الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من وسيلة لحماية المسيحيين العرب؟

منعم زيدان صويص

2014 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


بعدما هُجّر المسيحيون من الموصل ومن مناطق أخرى في العراق وسوريا، واختُطف وأهين رهبانهم وراهباتهم ودُمرت ونهبت كنائسهم وأعدم بعضهم من دون السماح لهم أن يدافعوا عن أنفسهم، ظهرت موجة من الإحتجاجات، داخل وخارج العالم العربي، ونُشرت، ولا تزال تُنشر، المقالات وتذاع التصريحات والتعليقات، الرسمية وغير الرسمية، عن مصيبة المسيحيين في العراق وبلاد الشام، مؤكدة على دورهم في المساهمه في تقدم هذه البلاد وتطورها الثقافي والإقتصادي، وعلى وجودهم كمكوّن هام وفعال في المنطقة وعلى تاريخهم فيها الذي يمتد لأكثر من 1500 عام، غير أن إجراءً عمليا لحمايتهم لم يُقترح أو يتم بحثه .

بعض الذين دافعوا عن المسيحيين، من قادة الرأي المسلمين، حثوا ما تبقى منهم أن لا يستسلموا "للخوف والقلق،" وأن يتشبثوا بأوطانهم التي هي "بحاجة إليهم" ويمسحوا من أدمغتهم فكرة الهجرة، وحثوا كبار رجال الدين والشخصيات المسيحية على تثبيت الطوائف المسيحية في أماكنها. المسيحيون العرب في العراق طُردوا من منازلهم، وصودرت ممتلكاتهم، وخسروا وطنهم وكل ما يملكون وأهينوا وتشتتوا في بلدان غريبة عليهم، وليس هناك ما يضمن أن حال المسيحيين في البلدان المجاورة ستكون أفضل، فكثيرون في المنطقة يؤمنون بأفكار هولاء المتطرفين ويختلفون معهم فقط في تطبيق هذه الأفكار.

لا شك أن هذه المواقف مخلصة وتعكس المروءة الحقة، وتذكّرنا بالمواقف العربية الأصيلة التي يتخذها العرب الحقيقيون في الدفاع عن جيرانهم إذا شعروأ أنهم يتعرضون للظلم والضيم ولا يستطيعون، أو يملكون الوسيلة، لرفع هذا الظلم. ونحن نذكر، بكل فخر، العادات والتقاليد المتعارف عليها بين القبائل العربية، والمتعلقة بحماية المظلوم، أو ما يسمى "الدخيل،" والدفاع عنه بالمال والنفس. وفي هذا المجال أستغربُ موقف العشائر العربية التي تسكن في العراق وسوريا، حيث يعيش المسيحيون وبعض الأقليات الأخرى. هذه العشائر جبُنت، أوانضمت للتنظيمات الإرهابية، أو أغمضت أعينها عما حصل للأقليات الدينية أو العرقية. لا أظن أن أحدا يعتقد، أو يستطيع أن يبرهن، أن المسيحيين، أفرادا أو جماعات، إرتكبوا في تاريخهم أية فعلة أضرت بغيرهم من المواطنين أو بالمصلحة العامة أو بالبلاد التي يسكنونها.

كلما حصل نزاع بين الغرب وأية جهة عربية أو إسلامية يحمّل المتطرفون الإسلاميون المسيحيين في المنطقة المسؤولية، ويعتقد المتطرفون أنهم إذا قتلوا المسيحيين الذين يعيشون بينهم أو هجروهم فإنهم يضغطون على الغرب ويستفزونه ويثأرون لما حصل لهم. الحركات المتطرفة حاولت أن تستخدم المسيحيين بالذات كأداة إبتزاز للضغط على الغرب، الذي يعتبرونه مسيحيا، وهو كذلك بالإسم فقط، لكي لا يتدخل ويمنعهم من تنفيذ أهدافهم السياسية، ولكن الغرب لم يخضع لهذا الضغط لأن له أهدافا أخرى، وهو ببساطة لا يهتم بالمسيحيين العرب، أو بمصيرهم. وفي مصر، على سبيل المثال، حمّل بعضُ الإسلإميين الأقباطَ المسؤولية عن نجاح عبد الفتاح السيسي، وهاجموا عددا من كنائسهم. وهوجم المسيحيون في سوريا واختطف أحبارهم ورهبانهم، وهوجموا في تونسٍ، وكانوا سيهاجَمون، لو وُجدوا، في ليبيا واليمن. البعض يحضّون المسيحيين على الصمود على أرضهم ومقاومة خيار الهروب والهجرة، وهذا الصمود ممكن لو كان هناك شكل من أشكال الحماية وشد الأزر من قبل إخوتهم وشركائهم في الوطن.

التطرف في العالم العربي والإسلامي هو حالة فكرية مرتبطة بالدين بشكل أو بآخر، وإذا لم تتغير هذه الحالة الفكرية فكل عمل عنيف ضد المتطرفين، وخاصة من قبل الغرب، يزيد التطرف إشتعالا. فالمتطرفون يؤمنون بما يفعلونه، وهم مستعدون للموت في سبيله، ما دام مبني على الأفكار المتطرفة إياها التي تعلموها من دعاة متطرفين. لا شك أن حاضنة التطرف الديني كانت، وما زالت، حزب الإخوان المسلمين، منذ أن تأسس في مصر عام 1928، والذي إستقطب كل من يؤمن بالإسلام السياسي. ومع ذلك عرف الإخوان قيمة المرونة والمناورة في التعامل مع الأنظمة، ولكن أفكار سيد قطب المتشددة والمتطرفة، كما شرحها في كتابه، معالم على الطريق، اصبحت القاعدة التي تتمسك بها غالبية الطيف السياسي في الحركة. وأعدم سيد قطب عام 1965 ولكن هذا لم يساعد في السيطرة على التطرف بل أدّى إلى انتشاره، وخاصة بعد هزيمة 1967، ووُلدت داخل الإخوان، وانفصلت عنهم لاحقا، حركات متطرفة تؤمن بالعنف، ونفذت هجمات على دوائر الدولة وموظفيها والسياح الأجانب، والعلاج الوحيد الذي إتبع كان القمع وليس معالجة الأفكار المغايرة واستخدام الحوار الصريح. ونحن نعرف أن معظم المتطرفين، إبتداء من بن لادن وانتهاء بأبي بكر البغدادي، تربوا في أحضان الحزب. ويظهر أن الغرب بدأ يكتشف أنه أخطأ عندما صدق إدعاء الإخوان بأنهم يمثلون الإسلام ألمعتدل، فمن المتوقع أن تُعلن الحكومة البريطانية عن بدء مواجهتها لحركة الإخوان المسلمين وعدد من التنظيمات الإسلامية على أراضيها والمرتبطة بالتنظيم، وهي تنظيمات متهمة بتأجيج التطرف الديني في بريطانيا وفي أنحاء العالم، كما قالت الإندبندنت البريطانية.

ليس للمسيحي مصلحة في تأييد الغرب ومعاداة الإسلام، ولو كان كذلك لاستخدمه الغرب طابورا خامسا لتنفيذ أهدافه. والحقيقة أنه حتى المسيحيين العرب الذين يعيشون في الغرب لم ينسوْا أوطانهم التي تركوها، وهم الوحيدون الذين يدافعون عن المسلمين وقضاياهم بطريقة مقنعة (إدوارد سعيد نموذجا). ولكن الإسلاميين المتطرفين لا يقتنعون بذلك، وكلما فشلوافي تحقيق أهدافهم وتطبيق أفكارهم، نفّسوا عمّا يعتمل في صدورهم بصب جام غضبهم على المواطنين المسيحيين ونسوا أن المسلمين أنفسهم هم الذين يقاومونهم ويحاربونهم.

قلنا في مقال سابق أن حلفا تقوده أمريكا لن يهزم تنظيم داعش، بل سيمنحه المبرر والشعبية والإحترام. ربما سيتراجع التنظيم مؤقتا ولكنه سيعود في المستقبل القريب بصورة أقوى وأعنف طالما أن أفكاره لم تمت، وإذا كان العرب يريدون أن يقضوا على تنظيم داعش وأمثاله فعليهم أن يحاربوه بأنفسهم ويعملوا على زعزعة أفكار التطرف وإصلاح مناهج التربية والتعليم. إن قيادة الغرب للحملة ضد التطرف الإسلامي سيكون وبالا على المسيحيين العرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة