الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع مدينة الفنون الشعبية: رؤية ضبابية بآليات اشتغال قبلية

حسن البوهي

2014 / 10 / 24
الادب والفن


أعلن خلال الأسابيع الأخيرة بمراكش عن مشروع مدينة الفنون الشعبية، وهو مشروع طال انتظاره من طرف مجموعة من الباحثين والمهتمين بالتراث والفنون الشعبية على امتداد 5 عقود، غير أن السياق والصيغة التي قُدّم بها المشروع تطرح أكثر من علامة استفهام، وتتضمن بين ثناياها علامات مُشفّرة حول سيناريوهات مؤامرة تُحاك خلف الكواليس ضد التراث والفنون الشعبية، لمراكمة أرباح مادية من طرف أشخاص اقتحموا المجال فأصبحوا أوصياء عليه، ثم سخروا شبكة علاقاتهم المتشعبة التي يحكمها منطق المصلحة المشتركة لاقتسام كعكة الفنون الشعبية المُسيلة للعاب.
مدينة مراكش خصوصا والمغرب عموما في حاجة ماسة إلى هذا المشروع لكنه جاء في سياق المؤامرة التي حيكت ضد المجال الثقافي الشعبي منذ عقود،
وقد كان في مقدمة هذه المؤامرات، رغبة سماسرة الثقافة في نقل المهرجان الوطني للفنون الشعبية من مدينة مراكش إلى مدن أخرى، وعندما فشلت هذه المؤامرة تبعتها مؤامرات الدعم، التبني، التنظيم، والإخراج الخاضع للمحسوبية والحسابات الضيقة بين مجموعة من الجهات والأيادي الدخيلة.
.
اقتصرت البطاقة التقنية لمشروع مدينة الفنون الشعبية التي تم تقديمها أمام أنظار وزير الثقافة ووالي جهة مراكش ورئيس الجهة والعديد من المسؤولين المنتخبين الذين حضروا ندوة الإعلان عن المشروع بتاريخ 27 شتنبر المنصرم على تقديمه كبناية من دون أن تكون هناك خارطة طريق واضحة حول طريقة اشتغالها لكي تتخذ صبغة علمية، والمخطط الذي ستعتمده في مقاربتها للشأن التراثي والفنون الشعبية على المدى القريب، المتوسط والبعيد، وتم تغييب المهتمين والباحثين والأكاديميين وأصحاب الاختصاص الذين وضعوا لبنة الثقافة والفنون الشعبية، وواكبوا البحث والتأسيس لخلاياها المتعددة، وتم الاقتصار على مقاولين ورجال أعمال تحركهم نزوعات برغماتية تجارية.
الفرق الشعبية: شموع تحترق في عتمة الإهمال والاستغلال
تتوارى خلف رقصات أحيدوس والركبة وتيسّا وعبيدات الرمى...تجليات حياة يومية قاسية لا يحس بوقع ألمها غير فناني الفرق الشعبية الذين يعانون في صمت، ويُصرّفون مواجعها بأهازيج ورقصات تنسيهم لفترة وجيزة معاناتهم المعيشية، يُدخلون البهجة والحبور على متتبعيهم، وبمجرد ما تنقضي لحظات احتفاليتهم يعودون لزاوية العتمة حيث الإهمال وشظف العيش، فغالبية أعضاء الفرق الشعبية يُزاولون أنشطة حرفية تكميلية من أجل تغطية مصاريف متطلبات حياتهم اليومية، لأن مداخيلهم المالية من حفلاتهم الفنية تبقى ضعيفة جدا، وهي موسمية في الغالب تتزامن مع فصل الصيف.
أجبر المرض والعوز العديد من رموز الفنون الشعبية على التقاعد في سن مبكرة، فأُكرهوا على مواجهة معاناتهم المرضية بإمكانياتهم الضعيفة بعيدا عن أضواء الكاميرات وبدون أدنى التفاتة من المسؤولين في الوزارة الوصية أو من الإطار النقابي الذي انتدبوه للدفاع عنهم أمام باقي المتدخلين من أجل إنصافهم... وفي غمرة هذا الإهمال فإن العديد من أعضاء الفرق الشعبية لا يجدون خيارا أخر غير إمكانياتهم الذاتية لمساعدة بعضهم البعض، حيث قاموا أثناء تواجدهم مؤخرا بمدينة مراكش بجمع مساهمات مالية رمزية من أجل تقديم يد العون والمساعدة لأبناء أحد رموز المهرجان الوطني للفنون الشعبية وهو "الرايس لحسن عماري" من فرقة "هيت تيسا" الذي توفي في الفترة الأخيرة، ورحل في صمت شأنه شأن مجموعة من الرموز الشعبية الكبيرة التي انتقلت إلى جوار ربها وفي حلقها غُصّة الإهمال واللامبالاة.
تشكل الفرق الشعبية الحلقة الأضعف في المنظومة الفنية رغم أنهم يمثلون جنسا فنيا أصيلا، يُعبر عن الهوية والأصالة المغربية، إذ ناذرا ما يتم الالتفات إليهم، ويتم التعامل معهم على أساس أنهم دخلاء ومتطفلين على المجال الفني، ولا يتوانى بعض المسؤولين والفنانين عن وصفهم بأنهم "كائنات فنية ماضوية عفا عنها الدهر بعد أن أكل عليها وشرب "، ويتعاملون مع مطالبهم باستخفاف، ولا يحضون بنفس الدعم الذي يحضا به نجوم الأغنية المغربية العصرية، فحضورهم في بعض الملتقيات يكون فقط من أجل تأثيث المشهد الجمالي ك"ديكور"، ولا يتم التعامل معهم كفنانين، بل كفرق فلكورية ذات منتوج فني لا يصلح إلا للاستعراضات والاستقبالات التي يستنكف عنها الفنانون الآخرون أصحاب الحظوة والامتيازات.
ومن خلال دردشة عابرة ذكر مجموعة من أعضاء الفرق الشعبية أنهم كانوا يتعرضون للابتزاز والاستغلال من طرف بعض سماسرة المهرجان الوطني للفنون الشعبية وبعض الأطر النقابية التي كانت تطالبهم بمبلغ يتراوح بين 2000 و3000 درهم من أجل المشاركة، بالإضافة إلى تزوير بعض المعطيات التنظيمية، إذ يُصرح بعض المسؤولين النقابيين بمشاركين أشباح من أجل أن يستأثروا بتعويضاتهم لأنفسهم، وكانت تجري هذه التجاوزات والتزويرات في غفلة من اللجان المشرفة على إدارة المهرجان، مضيفين أنهم تعرضوا لاستغلال مفرط من طرف مجموعة من السماسرة الذين يستغلون هذا المجال من أجل مراكمة الثروة. بالإضافة إلى أن انتقاء بعض الفرق المشاركة يتم وفق محددات قبلية،
ولا يتوقف الحال عند هذا الوضع بل يتجاوزها ليمتد إلى صرف تعويضات مالية بشكل مريب لأعضاء من المكتب المسير لمؤسسة مهرجانات مراكش وإدارة المهرجان الوطني للفنون الشعبية وفق نفس المحددات القبلية، حيث تم تخصيص مبلغ 25.000.00 درهم ل"محمد.ن.م" الذي لا تتناسب قيمة هذا المبلغ مع محدودية ما يقدمه للإدارة الفنية، الأمر نفسه ينطبق على "ابراهيم.م" القادم من مهرجان تيميتار بأكادير، والذي ينفرد لوحده بمبلغ 50.000.00 درهم شهريا، علما أنه لا يخصص لمهرجان مراكش سوى الوقت الميت من أجندة اشتغاله المكثفة.
إن تبديد ميزانية المهرجان الوطني للفنون الشعبية الذي يمول من جيوب دافعي الضرائب من المواطنين وفق هذه النزعة القبلية، ستفتح على الإدارة المشرفة بوابة تهم ثقيلة بتبديد المال العام، وسوء تدبير مالية المهرجان وصرفها دون وجه حق، ويأتي ارتفاع المبالغ المالية المخصصة لبعض الأطر الإدارية المشرفة على المهرجان في تناقض صارخ مع التعويضات التي تصرف لأعضاء الفرق الشعبية والتي لا تتجاوز 250 درهم في اليوم طيلة الأيام الخمسة للمهرجان، فالفنان الشعبي المحتفى به وبفنه لا يحظى من الميزانية العامة إلا بالفتات القليل، في حين أن كعكة المهرجان تُقسّم خلف الكواليس وفق نزعة قبلية بين أشخاص دخلاء تحركهم نزعات استغلالية من أجل الاستئثار بأكبر نصيب من كعكة التراث والفنون الشعبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل