الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التشكيل السياسي الأمريكي -تحت المجهر-:

عادل مرزوق الجمري

2005 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


التشكيل السياسي الأمريكي "تحت المجهر":
عناصر التشكيلة الإعتباطية..



ناقشت في مقالة سابقة مفهوم التشكيل السياسي الأمريكي، وذهبت فيه إلى إعتبار التجربة السياسية الأمريكية إعتباطية التشكيل، إلا انها تتصف بقدرتها على الإنتظام في سياق منتج وحيوي. هذا ما أستكمله اليوم، ببيان عناصر التشكيل السياسي الأمريكي.
لابد من الإنتباه إلى أن هذه التشكيلات المرجعية تعتبر ألة ضبط وتقويم وإنتاج لجميع الإستراتيجيات السياسية الأمريكية، لابد لنا أن نحيل أي رؤية سياسية أمريكية على إحدى هذه المؤثرات أو القوى الضابطة.
قد تنشط في الخطاب السياسي الأمريكي إحدى هذه التشكيلات السياسية، إلا أن الخطاب الأمريكي يعمد إلى المزاوجة بين هذه التشكيلات ليضمن إبقاء الخطاب السياسي الأمركي "مقنعاً" أو بتعبير أصح أكثر قدرة على الرواج والإنتشار والقبول.
هذا التمازج بين التشكيلات يصنع للولايات المتحدة خصوصيتها التاريخية، والتي تجعل منها حالة فريدة على صعيد تحليل النماذج الإمبراطورية، هذها الحالة من التمازج والتنوع المرجعي يضفي حالة من الديناميكية السياسية القادرة على إحتواء أي من المستجدات السياسية على الصعيد الدولي بإنسيابية وقدرة مميزة على ضمان إستجابة المجتمع الأمريكي، وهذا ما تأكده إستطلاعات الرأي، رغم بعض القراءات العربية التي تتصف بالتقليل من فاعليتها ومصداقيتها، إلا أن هذه القراءات التي تجاول التقليل من أهميتها ليست سوى "وإذا أتتك مذمتي من ناقص"، ولعل أكبر الصفعات التي تلقتها هذه الآراء، هي أعادة إنتخاب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن لولاية رئاسية ثانية.
التشكيل التاريخي "خلف كل أمريكي قصة عذاب وحلم":
المتحملقون خلف دعاية إنكار الحضور التاريخي للولايات المتحدة، يبالغون في العته وممارسة السذاجة في تحليلاتهم الإجتماعية والسياسية، كان خلف كل أمريكي – مع بداية التأسيس للولايات المتحدة- قصة عذاب وضياع وإضطهاد، أو ميثاق شرف حوته كل سفينة من سفن المهاجرين الأوربيين المتجهين للسواحل الأمريكية، هذه العذابات المتراكمة صنعت "قوة تاريخية"، وقوة على "الحلم" بالسعادة والبقاء والإنتاج، وهذا ما جعل من الأمريكيين، أسرع شعوب العالم صناعة للتاريخ.
لابد من مطالعة التاريخ الأمريكي كحضور مستمر ودائم في السياسة الأمريكية، على أن هذا الحضور له خصائصة ومكوناته العامة، هذه الخصائص تتضح في النقاط التالية/
أولاً/ المرافعات الأمريكية وبيانات الإستقلال: تعمد أدبيات المرافعات القضائية الأمريكية وبيانات الإستقلال، على تاسيس "مهمة تاريخية" للولايات المتحدة، إلى ما يتعدى مفهوم إقامة دولة لمجموعة من المهاجرين، هذه المهمة قد أختصرها في أنها "جمهورية الحلم"، إلا أن ما يميز هذا الحلم أنه "حلم حقيقي" على الأقل بالنسبة للأمركيين أنفسهم.
ثانياً/ يذهب أكثر النقاد والأدباء الأمريكيين "تيري تشأت- سفين بيرتريكس" إلى أن الثقافة والأدب الأمريكيين مرا بتجربة تأسيسة "ممزوجة بالتاريخ"، ثمة صور عديدة على صعيد "الشعر" أو "أدب المقالة"، كذلك هناك حضور مميز في السينما الأمريكية لتلك المكونات التاريخية للإنسان الأمريكي قبل مرحلة "تأمركه"، بمعنى أن الولايات المتحدة الأمركية قد قامت بإعادة صناعة للتاريخ الإنساني، قد نختلف في تحديد ماهية هذه الهوية، إلا أن من الضروري لنا أن نعرتف بوجود "هوية أمريكية" منجزة وقارة.
التشكيل الإقتصادي "جمهورية السوق المنظمة":
لم تكن مخاوف "فرانكلين" ضرباً من الكهانة السياسية، بل حقيقة أمريكية واقعية، فالعنصر الإقتصادي بما هو "تشكيل سياسي" في التجربة الأمريكية هو ظهور لا يخفى عن العيان.
التكتل الإقتصادي مع مرهاناته اليوم "الليبرالية الجديدة" ، "الشركات متعددة الجنسيات"، "سلطة مصانع الصلب والأسلحة في الشمال الأمريكي" ، "سيطرة شركات السلاح على الإعلام الأمريكي"، هذه الظروف الإقتصادية تكتمل كتشكيل سياسي مؤثر في الخطاب السياسي الأمريكي.
لقد نشرت العديد من المقالات المهتمة بهذا التشكيل، ويمكن للقارئ متابعتها وإستخلاص النتائج الدقيقة لفاعلية هذا التشكيل، بما يشمل الأحزاب السياسية وأعضاء مجلسي الكونجرس والشيوخ، وصولاً لأجهزة الإعلام الأمريكي.
التشكيل الديني البروتستاني "إن لأمريكا رباً يحميها":
في مقالة "الولايات المتحدة بوصفها إعتباطية منظمة"، وفي مقالة "التدين الأمريكي"، ناقشت الظاهرة الدينية والمكون المسيحي السياسي للولايات المتحدة، وهذه الفاعلية في التشكيل السياسي الأمريكي، تجعل من الظاهرة الدينية حضوراً طاغياً، لا يستهان بتأثيراته.
إن مجمل الخطاب السياسي الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بفلسفة البقاء الأزلي لجمهورية الرب، وفيما يتعلق بدمقرطة العالم، هو خطاب ينتهج البناء الإنجيلي التبشيري بوضوح، هذا التشكيل السياسي وإن كان أشبه بالحضور المسستر في الخطاب الأمريكي، إلا أنه يلقى "مبالغات" كثيرة على صعيد القراءات العربية المتوفرة عن السياسة الأمريكية.
التشكيل الإمبراطوري "الإمتداد بعيدا عن الجغرافيا السياسية":
نتيجة أولية، أن نعتبر الولايات المتحدة إمبراطورية. لكن النتيجة الأهم هي أن الولايات المتحدة ليست إمبراطورية إمتداد جغرافي كلاسيكي، والمقصود هو أن الولايات المتحدة لا تتصرف فعلياً على شاكلة الإمبراطوريات التقليدية، على سبيل المثال، فهي لا تعمد إلى إحتلال دولة مجاورة كالمكسيك، بينما نقرأ في إستطلاعات الرأي أن 75 بالمائة من المكسيكيين يؤيدون إحتلال الولايات المتحدة لبلادهم!، كما ان المكسيكيات يتعمدن إلقاء أنفسهن على الحدود الأمريكية ساعات الولادة، أملاً في الجنسية الأمريكية!!.
الولايات المتحدة لا تعمد إلى إحتلال المناطق الإستراتيجية بالمصالح الأمريكية، بل هي في الأغلب تعمد إلى صناعة وتحقيق وإبقاء نظم سياسية متحالفة تضمن النتائج السياسية والإقتصادية المرجوة، الولايات المتحدة لا تتدخل عسكرياً، إلا في الحالات التي تمثل "إستحالة الحل الدبلوماسي"، وهي في الغالب لا تبحث عن صناعة ولايات جديدة، ولا يمنكننا أن نلصق بالولايات المتحدة "خاصية صناعة ولايات أمريكية جديدة".
لا تعتمد الولايات المتحدة على التوسع الجغرافي، لكنها تسعى إلى عفد المزيد من التحالفات الإقتصادية والسياسية، وعلى السيطرة المباشرة على المؤسسات الكونية السياسية منها والإقتصادية على حد سواء، هذا ما يجعل منها في كثير من المواقف واللحظات التاريخية تشتغل بأيدي الآخرين نحو تعزيز سلطتها الكونية. هذا السلوك الإمبراطوري "كتشكيل سياسي" يحتاج إلى دراسات إجتماعية أكثر عمقاً، حتى نستطيع التعرف على حدود هذا التشكيل وديناميكيته السياسية بدقة.
التشكيل الفلسفي والمعرفي "أبناء المعرفة وحماة الإنسان":

صادق جواد سليمان في إحدى مقالاته الهامة بعنوان "البعد الفلسفي في الخبرة الأمريكية" كتب لنا "ندرك أنه عندما نعت هذا المهجر الأمريكي بالعالم الجديد لم يعن ذلك انفصاما عن العالم القديم، ولا انقطاعا عن مساقه الحضاري، بل عنى نشوء وضع جديد لحال إنساني قديم ترابط وتمازج ترايخيا عبر ثقافات وحضارات متنوعة الفكر والعرف.."
لابد من متابعة سياق التمثلات الفلسفية في التجربة السياسية الأمريكية بعناية فائقة، وهو ما أعتقد انه تمثيل لأحد التشكيلات السياسية والإجتماعية الأمريكية،
ثمة فلسفة ومعرفة وتجربة إنسانية أمريكية ذاتية، صاغتها الكانطية بإقتدار، وأسسها وليم جيمس، وتشارلز بيرس وغيرهم الكثير ممن صاغوا العديد من المفاهيم السياسية الحديثة، والتي تقف البراجماتية على رأسها.
في "الديمقراطية في أمريكا" كتب الفرنسي ألكسي "دي توكفيل، "أن الأمريكيين أقل الأمم اكتراثا بالفلسفة، مع ذلك، فهم يفكرون ويتصرفون وكأنهم ينطلقوق من رؤية فلسفية مشتركة: إنهم لا يرون لأنفسهم حاجة إلى أخذ الفلسفة من الكتب، ولا لتأطيرها نظريا، ففلسفتهم فيهم، يعيشونها في واقع الحياة. مع ذلك، هنالك معالم فلسفية معينة يمكن تشخيصها في مسلك الأمريكيين. إنهم يعزفون عن العادات والتقاليد، عن المسلمات الموروثه في الأسر، عن التعميم في الرأي، ولحد ما أيضا، عن التحيز ضد الغير على أساس المنشأ الوطني. في المقابل، هم يتعاملون مع التقاليد كصيغ اجتماعية تخبر عن رؤى أجيال خلت، ويتخذون من الحقائق السائدة جسرا إلى اكتشاف حقائق جديدة تؤدي إلى ابتكارات أحسن. مرجعيتهم في تقصي الأمور وفهمها ذاتية بحتة، تركيزهم على النتائج يطلق اجتهادهم في ابتكار الوسائل، واهتمامهم بالجوهر يبعث لديهم اعتناء بالشكل".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟