ السوڤ-;-ييت ومن بعده أصبح يعمل مرتزقة عند أكثر من جهة، منها إيران وسورية لضرب الوجود الأمريكي في العراق، ومن ثمّ مع الأسد والمالكي لضرب المعارضة السوريّة، ثمّ مع السعوديّة وقطر وبقايا حزب البعث العراقيّ لضرب المالكي حتّى استطاع أن يؤسّس الخلافة المشهورة وعاصمتها الرقّة في شمال شرق سورية.
لم يعر أوباما اهتمامًا كبيرًا لمرض الإيبولا حين كان مقصورًا على أفريقية، ورغم كونه من أصل أفريقيّ وعائلته تعيش حتّى اليوم في بيت من الصفيح في كينيا، إلاّ أنّه لم يصل إلى السلطة لخدمة المواطنين السود، بل من أجل أصحاب البنوك والشركات الكبيرة. ولم يكن في مصلحة شركات الأدوية تطوير الدواء لمرض الإيبولا لعدم وجود سوق له ومن يعاني منه هم السود الأفارقة فقط ويبقى المحيط الأطلسيّ بعيدًا عن المرض. وحلّ الأفارقة هو حلّ العرب أيضًا، فلا أحد يكترث بمصير ملايين اليمنيين، العراقيين، السوريين الذين يذبحون يوميًّا على أيدي حكوماتهم المستبدّة من جهة والمتطرّفين الإسلاميّين من جهة أخرى. إلاّ أنّ الحدود في العالم الجديد قد تبدّدت واختلط الناس وصارت المعلومات تنتقل بسهولة وسرعة فائقة إلى حدّ لا يمكن فيه حصر المرض في قارّة واحدة دون أن يتفشّى إلى العالم بأسره. وعندما أصاب مرض الإيبولا أوّل إنسان أبيض وهو خوري إسبانيّ، هبّ العالم كلّه وأصبح المرض يحتلّ عناوين الإعلام العالميّ، ونشهد اليوم شركات الدواء تتنافس على تطوير تطعيم له، ومن المحتمل أن يتمّ القضاء على المرض في غضون أشهر وليس سنين.
يختلف الوضع بكلّ ما يتعلّق بداعش، فانتشاره في سورية لم يلفت اهتمام أوباما. تقع الرقّة في منطقة نائية لا أهميّة لها، فحتّى النظام السوريّ نفسه استغنى عنها. والجرائم التي اقترفها النظام وتهجير ملايين من السوريين لم يحرّكا ضمير أوباما لأنّه لا قيمة لهم بعينيه، وتجاهل ذلك كما تجاهل ما حدث في إيران وفي العراق بحقّ القبائل السنّيّة التي جُرِّدت من كلّ حقوق المواطنة، إلى أن جاء تنظيم داعش في الموصل وهدّد بغداد من ناحية وأربيل من ناحية أخرى. وفي هذه اللحظة تحوّل داعش مثل الإيبولا إلى خطر استراتيجيّ على الأمن القوميّ الأمريكيّ. أمّا الصور الوحشيّة لقطع رؤوس المواطنين الأمريكان والبريطانيّين فقد منحت للغرب تبريرًا لتجنيد العالم لمكافحة داعش. أمّا المجاهدون الأجانب فهم كمرض الإيبولا المتفشّي؛ فهم يعودون إلى الغرب بجوازات سفر بلادهم الأصليّة ويشكّلون خطرًا مباشرًا على المجتمعات في دول الأصل.
لكن شتّان ما بين الإيبولا وداعش؛ ففي حين أنّه يمكن إيجاد تطعيم ملائم للمرض من عيّنات من الڤ-;-يروس نفسه، لا يوجد تطعيم مماثل لعلاج خطر الإسلام المتطرّف. صحيح أنّ القاسم المشترك لأسباب مرض الإيبولا وتفشّي الإسلام السياسيّ هو الفقر والتخلّف، وصحيح أيضًا أنّ المسؤول المباشر عن تفشّي الفقر والتخلّف هو النظام الرأسماليّ بقيادة الغرب وعلى رأسه أمريكا، إلاّ أنّ الإيبولا يمكن شفاؤه، والفقر سيبقى إلى أن يظهر طاعون من نوع آخر في المستقبل. أمّا بالنسبة للإسلام السياسيّ ، فالدواء الوحيد والتطعيم الوحيد هو تجفيف مستنقع الفقر والفساد والاستبداد المسيطر على المنطقة العربيّة. إنّ تفشّي داعش هو نتيجة لإخفاق الربيع العربيّ في تجفيف المستنقع، فلا مكان للإسلام الوهابيّ الأصوليّ إذا تحقّقت مطالب الجماهير الثائرة في العيش بحرّيّة وعدالة اجتماعيّة. غير أنّ الربيع العربيّ استنفر أعداءً كثيرين وفي مقدّمتهم دول الخليج مثل السعوديّة وقطر، ومن ثمّ إسرائيل وإيران وروسية. وقد جرّب الإخوان المسلمون الاستفادة من هذه الثورة الشعبيّة والخروج منها إلى نظام إسلاميّ بعيد عن القيم الليبراليّة التي باسمها ثار الشباب العرب وكانت النتيجة حرب الاهلية مثل ما حدث في مصر، الأمر الذي ترك فراغًا كبيرًا استغلّه تنظيم داعش في كلّ من العراق وسورية.
وبعد أن ساهم أوباما بتخاذله وعدم اكتراثه بمصير ملايين أبناء البشر في تفشّي ونموّ داعش، يحاول أن يكافح هذا الداء كما يكافحون الإيبولا في أفريقية. إنّ استراتيجيّة أوباما مبنيّة على عزل ظاهرة داعش عن الأسباب السياسيّة والاجتماعيّة التي أدّت إلى ظهوره. كلّ ما يهمّه أن لا يصل مرض الإسلام السياسيّ إلى بلاده، ولذلك نراه يجنّد العالم كلّه من أجل القضاء على "دولة الإسلام" بمعزل عن مصير الشعب السوريّ والعراقيّ. وما يثير الاستغراب هو محاولة عزل سورية عن العراق، فما يريده أوباما هو القضاء على داعش بدون القضاء على الأسد، فالمهمّ بالنسبة لأمريكا هو مصير العراق وليس مصير سورية. هذه المحاولة المصطنعة للفصل بين سورية والعراق وبين مكافحة داعش وإسقاط نظام الأسد سوف تبوء بالفشل بل وستزيد من عزم داعش الذي يستفيد من استياء الشعب السوريّ والشعب العراقيّ اللذين يتعرّضان لجميع أنواع البطش والقتل من قبل النظامين في سورية والعراق. لا مصلحة للقبائل السنّيّة لإنقاذ أمريكا التي خدعتها عندما سلّمت العراق لإيران، ولا مصلحة للسوريّين لإنقاذ أمريكا، الذين تمّ جرّهم إلى مؤتمر جنيف ومن ثمّ تخلّت عنهم ليفتك بهم النظام بمساعدة حزب الله كما يشاء.
يدفع الغرب الرأسماليّ اليوم ثمن سياسته تجاه أفريقية وتجاه الشرق الأوسط، وإذا اعتقد أوباما بأنّ بإمكانه ترك العراق بعد عن عبث فيه ومزّقه وأوجد صراعات بين القبائل والطوائف دون أن يأخذ أيّة مسؤوليّة على ما يحدث، فإنّه سيعلم اليوم بأنّ هذا الأمر مستحيل. إنّ مشكلة العراق مرتبطة ارتباطًا عضويًّا بالمشكلة السوريّة، ولا حلّ للعراق دون أن يكون حلّ عادل لسورية، بل وأكثر من ذلك لا حلّ للعراق دون أن يكون حلّ للشعب الإيراني وليس من حلّ للعرب دون هزيمة الأنظمة الخليجيّة التي تموّل وتشجّع الفتنة والحروب الأهليّة في كلّ المنطقة العربيّة من ليبيا إلى مصر واليمن والعراق وسورية. إنّنا أمام معادلة صعبة جدًّا، ولكنّ حلّها واضح؛ وهو إسقاط الأنظمة الحاكمة التي تحارب الشعوب العربيّة من أجل الحفاظ على سلطتها. إنّ الانتفاضة الخضراء في ايران في سنة 2008 التي سابقت الربيع العربيّ، ومن ثمّ ثورة 25 يناير في مصر قد زعزعت النظام العربيّ ككلّ. داعش ليس سوى إفراز من إفرازات الثورة المضادّة، واختفاؤه منوط بسقوط الأنظمة العربيّة برمّتها. قبل الربيع العربيّ، كان هذا الطموح يعتبر وهمًا، لكنّه اليوم أصبح واقعًا لا مفرّ منه إذا أرادت البشريّة أن تعيش في رفاهيّة وأن تنعم بالأمن الاجتماعيّ. الديمقراطيّة والعدالة لا تتجزّآن، ومَن يعتقد بأنّهما حِكر على الغرب، فإنّه يفتح المجال لتفشّي بل وتعميق نفوذ داعش ليصبح خطرًا داهمًا على المجتمع البشريّ بأسره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه


.. الوصل يحقق انتصارا تاريخيا على النصر ليتوج بكأس رئيس دولة ال




.. لماذا تخاف إسرائيل من مخيم جنين؟


.. شهيدان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في مخيم بربرة وسط رفح جنوب




.. مطعم للطاكوس يحصل على نجمة في دليل ميشلان للمطاعم الراقية